تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها
تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها المؤلف: ابن معصوم المدني |
تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها
نفسٌ عليكَ تقطَّعت بِأساها
يا كوكباً قد خر من أفق العلى
في ليلة ٍ كسَت الصباحَ دُجاها
كانت حياتُك للنَّواظر قرَّة ً
واليوم موتك للعيون قذاها
يا ليتني غُيِّبتُ قبلكَ في الثرى
وسُقيتُ كاسَ الموت قبل تَراها
أوْ ليتَ عيني قبلَ تبصرُ يومَك الـ
محتوم كحلها الردى بعماها
لم لا تمنى الموت دونك مهجة ٌ
قد كنت تجهد طالباً لرضاها
أم كيف لا تهوى العمى لك مقلة ٌ
قد كنتَ قرَّتها وكنت سَناها
آهٍ ليومَكَ ما أمضَّ مُصابَه
وأحرَّ نارَ مصيبة ٍ أوراها
لا والذي أبكى واضحك والذي
أفنى نفوساً بعدما أحياها
لم يبقَ لي في العيش بعدَك رغبة ٌ
ما لي وللدنيا وطول عناها
هيهات ترغبُ في الحياة حشاشة ٌ
قد كنت أنت حياتها ومناها
كانت تؤمل أن تكون لك الفدا
فأبيت إلا أن تكون فداها
وبررتها حتى كأنك رأفة ً
وتعطُّفاً كنتَ ابنهَا وأباها
أفٍّ لها إذ لم تشاطِرْكَ الرَّدى
ما كان أغلظَها وما أقساها
قسماً بربِّ العاكفين بمكة ٍ
والطائفين بِحجرها وصَفاها
لولا يقيني أنني بك لاحقٌ
لقهرتُها حتى تذوقَ رداها
تالله خابَ السعيُ وانفصمت عُرى الـ
آمال ممَّا نابَها وعَراها
لا متعت بالعيش بعدك أنفسٌ
كانت حياتُك روضَها وجَناها
بل لا هنا للقلب غيرُ غليله
أبداً ولا للعين غير بكاها
يا دوحة ً للمجد مثمرة العلى
ذهبت نَضارتُها وجفَّ نَداها
قد كنت ساعدي الذي أسطو به
ويدي التي يَخشى الزمانُ سُطاها
تَنفي الأسى عنِّي وتحمي جانبي
من كلِّ كارثة ٍ يعمُّ أذاها
واليوم قد هجمت علي حوادثٌ
ما كنتُ أحذرُها ولا أخشاها
طوبى لأيَّام الوصال وطيبها
ما كان أحلاها وما أهْناها
أيَّام لي من حسنِ وجهك بَهجة ٌ
بجمالها بين الوَرى أتَباهى
فإذا جلست بجانبي فكأنني
قارنتُ من شمس النهار ضُحاها
وإذا رأيتُك بين آل المصطفى
عوَّذتُ منظَرك الجميل بطاها
كانت بقربك في الزمان مواردي
تصفو ويعذُبُ ورْدُها ورواها
فمنيت من حر الفراق بغلة ٍ
حكم الردى أن لا يبل صداها
وبُليتُ من أرزائه برزيَّة ٍ
عظُمت مصيبتُها وطالَ جَواها
إني ليملكني التأسف والأسى
فيعزُّ من نفسي عليكَ عزاها
فإذا ذكرت فناء دنيانا التي
لا لفظها يَبقى ولا معناها
خفَّ الأسى عنِّي وهان عليَّ ما
ألقاه من أهوالها وبَلاها
كيف البَقاءُ بهذه الدار التي
من قد بناها للفناء بناها
دارٌ قضت أن لا يدومَ نعيمُها
لا كان مسكنها ولا سكناها
لا يسرها باقٍ ولا إعسارها
سِيَّان حالا فقرها وغناها
مقرونة ٌ خيراتها بشرورها
ونعيمُها بعنائِها وشَقاها
إن أضحكت أبكتْ وإن برَّت بَرَتْ
وإذا شفَتْ شفَّت عليلَ ضَناها
أين الملوك المالكين لأمرها
والعامرو أمصارها وقراها
أين القياصر والأكاسرة الألى
شادُوا مباني عزِّها وعُلاها
أين الخواقينُ الذين تمسَّكوا
بعهودها واستمسكوا بعراها
غرَّتهم بشَرابها وسَرابها
حتى انتشوا من كأسها وطلاها
بطشت بهم بطش الكمين بغرة ٍ
الله أكبرُ ما أقلَّ وفاها
قد ضل رشد من أطباه جمالها
فَصبا إليها وازدَهاهُ زُهاها
يهوى الأنام بها البقاء وإنما
شاء الإله بقاءهم بسواها
ما هذه الأيام غير مراحلٍ
تطوى وأنفاس النفوس خطاها
حتى إذا بلغت نهاية سيرها
ألقت عَصاها واستقرَّ نَواها
يا قُرَّة ً للعين أسخَنها الرَّدى
وعزيمة ً للقلب فَلَّ شَباها
تبكي عليك النفس من فرط الأسى
وتنوح وجداً من عظيم شجاها
وتقول حقاً حين ينكشف العمى
عنها وتبصرُ رشدَها وهُداها
وُفِّقْتَ حين رفضتَ ألأمَ منزلٍ
ورقَيتَ من عُليا الجنان ذُراها
جاريتَني فبلغتَ قبلي غاية ً
للحق لم يبلغ أبوك مداها
ما زلتَ تسهر كلَّ ليلة ِ جمعة ٍ
لله إذ يغشى لعيون كراها
حتى دعاك الله فيها راضياً
لتنال منه مثوبة ً ترضاها
لله هَّمتُك التي فاقت على
همم الأعاظم شيخها وفتاها
سعت الرجالُ لنيل دُنياها التي
قد دُنِّست فعزفت عن دنياها
وسعيت للأخرى المقدسة التي
لم يرعَ غيرُ الطاهرين حِماها
فحويتَها والعمرُ مُقَتَبل الصِّبا
واهاً لهمتك العلية واها
إن كنت أحللت الجنان منعماً
فأبوك حل من الهموم لظاها
حزنت لموتك طيبة ٌ وبقيعها
وبكت لفوتك مكة ٌ ومناها
وغدا الغريُّ عليك يُغري بالأسى
طُوساً وبغداداً وسامَرَّاها
أقررتَ أعينَ من بها بنزاهة ٍ
حِلَّتكَ في سنِّ الصِّبا بحُلاها
صلَّى عليكَ الله من مُستودَعٍ
في رَوضة ٍ ضمَّ الكمالَ ثراها
وتواتَرتْ رحماتُ ربِّك بُكرة ً
وعشية ً يسقي ثراك حياها
ما حن مشتاقٌ إلى أحبابه
وتذكرت نفسٌ أهيل هواها