→ من يراقب سير المجتمع | الكتاب الأخضر الفصل الأول, الصحافة المؤلف: معمر القذافي |
الذى ينتج هو الذى يستهلك ← |
إن الشخص الطبيعي حر في التعبير عن نفسه حتى ولو تصرف بجنون ليعبر عن أنه مجنون. إن الشخص الاعتباري هو أيضاً حر في التعبير عن شخصيته الاعتبارية ، ولكن في كلتا الحالتين لا يمثل الأول إلا نفسه ، ولا يمثل الثاني إلا مجموعة الأشخاص الطبيعيين المكونين لشخصيته الاعتبارية. المجتمع يتكون من العديد من الأشخاص الطبيعيين ،والعديد من الاعتباريين. إذن ، تعبير شخص طبيعي عن أنه مجنون مثلاً لا يعني أن بقية أفراد المجتمع مجانين كذلك. أي أن تعبير شخص طبيعي لا يعني إلا التعبير عن نفسه ، وتعبير شخص اعتباري لا يعني إلا التعبير عن مصلحة أو رأي مجموعة المكونين لتلك الشخصية الاعتبارية. فشركة إنتاج أو بيع الدخان لا تعبر مصلحياً إلا عن مصالح المكونين لتلك الشركة .. أي ، المنتفعين بإنتاج أو بيع الدخان حتى وهو ضار بصحة الآخرين. الصحافة وسيلة تعبير للمجتمع… وليست وسيلة تعبير لشخص طبيعي أو معنوي، إذن ، منطقياً وديمقراطياً لا يمكن أن تكون ملكاً لأي منهما. الفرد الذي يملك صحيفة هي صحيفته وتعبر عن وجهة نظره هو فقط. والادعاء بأنها صحيفة الرأي العام هو ادعاء باطل لا أساس له من الصحة ، لأنها تعبر في الواقع عن وجهة نظر شخص طبيعي ، ولا يجوز ديمقراطياً أن يملك الفرد الطبيعي أي وسيلة نشر أو إعلام عامة ، ولكن من حقه الطبيعي أن يعبر عن نفسه فقط بأية وسيلة حتى ولو كانت جنونية ليبرهن على جنونه. إن الصحيفة التي يصدرها حرفيون مثلاً هي وسيلة تعبير لهذه الفئة من المجتمع فقط ، تطرح وجهة نظرها فقط ، وليس وجهة نظر الرأي العام .. وهكذا الشأن في بقية الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين في المجتمع. إن الصحافة الديمقراطية هي التي تصدرها لجنة شعبية مكونة من كل فئات المجتمع المختلفة … في هذه الحالة فقط ولا أخرى سواها تكون الصحافة أو وسيلة الإعلام معبرة عن المجتمع ككل ، وحاملة لوجهة نظر فئاته العامة ، وبذلك تكون الصحافة ديمقراطية أو إعلاماً ديمقراطياً. إذا أصدر المهنيون الطبيون أي صحيفة فلا يحق لها إلا أن تكون طبية بحتة … وهكذا بالنسبة لبقية الفئات. الشخص الطبيعي يحق له أن يعبٌرعن نفسـه فقـط، ولا يحق له ديمقراطياً أن يعبٌر عن أكثر من نفسه ... وينتهي بهذا انتهاء جذرياً وديمقراطياً ما يسمى في العالم ( بمشكلة حرية الصحافة ). إن مشكلة حرية الصحافة التي لم ينته النزاع حولها في العالم هي وليدة مشكلة الديمقراطية عموماً ... ولا يمكن حلها ما لم تحل أزمة الديمقراطية برمتها في المجتمع كله ... وليس من طريق لحل تلك المشكلة المستعصية ، أعني مشكلة الديمقراطية ، إلا طريق وحيد وهو طريق النظرية العالمية الثالثة.
إن النظام الديمقراطي وفقاً لهذه النظرية بنـاء متماسك ، كل حَجَرٍ فيـه مبنيّ على ما تحته من المؤتمرات الشعبية الأساسية والمؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية إلى أن تلتقي كلها في جلسة مؤتمر الشعب العام. و ليس هناك أي تصور آخر لمجتمع ديمقراطي على الإطلاق غير هذا التصور. وأخيراً … إن عصر الجماهير وهو يزحف حثيثاً نحونا بعد عصر الجمهوريات يلهب المشاعر ، ويبهر الأبصار ، ولكنه بقدر ما يبشر به من حرية حقيقية للجماهير ، وانعتاق سعيد من قيود أدوات الحكم … فهو ينذر بمجيء عصر الفوضى والغوغائية من بعده ، إن لم تنتكس الديمقراطية الجديدة التي هي سلطة الشعب … وتعود سلطة الفرد أو الطبقة أو القبيلة أو الطائفة أوالحزب. هذه هي الديمقراطية الحقيقية من الناحية النظرية. أما من الناحية الواقعية فإن الأقوياء دائماً يحكمون … أي أن الطرف الأقوى في المجتمع هو الذي يحكم.