الرئيسيةبحث

الروح/المسألة السادسة عشرة/فصل الزعم أن الحديث اختلف في إسناده

فصل الزعم أن الحديث اختلف في إسناد

وأما قولكم أنه حديث اختلف في إسناده فكلام مجازف لا يقبل قوله، فالحديث صحيح ثابت متفق على صحته رواه صاحبا الصحيح، ولم يختلف في إسناده.
قال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه». وصححه الإمام أحمد وذهب إليه وعلق الشافعي القول به على صحته، وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الصوم عن الميت شي ء، فإن كان ثابتا صيم عنه كما يحج عنه. وقد ثبت بلا شك، فهو مذهب الشافعي، كذلك قال غير واحد من أئمة أصحابه، قال البيهقي بعد حكايته هذا اللفظ عن الشافعي: قد ثبت جواز القضاء عن الميت برواية سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء، وعن عكرمة عن ابن عباس، وفي رواية أكثرهم أن امرأة سألت فأشبه أن تكون غير قصة أم سعد، وفي رواية بعضهم: «صومي عن أمك» وسيأتي تقرير ذلك عند الجواب عن كلامه رحمه اللّه.
و قولكم أنه معارض بنص القرآن وهو قوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [53:39] إساءة أدب في اللفظ وخطأ عظيم في المعنى، وقد أعاذ اللّه رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تعارض سنته نصوص القرآن، بل تعاضدها وتؤيدها، وباللّه ما يصنع التعصب ونصرة التقليد، وقد تقدم من الكلام على الآية ما فيه كفاية، وبينا أنها لا تعارض بينها وبين سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بوجه، وإنما يظن التعارض من سوى الفهم، وهذه طريقة وخيمة ذميمة وهي رد السنن الثابتة بما يفهم من ظاهر القرآن، والعلم كل العلم تنزيل السنن على القرآن، فإنها مشقة منه، ومأخوذة عمن جاء به، وهي بيان له لا أنها مناقضة له.
و قولكم أنه معارض بما رواه النسائي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: «لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه كل يوم مد من حنطة». فخطأ قبيح، فإن النسائي رواه هكذا (أخبرنا) محمد بن عبد الأعلى، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حجاج الأحول، حدثنا أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة». هكذا رواه قول ابن عباس لا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بقول ابن عباس، ثم يقدم عليه مع ثبوت الخلاف عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يقل هذا الكلام قط وكيف يقوله.
و قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» وكيف يقوله وقد قال في حديث بريدة الذي رواه مسلم في صحيحه أن امرأة قالت له: أمي ماتت وعليها صوم شهر؟ قال: «صومي عن أمك».
و أما قولكم أنه معارض بحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما، من مات وعليه صوم رمضان يطعم عنه. فمن هذا النمط فإنه حديث باطل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
قال البيهقي: حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من مات وعليه صوم رمضان يطعم عنه». لا يصح، ومحمد بن الرحمن كثير الوهم، وإنما رواه أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما من قوله.
و أما قولكم أنه معارض بالقياس الجلي على الصلاة والإسلام والتوبة فإن أحدا لا يفعلها عن أحد.
فلعمر اللّه أنه لقياس جلي البطلان والفساد لرد سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الصحيحة الصريحة له وشهادتها ببطلانه، وقد أوضحنا الفرق بين قبول الإسلام عن الكافر بعد موته، وبين انتفاع المسلم بما يهديه إليه أخوه المسلم من ثواب صيام أو صدقة أو صلاة، ولعمر اللّه أن الفرق بينهما أوضح من أن يخفى، وهل في القياس أفسد من قياس انتفاع المسلم بعد موته بما يهديه إليه أخوه المسلم من ثواب عمله على قبول الإسلام عن الكافر بعد موته أو قبول التوبة عن المجرم بعد موته.

هامش