الرئيسيةبحث

الروح/المسألة السادسة عشرة/فصل الدليل على انتفاع روح الميت

فصل الدليل على انتفاع روح الميت

والدليل على انتفاعه بغير ما تسبب فيه، القرآن والسنّة والإجماع وقواعد الشرع.
أما القرآن: فقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾[59:10] فأثنى اللّه سبحانه عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء.
و قد يمكن أن يقال: إنما انتفعوا باستغفارهم لأنهم سنوا لهم الإيمان بسبقهم إليه، فلما اتبعوهم فيه كانوا كالمستنين في حصوله لهم. لكن قد دل على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة.
و في السنن من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء».
و في صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال: صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار» [1].
و في السنن: عن واثلة بن الأسقع قال: صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول: «اللهم إن فلانا ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم».
و هذا كثير في الأحاديث، بل هو المقصود بالصلاة على الميت وكذلك الدعاء له بعد الدفن.
و في السنن: من حديث عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال: كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل».
و كذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم (كما في صحيح مسلم) من حديث بريدة بن الخصيب قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء اللّه بكم للاحقون أسأل اللّه لنا ولكم العافية» [2].
و في صحيح مسلم: أن عائشة رضي اللّه عنه سألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: كيف تقول إذا استغفرت لأهل القبور؟ قال: «قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم اللّه المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء اللّه بكم للاحقون» [3].
و في صحيحه: عنها أيضا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج في ليلتها من آخر الليل إلى البقيع فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، وإنا إن شاء اللّه بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» [4]. و دعاء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للأموات فعلا وتعليما، ودعاء الصحابة والتابعين والمسلمين عصرا بعد عصر أكثر من أن يذكر وأشهر من أن ينكر، وقد جاء: أن اللّه يرفع درجة العبد في الجنة فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال:
بدعاء ولدك لك.

هامش

  1. أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب الدعاء للميت في الصلاة (3/ 59).
  2. أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (3/ 65).
  3. أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (3/ 63) من ضمن حديث طويل وآخره ما ذكره ابن القيم رحمه اللّه.
  4. أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (3/ 63) عن عطاء بن يسار عن عائشة أنها قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم (كلما كان ليلتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم) يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول ... (الحديث).