الرئيسيةبحث

الروح/المسألة الثامنة عشرة/فصل الخلق ثم التصوير

فصل الخلق ثم التصوير

فهذا بعض كلام السلف والخلف في هذه الآية، وعلى تقدير فلا تدل على خلق الأرواح قبل الأجساد خلقا مستقرا، وإنما غايتها أن تدل على إخراج صورهم وأمثالهم في صور الذر واستنطاقهم، ثم ردهم إلى أصلهم إن صح الخبر بذلك، والذي صح إنما هو إثبات القدر السابق وتقسيمهم إلى شقي وسعيد.
و أما استدلال أبي محمد بن حزم بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾[7:11] فما أليق هذا الاستدلال بظاهريته لترتيب الأمر بالسجود لآدم على خلقنا وتصويرنا والخطاب للجملة المركبة من البدن والروح وذلك متأخر عن خلق آدم ولهذا قال ابن عباس ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾[7:11] يعني آدم ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾[7:11] لذريته. ومثال هذا ما قاله مجاهد ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾[7:11] يعني آدم و{قرآن|س=7|آ=11|صَوَّرْنَاكُمْ}} في ظهور آدم وإنما قال﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾[7:11] بلفظ الجمع وهو يريد آدم كما تقول: ضربناكم، وإنما ضربت سيدهم.
و اختار أبو عبيد في هذه الآية قول مجاهد لقوله تعالى بعد: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا﴾[7:11] وكان قوله تعالى للملائكة اسجدوا قبل خلق ذرية آدم وتصويرهم في الأرحام، وثم توجب التراخي والترتيب فمن جعل الخلق والتصوير في هذه الآية لأولاد آدم في الأرحام يكون قد راعى حكم ثم في الترتيب إلا أن يأخذ بقول الأخفش فإنه يقول: ثم هاهنا في معنى الواو.
قال الزجاج: وهذا خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعلمه، قال أبو عبيد: وقد بينه مجاهد حين قال: إن اللّه تعالى خلق ولد آدم وصورهم في ظهره ثم أمر بعد ذلك بالسجود. قال: وهذا بين في الحديث، وهو أخرجهم من ظهره في صور النذر.
قلت: والقرآن يفسر بعضه بعضا، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾[22:5] فأوقع الخلق من تراب عليهم وهو لأبيهم آدم إذ هو أصلهم واللّه سبحانه يخاطب الموجودين، والمراد آباؤهم كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ [2:55] وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾[2:61] الآية وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾[2:72] وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾[2:63] وهو كثير في القرآن يخاطبهم والمراد به آباؤهم فهكذا قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾[7:11].
و قد يستطرد سبحانه من ذكر الشخص إلى ذكر النوع كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ۝12ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ۝13﴾ [23:12—13] فالمخلوق من سلالة من طين آدم والمجعول نطفة في قرار مكين ذريته.
و أما حديث خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فلا يصح إسناده، ففيه عتبة بن السكن. قال الدارقطني: متروك. وأرطاة بن المنذر، قال ابن عدي:
بعض أحاديث غلط.

هامش