الرئيسيةبحث

الرسالة التدمرية/1



خطبة الكتاب ومنهجه وأبوابه

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد أن لا اله الا الله ونشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم تسليما أما بعد فقد سأليى من تعينت اجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه منى في بعض المجالس من كلام ( فى التوحيد والصفات ) وفى ( الشرع والقدر لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين وكثرة الاضطراب فيهما فانهما مع حاجة كل أحد اليهما ومغ أن أهل النظر والعلم والإدارة والعباد : لابدأن يخطر لهم في ذلك من الخواطر والاقوال ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال لا سيما مع كثرة من خاض في ذلك بالحق تارة وبالباطل تارات وما يعتري القلوب في ذلك : من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات

فالكلام في باب ( التوحيد والصفات ) هو من باب الخير الدائر بين النفي والإثبات

والكلام في ( الشرع والقدر ) : هو من باب الطلب والإرادة : الدائر بين الارادة والمحبة وبين الكراهة والبغض : نفيا وإثباتا

والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات والتصديق والتكذيب وبين الحب والبغض والحض والمنع حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة ومعروف عنج أصناف المتكلمين في العلم كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الأيمان وكما ذكره المقسمون للكلام من أهل النظر والنحو والبيان فذكروا أن الكلام نوعان : خبر وانشاء والخبر دائر بين النفي والإثبات وألإنشاء أمر أو نهي أو إباحة

واذا كان كذلك : فلا بد للعبد أن يثبت لله ما يجب اثباته له من صفات الكمال وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال ولا بد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره فيؤمن من يخلقه المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئه ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه : من القول والعمل ويؤمن بشرعه وقدره إيمانا خاليا من الزلل

وهذا يتضمن ( التوحيد في عبادته ) وحده لا شريك له : وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل و الأول يتضمن ( التوحيد في العلم والقول ) كما دل على ذلك سورة { قل هو الله أحد } ودل على الآخر سورة : { قل يا أيها الكافرون } وهما سورتا الاخلاص وبهما كان النبي ﷺ يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك

فأما الأول وهو ( التوحيد في الصفات ) فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله : نفيا واثباتا فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه

وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأتمها إثبات ما أثبته من الصفات من غير بكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل

وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد : لا في أمائه ولا في آياته فان الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } وقال تعالى : { إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم } الآية

فطريقهم تتضمن اثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات : اثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ففي قوله { ليس كمثله شيء } : رد للبشبيه والتمثيل وقوله : { وهو السميع البصير } : رد للالحاد والتعطيل

والله سبحانه : بعث رسله ( باثبات مفصل ونفي مجمل ) فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى { فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } قال أهل اللغة : هل تعلم له سميا أن فظيرا يستحق مثل اسمه ويقال : مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس ( هل تعلم له سميا ) مثيلا أو شبيها

وقال تعالى { لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد } وقال تعالى { فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } وقال تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } وقال تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون * بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم }

وقال تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } وقال تعالى : { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون * أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون * ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لكاذبون * أصطفى البنات على البنين * ما لكم كيف تحكمون * أفلا تذكرون * أم لكم سلطان مبين * فاتوا بكتابكم إن كنتم صادقين * وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين }

فسبح نفسه عما يصفه امفترون المشركون وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من الإفك والشرك وحمد نفسه إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من الأسماء والصفات وبديع الخلوقات

وأما ( الاثبات المفصل ) : فانه ذكر من أسمائه وصفاته ما أنزله في محكم آياته كقوله : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } الآية بكمالها وقوله : { قل هو الله أحد * الله الصمد } السورة وقوله : { وهو العليم الحكيم } { وهو العليم القدير } { وهو السميع البصير } { وهو العزيز الحكيم } { وهو الغفور الرحيم } { وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد } { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم * هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير }

وقوله : { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } الآية وقوله : { رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه } وقوله : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه } وقوله : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } وقوله : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } وقوله : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } وقوله : { وكلم الله موسى تكليما } وقوله : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } وقوله : { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } وقوله : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } وقوله : { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }

الى أمثال هذه الآيات والاحاديث الثابتة عن النبي ﷺ في أسماء الرب تعالى وصفاته فان ذلك من اثبات ذاته وصفاته على وجه التفصيل واثبات وحدانيته بنفي التمثيل ما هذى الله به عباده سواء السيل فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل فى هؤلاء من الصابئة المتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم : فانهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون الا وجود مطلقا لا حقيقه فى الأعيان

فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل فانهم يمثلونه بالممتعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات

فلانهم يسبلون عنه النقيضين فيقولون : لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل لانهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالاثبات شبهوه بالموجودات واذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين وهذا ممتنع فى بداهة العقول وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول فوقعوا فى شر مما فروا منه فانهم شبهون بالممتنعات اذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات

وقد علم بالاضطرار : أن الوجود لا بد من موجود واجاب بذاته غني عما سواه قديم أزلي لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم فوصفوه بما يمتنع وجود ه فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم

وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والاضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الاطلاق وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن لا فيما خرج عنه من الموجودات وجعلوا الصفة هي الموصوف فجعلوا العلم عين العالم مكابرة للقضايا البديهات وجعلوا هذه الصفة هي الاخرى فلم يميزوا بين العلم والقدرة والمشيئة جحدا للعلوم الضروريات

وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم فأثبتوا لله الأسماء د ون ماتتمنه من الصفات - فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادعات ومنهم من قال عليم بلا علم قدير بلا قدير سميع بصير بلا سمع ولا بصر فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات

والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول : مذكور على غير هذه الكلمات

وهؤلاء جميعهم يفرون من شئ فيقعون في نظيره وفي شر منه مع ما يلزمهم من التحريف والتعطيل ولو أمعنو ا النظر اسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات كما تقتضيه المعقولات ولكانوا من الذين أوتوا العلم الذي يرون أنما أنزل الى الرسول هو الحق من ريه ويهدي الى صراط العزيز الحميد

ولكنهم من أهل المجهولات المشبهة بالمعقولات يسفسطون فى العقليات يقرمطون فى السمعيات

وذلك أنه قد علم بضروة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه اذ نحن نشاهد حدوث المحدثات : كالحيوان والمعدن والنبات والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع وقد علم بالا ضطرار أن المحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من موجود كما قال تعالى : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } فاذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون لأنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم

واذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم : فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما فى مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما فى اسم عام : لا يقتضي تماثلهما فى مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره

فلا يقول عاقل اذا قيل ان العرش شيء موجود وان البعوض شيء موجود : ان هذا مثل هذا لا تفاهما فى مسمى الشيء والوجود لانه ليس فى الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق واذا قيل هذا موجود وهذا موجود : فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره مع أن الإسم حقيقة في كل منهما

ولهذا سمى الله نفسه باسماء وسمى صفاته باسماء وكانت تلك الاسماء مختصة به اذا أضيفت اليه لا يشركه فيها غيره وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة اليهم توافق تلك الأسماء اذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ولم يلزم من اتفاق الإسمين وتماثل مسماهما واتحاد عند الإطلاق والتجديد عن الإضافة والتخصيص : اتفاقهما ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص

فقد سمى الله نفسه حيا فقال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وسمى بعض عباده حيا فقال : { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله الحي اسم لله مختص به وقوله : { يخرج الحي من الميت } اسم للحي المخلوق مختص به وانما يتفقان اذا أطلقا وجردا عن التخصيص ولكن ليس للطلق مسمى موجود فى الخارج ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق

ولا بد من هذا عى جميع أسماء الله وصفاته يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والإتفاق وما دل عليه بالإضافة والاختصاص : المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى

وكذلك سمى الله نفسه عليما حليما وسمى بعض عبادة عليما فقال : { وبشروه بغلام عليم } يعني اسحق وسمى آخر حليما فقال : { فبشرناه بغلام حليم } يعني اسماعيل وليس العليم كالعليم ولا الحليم كالحليم

وسمه نفسه سميعا بصيرا فقال : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا } وسمى بعض عباده سميعا بصيرا فقال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير

وسمى نفسه بالرؤوف الرحيم فقال : { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } وسمى بعض عباده بالرؤوف الرحيم فقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } وليس الرؤوف كالرؤوف ولا الرحيم كالرحيم

وسمى نفسه بالملك فقال { الملك القدوس } وسمى بعض عباده بالملك فقال ( وكان وراءهم ملك يأخذ سفينة غصبا ) ( وقال الملك ائتوني به ) وليس الملك كالملك

وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن وسمى بعض عباده بالمؤمن فقال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } وليس المؤمن كالمؤمن

وسمى نفسه بالعزيز فقال : { العزيز الجبار المتكبر } وسمى بعض عباده بالعزيز فقال : { قالت امرأة العزيز } وليس العزيز كالعزيز

وسمى نفسه الجبار المتكبر وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر فقال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } وليس الجبار كالجبار ولا المتكبر كالمتكبر ونظأئر هذا متعددة

وكذلك سمى صفاته بأسماء وسمى صفات عبادة بنظير ذلك فقال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } ( انزله بعلمه ) وقال : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } وقال : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } وسمى صفة المخلوق علما وقوة فقال : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } وقال : { وفوق كل ذي علم عليم } وقال : { فرحوا بما عندهم من العلم } وقال : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } وقال : { ويزدكم قوة إلى قوتكم } وقال : { والسماء بنيناها بأيد } أي بقوة وقال : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } أي ذا القوة وليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة فقال : { لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وقال : : { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما } وكذلك وصف نفسه بالإرادة عبده بالإرادة فقال : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم }

ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده بالمحبة فقال : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }

ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا فقال : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ومعلوم أن مشيئة الله ليس مثل العبد ولا ارادته مثل ارادته ولا محبته مثل محبته ولا رضاه مثل رضاه وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار ووصفهم لامقت فقال : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } وليس المقت مثل المقت وهكذا وصف نفسه بلفمكر والكيد كما وصف عبده بذلك فقال : { ويمكرون ويمكر الله } وقال : { إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا } وليس المكر كالمكر ولا الكيد كالكيد

ووصف يفسه بالعمل فقال : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون } ووصف عبده بالعمل فقال : { جزاء بما كانوا يعملون } وليس العمل كالعمل ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة فقال : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } وقال : { ويوم يناديهم } وقال { وناداهما ربهما } ووصف عباده بالمنادة والمناجاة فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } وقال : { إذا ناجيتم الرسول } وقال : { إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان } وليس المناداة ولا المناجاة كالمناجاة والمنادات

ووصف يفسه بالتكليم فى قوله : { وكلم الله موسى تكليما } وقوله : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } وقوله : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } ووصف عبده بالتكلم فى قوله : { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } وليس التكليم كالتكليم ووصف نفسه بالتنبئة ووصف بعض الخلق بالتنبة فقال : { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } وليس الانباء كالانباء

ووصف نفسح بالتعليم ووصف عبده بالتعليم فقال : { الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان } وقال : { تعلمونهن مما علمكم الله } وقال : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وليس التعليم كالتعليم ووصف نفسه بالغضب فقال : { وغضب الله عليهم ولعنهم } ووصف عبده بالغضب فى قوله : { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } وليس الغضب كالغضب

ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه فذكر ذلك في سبع مواضع من كتابه أنه استوى الى العرش ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره في مثل قوله : { لتستووا على ظهوره } وقوله : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } وقوله : { واستوت على الجودي } وليس الاستواء كالاستواء ووصف نفسه ببسط اليدين فقال : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } ووصف بعض خلقه ببسط اليد فى قوله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } وليس اليد كاليد ولا البسط كالبسط وإذا كان المراد بالبسط الاعطاء والجود : فليس اعطاء الله كاعطاء خلقه ولا جوده كجودهم ونظائر هذا كثيرة فلا بد من اثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي مماثلته بخلقه فمن قال : ليس لله علم ولا قوة ولا رحمة ولا كلام ولا يحب ولا يرضى ولا نادى ولا ناجى ولا استوى : كان معطلا جاحدا ممثلا لله بالمعدومات والجمادات ومن قال له علم كعلمي أو قوة كقوتي أو حب كحب أو رضاء كرضائي أو يدان كيداي أو استواء كاستوائي كان مشبها ممثلا لله بالحيوانات بل لا بدمن اثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل وتبين هذا بأصلين شريفين ومثلين مضروبن وبخاتمة جامعة

اثبات بعض الصفات اثبات للباقي

فأما الاصلان : فأحدهما أن يقال : ( القول في بعض الصفات كالقول في بعض ) فإن كان المخاطب ممن يقول : بأن الله حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام مريد بإرادة ويجعل ذلك كله حقيقة وينازع فى محبته وضاه وغضبه وكراهته فيجعل ذلك مجازا ويفسره إما بالارادة وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات فيقال له : لا فرق بين ما نفتيه وبين ما أثبته بل القول في أحدهما كالقول فى الآخر فان قلت : إن ارادته مثل إرادة المخلوقين فكذلك محبته ورضاه وغضبه وهذا هو التمثيل وإن قلت : إن له إرادة تليق به كما أن للمخلوق ارادة تليق به قيل لك : وكذلك له محبة تليق به وللمخلوق محبة يليق به وله رضا وغضب يليق به وللمخلوق رضا وغضب يليق به

وان قالت : الغضب غليان دم القلب لطب الانتقام فيقال له : والإرادة ميل النفس الى جلب منفعة أو دفع مضرة فان قلت : هذه ارادة المخلوق قيل لك : وهذا غضب المخلوق وكذلك يلزم القول فى كلامه وسمعة وبصره وعلمه وقدرتة ان نفي عنه الغضب والمحبة والرضا وننحو ذلك مما هو من خصائص المخلوقين فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات وان قال : انه لا حقيقة لهذا الا ما يختص بالمخلوقين فيجب نفيه عنه قيل له : هكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة فهذا المفرق بين بعض الصفات وبعض يقال له : فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته فإذا قال المعتزلي : ليس له ارادة ولا كلام قائم به لأن هذه الصفات لا تقوم إلا بالمخلوقات فانه يبن للمعتزلي أن هذه الصفات يتصف بها القديم ولا تكون كصفات المحدثات فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك فإن قال : تلك الصفات أثبتها بالعقل لآن الفعل الحادث دل على القدرة والتخصيص دل على الارادة والإحكام دل على العلم وهذه الصفات مسلزمة للحياة والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام أو ضد ذلك قال له سائر أهل الاثبات : لك جوابان أحدهما أن يقال : عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين فثبت أن ما سلكت من الدليل العقلي لا يثبت ذلك فانه لا ينفيه وليس لك أن ينفيه بغير دليل لان النافي عليه الدليل كما على المثبت والسمع قد دل عليه ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي فيجب اثبات ما اثبته الدليل السالم عن المعارض المقاوم الثاني أن يقال : يمكن أثبات هذه الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات فيقال نفع العباد بالإحسان اليهم يدل على الرحمة كدلالة التخصيص على المشيئة وإكرام الطائعين يدل على محبتهم وعقاب الكافرين يدل على بغضهم كما قد ثبت بالشهادة والخير : من اكرام أولياءه وعقاب أعدائه والغايات المحمودة فى مفعولاته ومأموراته - وهي ما تنتهي اليه مفعولاته و مأموراته من العواقب الحميدة - يدل على حكمته البالغة كما يدل التخصيص على المشيئة وأولى : لقوى العلة الغائية ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم : أعظم مما في القرآن من بيان ما فيهما من الدلالة على محض المشيئة وان كان المخاطب ممن ينكر الصفات ويقر بالاسماء كالمعتزلي الذي يقول : انه حي عليم قدير وينكر أن يتصف بالحياة والعلم والقدرة قيل له : لا فبق بن أثبات الأسماء وإثبات الصفات فإنك ان قلت : اثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضي تشبيها أ تجسيما لأنا لا نجد فى الشاهد متصفا بالصفات الاما هو جسم قيل لك : ولا نجد فى الشاهد ما هو مسمى حى عليم قدير الا ما هو جسيم فان نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد الا للجسم فانف الأسماء بل وكل شيء لأنك لا تجده فى الشاهد الا للجسم فكل ما يحتج به من نفي الصفات يحتج به نافي الأسماء الحسنى : فما كان جوابا لذلك كان جوابا لمثبتي الصفات وإن كان المخاطب من الغلاة نفاة الأسماء والصفات وقال لا أقول : هو موجود ولا حي ولا عليم ولا قدير بل هذه الأسماء لمخلوقاته اذ هي مجاز لأن اثبات ذلك يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم قيل له : وكذلك اذا قلت : ليس بموجود ولا حي ولا عليم ولا قدير : كان ذلك تشبها بالمعدومات وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات فإن قال : أنا أنفي النفي والإثبات قيل له : فيلزمك التشبيه بما اجتمع فيه النقيضات من الممتنعات فإنه يمتنع أن يكون الشيء موجودا معدوما أولا موجودا ولا معدوما ويمتنع أن يكون يوصف ذلك باجتماع الوجود والعدم أو الحياة والموت أو العلم والجهل أو يوصف بنفي الوجود العدم ونفى الحياة والموت ونفى العلم والجهل فإن قلت انما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لها وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب فإن الجدار لا يقال له أعمى ولا بصير ولا حي ولا ميت إذا ليس بقابل لهما قيل لك : أولا هذا لا يصح فى الوجود والعدم فانهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء فليزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر وأما ما ذكرته من الحياة والموت والعلم والجهل : فهذا اصطلاح اصطلحت عليه المتفلسفة المشاءون والا صطلاحات اللفظية ليست دليلا على نفي الحقائق العقلية وقد قال الله تعالى : { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } فيسمى الجماد ميتا وهذا مشهور فى لغة العرب وغيرهم وقيل لك ثانيا : فما لا يقبل الاتصاف بالحياة والموت والعمى والبصر ونحو ذلك من المتفابلات انقض مما يقبل ذلك - فالأعمى الذى يقبل الإتصاف بالبصر أكمل من الجماد الذى لا يقبل واحدا منهما فأنت فررت من تشبيهه بالحيوانات القابلة لصفات الكمال ووصفته بصفات الجمادات التى لا تقبل ذلك وايضا فما يقبل الوجود والعدم : أعظم إمتناعا من القابل للوجود والعدم بل ومن اجتماع الوجود والعدم ونفيهما جميعا فما نفيت عنه قبول الوجود والعدم : كان أعظم امتناعا مما نفيت عنه الوجود والعدم واذا كان هذا ممتنعا فى صرائح العقول فذاك أعظم امتناعا فجعلت الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم هو اعظم الممتنعات وهذا غاية التناقض والفساد

وهؤلاء الباطنية منهم من يصرح برفع النقيضين : الوجود والعدم ورفعهما كجميعهما من يقول لا أثبت واحدا منهما فامتناعه عن اثبات احداهما في نفس الأمر لا يمنع تحقق واحد منهما فى نفس الأمر وانما هو كجهل الجاهل وسكوت الساكت الذي لا يعبر عن الحقائق واذا كان ما لا يقبل الوجود ولا العدم أعظم امتناعا مما يقدر قبوله لهما - مع نفيهما عنه - فما يقدر لا يقبل الحياة ولا الموت ولا العلم ولا الجهل ولا القدرة ولا العجز ولا الكلام ولا الخرس ولا العمى ولا البصر ولا السمع ولا الصمم : أقرب الى المعدوم الممتنع مما يقدر قال لا بهما - مع نفيهما عنه - وحينئذ فنفيهما وجب له العدم توقف صفاته على غيره فإذا جاز القبول وجب وإذا جاز وجود القبول وجب وقد بسط في موضع آخر وبين جوب اتصافه بصفات الكمال التي لا يقص فيها بوجه من الوجوه

وقيل له أيضا : اتفاق المسميين في بعض الأسماء والصفات : ليس هو التشبيه والتمثيل الذي نفته الأدله السمعيات والعقليات وإنما نفت ما يستلزم اشتراكهما فيما يختص به الخالق مما يختص بوجوبه أو جوازه أو امتناعه فلا يجوز أن يشركه فيه مخلوق ولا يشركه مخلوق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى -

وأما ما نفيته فهو ثابت بالشرع والعقل وتسميتك ذلك تشبيها وتجسما تمويه على الجهال الذين يظنون أن كل معنى سماه مسم بهذا الاسم يجب نفيه ولو ساغ هذا : لكان لك مبطل يسمى الحق بأسماء يقفر عنها بعض الناس ليكذب الناس بالحق المعلوم بالسمع والعقل وبهذه الطريقة : أفسدت الملاحدة على طوائف الناس عقلهم ودينهم حتى أخرجوهم إلى أعظم الكفر والجهالة وأبلغ الغي والضلالة وان قال نفاة الصفات : اثبات العلم والقدر ة والإرادة مستلزم تعدد الصفات وهذا تركيب ممتنع قيل : وإذا قلتم : هو موجود واجب وعقل وعاقل ومعقول وعاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ ولذة أفليس المفهوم من هذا هو المفهوم من هذا ؟ فهذه معان متغيرة في العقل وهذا تركيب عندكم وأنتم تثبتونه وتسمونه توحيدا

فإن قالوا : هذا في الحقيقة وليس هذا تركبا ممتنعا قيل لهم : واتصاف الذات بالصفات اللازمة لها توحيد في الحقيقة وليس هو تركيبا ممتنعا

وذلك أنه من المعلوم في صريح العقول أنه ليس معنى كون الشيء عالما هو معنى كونه قادرا ولا نفس ذاته هو نفس كونه عالما قادرا فمن جوز أن تكون هذه الصفة هذه الصفة هي الموصوف فهو من أعظم الناس سفسطة ثم إنه متناقض فانه ان جوز ذلك جاز أن يكون وجود هذا هو وجود هذا فيكون الوجود واحدا بالعين لا بالنوع وحينئذ فاذا كان وجود الممكن هو وجود الواجب كان وجود كل مخلوق يعدم بعدم وجوده ويوجد بعد عدمه : هو نفس وجود الحق القديم الدائم الباقة الذي لا يقبل العدم واذا قدر هذا كان الوجود الواجب موصوفا بكل تشبه وتجسيم وكل نقص وكل عيب كما يصرح بذلك ( أهل وحدة الوجود ) الذي طردوا هذا الأصل الفاسد وحينئذ فتكون أقوال نفاة الصفات باطلة على كل تقدير

وهذا باب مطرد فان كل واحد من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات : لا ينفى شيئا فرارا مما هو محذور إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فر منه فلا بد في آخر الأمر من أن يثبت موجودا وجبا قديما متصفا بصفات تميزه عن غيره ولا يكون فيها مماثلا لخلقه

فيقال له : هكذا القول فى جميع الصفات وكل ما تثبته من الأسماء والصفات : فلا بد أن يدل على قدر تتواطأ فيه المبسميات ولولا ذلك لما فهم الخطاب ولكن نعلم أن ما اختص الله به وامتاز عن خلقه : أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال

القول بالصفات كالقول بالذات

أن يقال : ( القول فى الصفات كالقول في الذات ) فان الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل سائر الصفات فذا قال السائل : كيف استوى على العرش ؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضي الله عنهما : الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عن الكيفية بدعة لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه وكذلك إذا قال كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ؟ قيل له : كيف هو ؟ فاذا قال : لا أعلم كيفيه قيل له : ونحن لا نعلم كيفية نزوله اذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف وهو فرع له وتابع له فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت لا بعلم كيفية ذاته وإذا كنت تقر بأن حقيقة ثابتة فى نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء فسمعه وبصره وكلامه ونزله واستواؤه : ثابت في نفس الأمر وهو متصف بصفات الكمال التى لا يشابهه فيها سمع الخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم وهذا الكلام لازم لهم في ا لعقليات وفي تأويل السمعيات : فان من اثبت شيئا ونفى شيئا بالعقل - اذا - لزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة نظير ما يلزمه فيما أثبته ولو طولب بالفرق بن المحذور في هذا وهذا : لم يجد بينهما فراقا ولهذا لا يوحد لنفاة بعض الصفات دون بعض - الذين يوجبون فيما نفوه : اما التفويض واما التأويل المخالف المقتضي اللفظ - قانون مستقيم فذا قيل لهم : لم تأولتم هذا وأقررتم هذا وللسؤال فيهما واحد ؟ لم يكن لهم جواب صحيح فهذا تناقضهم في النفي وكذا تناقضهم في الإثبات فان من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها فانهم اذا صرفوا النص عن المعنى الذي هو مقتضاه الى معنى آخر : لزمهم في المعنى المصروف اليه ما كان يلزمهم فى المعنى المصروف عنه فاذا قال قائل : تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه : هو ارادته للثواب والعقاب كان ما يلزمه في الإرادة نظير ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولاته وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب فانه يلزمه في ذلك ما فر منه فان الفعل لا بد أن يقوم أولا بالفاعل والثواب والعقاب المفعول انما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا وان أثبتوه على خلاف ذلك فكذلك الصفات

ما يثبت من الصفات

وأما ( المثالن المضروبان ) : فإن الله - سبحانه وتعالى - أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات : من أصناف المطاعم والملابس والمناكح والمساكن فأخبرنا أن فيها لبنا وعسلا وخمرا وماء ولحما وحريرا وذهبا وفضة وفاكهة وحورا وقصورا وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء

وإذا كانت تلك الحثائق التى أخبر الله عنها هى موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة فى الدنيا وليست مماثلة لها بل بينهما من التباين ما لا يعمله إلا الله تعالى : فالخلق - سبحانه وتعالى - أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق ومباينتة لخلوقاته : أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا إذا المخلوق أقرب الى المخلوق الموافق في الاسم من الخالق الى الخلوق وهذا بين واضح ولهذا افترق الناس في هذا المقام ثلاق فرق : فالسلف والأئمة وأتباعهم : آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا وبين ما في الآخرة وأن مباينة الله لخلقه أعظم والفريق الثاني : الذين اثبتوا ما أخبر الله به فى الآخرة من الثواب والعقاب ونفوا كثيرا مما أخبر به من الصفات مثل طوائف من أهل الكلام والفرق الثالث : نفوا هذا وهذا كالقرامطة والباطنية والفلاسفة أتباع المشائين ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر

ثم إن كثيرا منهم يجعلون الأمر والنهي من هذا الباب فيجعلون الشرائع المأمور بها والمحظورات المنهي عنها : لها تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها كما يتأولون من الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت فيقولون : ان الصلوات الخمس معرفة أسرارهم وان صيام رمضان كتمان أسرارهم وان حج البيت السفر الى شيوخهم ونحو ذلك من التأويلات التى يعلم بالاضطرار انها كذب وافتراء على الرسل صلوات الله عليهم وتحريف لكلام الله ورسوله عن مواضعه والحاد فى آيات الله وقد يقولون الشرائع تلزم العامة دون الخاصة فاذا صار الرجل من عارفهم ومحققيهم وموحديهم : رفعوا عنه الواجبات وأباحوا له المحظورات وقد يدخل فى المنتسبين الى التصوف والسلوك من يدخل في بعض هذه المذاهب

وهولاء الباطنية : هم الملاحدة الذين أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى وما يحتج به على الملاحدة أهل الإيمان والاثبات : يحتج به كل من كان من أهل الإيمان والاثبات على من يشرك هؤلاء في بعض الحادهم فاذا أثبت لله تعلى الصفات ونفي عنه مماثلة المخلوقات - كما دل على ذلك الآيات البينات - كان ذلك هو الحق الذي يوافق المعقول والمنقول ويهدم أساس الالحاد والضلالات

ولله سبحانه ىلا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه فان الله لا مثيل له بل له ( المثل الأعلى ) فلا يجوز أن يشرك هو والمخلوقات فى قياس تمثيل ولا في قياس شمول تستوى أفراده ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به وكل ما ينزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالنزيه عنه فذا كان المخلوق منزها عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم : فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق وان حصلت موافقة في الاسم وهكذا القول في ي ( المثل الثاني )

وهو أن ( الروح التي فينا - فإنها قد وصفت بصفات ثبوتية وسلبية وقد أخبرت النصوص أنها تعرج وتصعد من سماء إلى سماء وأنها تقبض من البدن وتسل منه كما تسل الشعرة من العجينة والناس مضطرون فيها فمنهم طوائف من أهل الكلام يجعلونها جزءا من البدن أو صفة من صفاته كقول بعضهم : انها النفس أو الريح التي تردد في البدن وقول بعضهم : إنها الحياة أ المزاج أو نفس البدن ومنهم طوائف من أهل الفلسفة يصفونها بما يصفون به واجب الوجود عندهم وهي أمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود فيقولون : لا هي داخلة في البدن ةلا خارجة ولا مناينة له ولا مداخلة له ولا متحركة ولا ساكنة ولا تصعد ولا تهبط ولا هى جسم ولا عرض وقد يقولون : انها لا تدرك الأمور المعينة والحقائق الموجودة في الخارج وإنما تدرك الأمور الكلية المطلقة وقد يقولون : انها لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباينة له ولا مداخلة وربما قالوا ليست داخلة في أجسام العالم ولا خارجة عنها مع تفسيرهم للجسم بما لا يقبل الإشارة الحسية فيصفونها بأنها لايمكن الإشارة إليها ونحو ذلك من الصفات السلبية التي تلحقها بالمعدوم والممتنع وإذا قيل لهم : إثبات هذا ممتنع في ضرورة العقل قالوا : بل هذا ممكن بدليل أن الكليات ممكنة موجودة وهي غير مشار إليها وقد غفاوا عن كون الكليات لا توجد كلية إلا في الأذهان لا في العيان فيعتمدون فيما يقولونه في المبدأ والمعاد على مثل هذا الخيال الذي لا يخفى فساده على غالب الجهال

واضطراب النفاة والمثبتة في الروح كثير

وسبب ذلك أن الروح - التى تسمى باليفس الناطقة عند الفلاسفة - ليس هي من جنس هذا البدن ولا من جنس العناصر والمولدات منها بل هى من جنس آخر مخالف لهذه الآجناس فصار هؤلاء لا يعرفونها إلا بالسلوب التى توجب مخالفتها للأجسام المشهودة وأولئك يجعلونها من جنس الأجسام المشهودة وكلا القولين خطأ وإطلاق القول عليها بأنها جسم أو ليست بجسم يحتاج إلى تفصيل فإن لفظ الجسم للناس فيه أقوال متعددة اصطلاحية غير معناه اللغوي فإن أهل اللغة يقولون : الجسم هو الجسد والبدن وبهذا الاعتبار فالروح ليست جسما ولهذا يقولون : الروح والجسم كما قال تعالى : { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } وقال تعالى { وزاده بسطة في العلم والجسم } وأما أهل الكلام : فمنهم من يقول الجسم هو الموجود ومنهم من يقول : هو القائم بنفسه ومنهم من يقول : هو المركب من الجواهر المفردة ومنهم من يقول : هو المركب من المسادة والصورة وكل هؤلاء يقولون : انه مشار إليه إشارة حسية ومنهم من يقول : ليس مركبا من هذا ولا من هذا بل هو مما يشار إليه ويقال : انه هنا أو هناك فعلى هذا ان كانت الروح مما يشار اليها ويتبهها بصر الميت - كما قال : ﷺ : [ ان الروح إذا خرجت تبعها البصر وانها تقبض ويعرج بها الى السماء ] كانت الروح جسما بهذا الاصطلاح

والمقصود : أن الروح اذا كانت موجودة حية عالمة قادرة سميعة بصيرة : تصعد وتنزل وتذهب وتجيء ونحو ذلك من الصفات والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها لا نهم لم يشاهدوا لها نظيرأ والشيء انما تدرك حقيقة بمشاهدته أو مشاهدة نظيرة فإذا كانت الروح بهذه الصفات مع عدم مماثلتها لما يشاهد من المخلوقات : فالخالق أولى بمبا ينته لمخلوقاته مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته وأهل العقول هم أعجز عن أن يجدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها فإذا كان من نفى صفات الروح جاحد معطلا لها ومن مثلها بما يشاهد من المخلوقات جاهلا ممثلا بغير شكلها وهى مع ذلك ثابتة بحقيقة الإثبات مستحقة لما من الصفات : فالخالق - سبحانه وتعالى - أولى أن يكون من نفي صفاته جاحدا معطلا ومن قاسه بخلقه جاهلا به ممثلا وهو سبحانه وتعالى - ثابت بحقيقة الإثبات مستحق لما له من الأسماء والصفات

الخاتمة الجامعة

إن الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي فالإثبات كإخباره بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك والنفي كقوله لا بأخذه سنة ولا نوم وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه فدح كمال إلا اذا تضمن إثباتا وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال لأن النفي المض عدم محض والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل : ليس بشيء فضلا عن أن يكون كدحا أو كمالا ولأن النفي المض يوصف به المعدوم والممتنع والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفى متضمنا لإثبات مدح كقوله : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } الى قوله : { ولا يؤوده حفظهما } فينفى السنة والنوم : يتضمن كمال الحياة والقيام فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم وكذلك قوله : { ولا يؤوده حفظهما } أى لا يكر ثه ولا يثقله وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها وبخلاف المخلوق القادر اذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته وكذلك قوله { لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } فإن نفي يالعزوب مستلزم لعلمه بكل ذره في السماوات والأرض وكذلك قوله : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } فإن نفي مس اللغوب الذي هو التعب والاعياء دل على كمال القدر ونهاية القوة بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال مايلحقه

وكذلك قوله : { لا تدركه الأبصار } انما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء ولم ينفي مجرد الرؤية لان المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح إذا لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا وانما المدح في كونه لا يحاط به وإن رؤى كما أنه لا يحاط به وان علم فكما أنه اذا علم لايحاط به علما : فكذلك اذا رؤى لا يحاط به رؤية فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال وكان ذلك دليلا على اثبات الرؤية لا على نفسيها لكنه دليل على اثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها واذا تأملت ذلك : وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا هو مما لم يصف الله به نفسه فالذين لا يصفونه الا بالسلوب : لم يثبتوا في الحقيقة الها محمودا بل ولا موجودا وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم أو لم يستو على العرش ويقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباين للعالم ولا محادث له اذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم وليست هى صفة مستلزمة صفة ثبوت ولهذا ( قال محمود بن سبكتكين ) لمن ادعى ذلك في الخالق ك ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم زكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات فهذه الصفات : منها ما لا يتصف به الا المعدوم ومنها ما لا يتصف به الا الجمادات والناقص فمن قال : لا هو مباين للعالم ولا مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال : لا هو قائم بنفسه ولا بغيره ولا قديم ولا محدث ولا متقدم على العالم ولا مقارن له ومن قال : انه ليس بحي ولا ميت ولا سميع ولا بصير ولا متكلم : لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم فان قال : العمى عدم البصر عما من شأنه أن يقبل البصر وما لم يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير قيل له : هذا اصطلاح اصطلحتموه وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام : يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة وأيضا فكل موجود يقبل الايصاف بهذه الأمور ونقائضها فان الله قادر على جعل الجماد حيا كما جعل عصى موسى حية ابتلعت الحبال والعصى وأيضا فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم يقصا ممن لا يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس : أعظم نقصا من الحى والأعمى الأخرس

فاذا قيل : إن الباري لا يمكن اتصافه بذلك : كان في ذلك من وصفه بالنقص أعظم مما اذا وصف بالخرس والعمى والصم ونحو ذلك مع انه إذا جعل غير قابل لها كان تشبيها له بالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بواحد منها وهذا تسبيه بالجمادات لا بالحيوانات فكيف من قال ذلك على غيره مما يزعم أ ه تشبيه بالحي وأيضا فنفس نفى هذه الصفات نقص كما أن اثباتها كمال فالحياة من حيث هي : هي مع قطع النظر عن تعيين الموصوف بها صفة كمال وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والفعل ونحو ذلك وما كان صفة كمال : فهو سبحانه أحق أن يتصف به من المخلوقات فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به : لكان المخلوق أكمل منه

وأعلم أن الجهمية المحضة كالقرامطة من ضاها هم : ينفون عنه تعالى اتصافه باليقيضين حتى يقولون ليس بموجود ولا ليس بموجود ولا حي ولا ليس بحي ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين وآخرون وصفوه بالنفي فقط فقالوا ليس بحي ولا سميع ولا بصير وهؤلاء أعظم كفرا من أولئك من وجه وأولئك أعظم كفرا من هؤلاء من وجه فاذا قيل لهؤلاء هذا مستلزم وصفة بنقيض ذلك كالموت والصم والبكم قالوا انما يلزم ذلك لو كان قابلا لذلك وهذا الاعتذار يزيد قولهم فسادا

وكذلك من ضاهى هؤلاء - وهم الذين يقولون : ليس ب داخل العالم ولا خارجه اذا قيل هذا ممتنع في ضرورة العقل كما اذا قيل : ليس بقديم ولا محدث - ولا واجب ولا ممكن ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره قالوا هذا انما يكون إذا كان قابلا لذلك والقبول إنما يكون من المتحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين فيقال لهم علم الخلق بإمتناع الخلو من هذين النقيضين : هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود والتحيز المذكور : إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم وان أريد به أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لها متميز عنها فهذا هو الخروج فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العلم ولا خارجه فهم غيروا العبارة ليوهموا من لا يفهم حقيقة قولهم أن هذا معنى آخر وهو المعنى الذي علم فساده بضرورة العقل كما فعل أولئك بقولهم : ليس بحي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل