الباب الخامس | التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية الباب السادس في الإعراب والبناء المؤلف: رفاعة رافع الطهطاوي |
الباب السابع |
يطلق الاعراب في اصطلاح النحويين على معنيين أحدهما تحليل التركيب في الكلام وبيان أجزائه من المعرب والمبنى وكونه اسماً أو فعلاً أو حرفاً كما إذا قبل لك اعرب قد قام زيد فإنك تقول في إعرابه بهذا المعنى قد حرف تحقيق مبنى على السكون وقام فعل ماض مبنى على الفتح لا محل له من الاعراب وزيد فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره فإذا قلت ذلك فقد اعربته فالإعراب هنا بمعنى التحليل للكلمات التي طلب منك إعرابها أي التطبيق على القواعد العربية
والمعنى الثاني للاعراب هو تغيير أو أخر الكلم بحسب العوامل الداخلة عليه لفظا أو تقديراً مثلاً لفظ زيد قبل دخول العامل عليه موقوف غير معرب فإذا قيل قام زيد ارتفع على أنه فاعل بقام وإذا قلت رأيت زيداً انتصب على أنه مفعول لرأيت وإذا قلت مررت بزيد انخفض على أنه مجرور بالباء الخافضة فقد تغير آخر زيد بحسب العوامل المتضية للرفع أو النصب أو الخفض تغيير الفظياً.
فإذا قلت جاء الفتى ورأيت الفتى ومررت بالفتى كان الفتى في الأول مرفوعاً وفي الثاني منصوباً وفي الثالث مخفوضاً والفتى اسم مقصور يعني آخره ألف لازمة فلا يظهر الإعراب عليه فتقدر الحركات الثلاثة التي اقتضتها العوامل على آخره فإعرابه تقديري لانه لولا تعذر الحركة على الألف لظهر الإعراب
وكذلك إذا قلت يقوم زيد فان يقوم يكون مرفوعاً لتجرده من الناصب والجازم فإذا ادخلت عليه ناصباً نحو لن فقلت لن يقوم زيد نصب آخره فإذا ادخلت عليه ناصباً نحو لن فقلت لن يقوم زيد نصب آخره فإذا اردت جزمه قلت لم يقم زيد بسكون آخر
الفعل فقد تغير الفعل المضارع من الرفع إلى النصب وإلى الجزم تغيرا لفظيا فهذا ما يسمى في الفعل المضارع أعرابا لفظيا
فإذا قلت يخشى زيد فيخشى فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر فإذا قلت لن يخشى زيد فقد تغيرت الضمة المقدرة بفتحة مقدرة أيضاً للتعذر فالنصب فيه هو أعراب مقدر للتعذر ولولا أن معتل بالألف لكان ظاهراً وكذلك يدعو ويرمى زيد فيدعو ويرمى كل منهما فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل لثقل الضمة على الواو والياء فإذا أدخلت لن مثلا عليهما قلت لن يدعو ولن يرمى بنصب أخرهما فقد تغير آخر يدعو ويرمى تغيراً ظاهراً أي في الحالة الثانية بعد التغير التقديري في الأولى بحسب العوامل وهذا ما يسمى بالأعراب يعنى تغير آخر الكلمة بما يقتضيه العامل
وضد الإعراب بهذا المثنى هو البناء وهو لزوم آخر الكلمة حالة وحدة كلزوم حيث للضم وأين للفتح وهؤلاء للكسر وكم للسكون فإذا قلت جلست حيث جلس زيد فان حيث ظرف مكان مبنى على الضم في محل نصب فإذا ادخلت على حيث حرف الجر فقلت إلى حيث القيت رحلها ام قسعم فانه لايزال باقيا على ضمة ويكون مخفوض المحل فقط يعنى واقعا موقع كلمة لو كانت معربة لكانت مخفوضة وتقول جاءني هؤلاء ورأيت هؤلاء ومررت بهؤلاء فهولاء في المثال الاول مبنى على الكسر في محل رفع على انه فاعل وهؤلاء في المثال الثاني مبنى على الكسر في محل نصب على أنه مفعول وفي المثال الثالث مبنى على الكسر في محل جر على أنه مخفوض بالباء
ثم أن البناء اصل في الأفعال والحروف كما أن الإعراب أصل في الأسماء فما وجد من الأفعال معربا وهو الفعل المضارع فقد جاء على خلاف الاصل كما أن جاء من الأسماء مبنيا كالضمائر واسماء الاشارة والموصولات وكسيبويه مثلاً كان على خلاف الأصل.
وأمّا الحروف فجمعها مبنية ولذلك يقول النحويون قاعدة كلية الحروف كلها مبنية ولم يخرج من الحروف شيء عن أمثل البناء