الرئيسيةبحث

إحياء علوم الدين/كتاب الحلال والحرام



كتاب الحلال والحرام
وهو الكتاب الرابع من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين


الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين لازب وصلصال،ثم ركب صورته في أحسن تقويم وأتم اعتدال، ثم غذاه في أول نشوئه بلبن استصفاه من بين فرث ودم سائغاً كالماء الزلال، ثم حماه بما آتاه من طيبات الرزق عن دواعي الضعف والانحلال، ثم قيد شهوته المعادية له عن السطوة والصيال وقهرها بما افترضه عليه من طلب القوت الحلال، وهزم بكسرها جند الشيطان المتشمر للإضلال، ولقد كان يجري من ابن آدم مجرى الدم السيال، فضيق عليه عزة الحلال المجرى والمجال، إذ كان لا يبذرقه إلى أعماق العروق إلا الشهوة المائلة إلى الغلبة والاسترسال؛ فبقي لما زمت بزمام الحلال خائباً خاسراً ما له من ناصر ولا وال. والصلاة على محمد الهادي من الضلال وعلى آله خير آل، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فقال ﷺ: "طلب الحلال فريضة على كل مسلم"، رواه ابن مسعود رضي الله عنه، وهذه الفريضة من بين سائر الفرائض: أعصاها على العقول فهماً، وأثقلها على الجوارح فعلاً، ولذلك اندرس بالكلية علماً وعملاً، وصار غموض علمه سبباً لاندراس علمه، إذ ظن الجهال أن الحلال مفقود، وأن السبيل دون الوصال إليه مسدود، وانه لم يبق من الطيبات إلا الماء الفرات والحشيش النابت في الموات، وما عداه فقد أخبئته الأيدي العادية، وأفسدته المعاملات الفاسدة، وإذا تعذرت القناعة بالحشيش من النبات لم يبق وجه سوى الاتساع في المحرمات؛ فرفضوا هذا القطب من الدين أصلاً، ولم يدركوا بين الأموال فرقاً وفصلاً، وهيهات هيهات، فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات. ولا تزال هذه الثلاثة مقترنات كيفما تقلبت الحالات. ولما كانت هذه بدعة عم في الدين ضررها، واستطار في الخلق شررها، وجب كشف الغطاء عن فسادها بالإرشاد إلى مدرك الفرق بين الحلال والحرام والشبهة على وجه التحقيق والبيان ولا يخرجه التضييق عن حيز الإمكان.

ونحن نوضح ذلك في سبعة أبواب: الباب الأول في فضيلة طلب الحلال ومذمة الحرام ودرجات الحلال والحرام. الباب الثاني في مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عن الحلال والحرام. الباب الثالث في البحث والسؤال والهجوم والأعمال ومظانها في الحلال والحرام. الباب الرابع في كيفية خروج التائب عن المظالم المالية. الباب الخامس في إدارات السلاطين وصلاتهم وما يحل منها وما يحرم. الباب السادس في الدخول على السلاطين ومخالطتهم. الباب السابع في مسائل متفرقة.