→ الباب الثاني | إحياء علوم الدين كتاب آداب النكاح- الباب الثالث المؤلف: أبو حامد الغزالي |
كتاب آداب الكسب والمعاش ← |
أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمراً: في الوليمة، والمعاشرة، والدعابة، والسياسة، والغيرة، والنفقة، والتعليم، والقسم، والتأديب في النشوز، والوقاع، والولادة والمفارقة بالطلاق.
الأدب الأول: الوليمة، وهي مستحبة، قال أنس رضي الله عنه:" رأى رسول الله ﷺ على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال" ما هذا" فقال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. فقال: بارك الله لك" أولم ولو بشاة "وأولم رسول الله ﷺ على صفية بتمر وسويق. وقال ﷺ" طعام أول يوم حق، وطعام الثاني سنة، وطعام الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به" ولم يرفعه إلا زياد بن عبد الله وهو غريب. وتستحب تهنئته فيقول من دخل على الزوج: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير. وزوى أبو هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام أمر بذلك، ويستحب إظهار النكاح. قال عليه السلام" فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت" قال رسول الله ﷺ" أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف" وعن الربيع بنت المعوذ قالت" جاء رسول الله ﷺ فدخل غداة بنى بي فجلس على فراشي وجويريات لنا يضربن بدفهن ويندبن من قتل من آبائي إلى أن قالت إحداهن. وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال لها: اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها".
الأدب الثاني: حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحماً عليهن لقصور عقلهن. وقال الله تعالى" وعاشروهن بالمعروف" وقال في تعظيم حقهن" وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً" وقال" والصاحب بالجنب" قيل هي المرأة وآخر ما وصى به رسول الله ﷺ ثلاث كان يتكلم بهم حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه: جعل يقول:" الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون. الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم - يعني أسراء - أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" وقال عليه السلام" من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون". واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله ﷺ فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه عمر في الكلام فقال: أتراجعيني يا لكعاء؛ فقالت إن أزواج رسول الله صلى الله عيه وسلم يراجعنه وهو خير منك؛ فقال عمر خابت حفصة وخست إن راجعته؛ ثم قال لحفصة: لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة فإنها حب رسول الله ﷺ وخوفها من المراجعة. وروي أنه دفعت إحداهن في صدر رسول الله ﷺ فزبرتها أمها، فقال عليه السلام: دعيها فإنهن يصنعن أكثر من ذلك. وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخلا بينهما أبا بكر رضي الله عنه حكماً واستشهده، فقال لها رسول الله ﷺ تكلمين أو أتكلم فقالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقاً، فلطمها أبو بكر حتى دمى فوها وقال: يا عدية نفسها، أو يقول غير الحق! فاستجارت برسول الله ﷺ وقعدت خلف ظهره، فقال له النبي ﷺ لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا. وقالت له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك نبي الله، فتبسم رسول الله ﷺ واحتمل ذلك حلماً وكرماً . وكان يقول لها" إني لأعرف غضبك من رضاك" قالت:وكيف تعرفه? قال: "إذا رضيت قلت لا وإله محمد، وإذا غضبت قلت لا وإله إبراهيم" قالت: "صدقت إنما أهجر اسمك" ويقال إن أول حب وقع في الإسلام حب رسول الله ﷺ لعائشة رضي الله عنها وكان يقول لها: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلقك، وكان يقول لنسائه: "لا تؤذوني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" وقال أنس رضي الله عنه: كان رسول الله ﷺ أرحم الناس بالنساء والصبيان.
الثالث:أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة؛ فهي التي تطيب قلوب النساء، وقد كان رسول الله ﷺ يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق، حتى روي أنه ﷺ كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوماً، وسبقها في بعض الأيام، فقال عليه السلام" هذه بتلك" وفي الخبر: أنه كان ﷺ من أفكه الناس مع نسائه. وقالت عائشة رضي الله عنها" سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء؛ فقال لي رسول الله ﷺ: أتحبين أن تري لعبهم? قالت: قلت نعم، فأرسل إليهم فجاؤوا، وقام رسول الله ﷺ بين البابين، فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون وأنظر،وجعل رسول الله ﷺ يقول: "حسبك" وأقول اسكت مرتين أو ثلاثاً،ثم قال: "يا عائشة حسبك"فقلت: نعم، فأشار إليهم فانصرفوا" فقال رسول الله ﷺ: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" وقال عليه السلام: "خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي" وقال عمر رضي الله عنه مع خشونته: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي؛ فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلاً. وقال لقمان رحمه الله: ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي، وإذا كان في القوم وجد رجلاً. وفي تفسير الخبر المروي "إن الله يبغض الجعظري الجواظ" قيل هو الشديد على أهله المتكبر في نفسه؛ وهو أحد ما قيل في معنى قوله تعالى "عتل" قيل العتل: هو الفظ اللسان الغليظ القلب على أهله. وقال عليه السلام لجابر: "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت: والله كان ضحوكاً إذا ولج سكيتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد، غير مسائل عما فقد.
الرابع: أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها، بل يراعى الاعتدال فيه فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكراً ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبتة، بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض. قال الحسن: والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار. وقال عمر رضي الله عنه: خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة. وقد قيل:شاوروهن وخالفوهن. وقد قال عليه السلام: "تعس عبد الزوجة" وإنما قال ذلك لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها وقد تعس فإن الله ملكه المرأة فملكها نفسه فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان لما قال: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" إذ حق الرجل أن يكون متبوعاً لا تابعاً،وقد سمى الله الرجال قوامين على النساء وسمى الزوج سيداً، فقال تعالى: "وألفيا سيدها لدى الباب" فإذا انقلب السيد مسخراً فقد بدل نعمة الله كفراً، ونفس المرأة على مثال نفسك: إن أرسلت عنانها قليلاً جمحت بك طويلاً، وإن أرخيت عذارها فتراً جذبتك ذراعاً، وإن كبحتها وشددت يدك عليها في محل الشدة ملكتها. قال الشافعي رضي الله عنه: ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك: المرأة والخادم والنبطي: أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك وفظاظتك برفقك. وكانت نساء العرب تعلمن بناتهن اختبار الأزواج، وكانت المرأة تقول لابنتها: اختبري زوجك قبل الإقدام والجراءة عليه انزعي زج رمحه، فإن سكت فقطعي اللحم على ترسه، فإن سكت فكسري العظام بسيفه، فإن سكت فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمارك. وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض،فكل ما جاوز حده انقلب على ضده، فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن، فإن كيدهن عظيم وشرهن فاش، والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة. وقال عليه السلام: "مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب" والأعصم يعني الأبيض البطن. وفي وصية لقمان لابنه: يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل الشيب، واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير، وكن من خيارهن على حذر. وقال عليه السلام: "استعيذوا من الفواقر الثلاث" وعد منهن المرأة السوء فإنها المشيبة قبل الشيب. وفي لفظ آخر: "إن دخلت عليك سبتك، وإن غبت عنها خانتك" وقد قال عليه السلام في خيرات النساء: "إنكن صواحبات يوسف" يعني إن صرفكن أبا بكر عن التقدم في الصلاة ميل منكن عن الحق إلى الهوى. قال الله تعالى حين أفشين سر رسول الله ﷺ: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" أي مالت وقال ذلك في خير أزواجه وقال عليه السلام: "لا يفلح قوم تملكهم امرأة" وقد زبر عمر رضي الله عنه امرأته لما راجعته وقال: ما أنت إلا لعبة في جانب البيت إن كانت لنا إليك حاجة وإلا جلست كما أنت، فإذن فيهن شر وفيهن ضعف؛ فالسياسة والخشونة علاج الشر، والمطايبة والرحمة علاج الضعف، فالطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء، فلينظر الرجل أولاً إلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها.
الخامس: الاعتدال في الغيرة: وهو أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله ﷺ أن تتبع عورات النساء وفي لفظ آخر: أن تبغت النساء. ولما قدم رسول الله ﷺ من سفره قال قبل دخول المدينة: "لا تطرقوا النساء ليلاً" فخالفه رجلان فسبقا، فرأى كل واحد في منزله ما يكره وفي الخير المشهور "المرأة كالضلع إن قومته كسرته،فدعه تستمتع به على عوج" وهذا في تهذيب أخلاقها. وقال ﷺ: "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة" لأن ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه، فإن بعض الظن إثم. وقال علي رضي الله عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك فترمي بالسوء من أجلك. وأما الغيرة في محلها فلا بد منها وهي محمودة. وقال رسول الله ﷺ: "إن الله تعالى يغار والمؤمن يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه" وقال عليه السلام: "أتعجبون من غيرة سعد وأنا والله أغير منه والله أغير مني" ولأجل غيرة الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ولذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولأجل ذلك وعد الجنة. وقال رسول الله ﷺ: "رأيت ليلةً أسري بي في الجنة قصراً وبفنائه جارية؛ فقلت لمن هذا القصر? فقيل لعمر؛ فأردت أن أنظر إليها فذكرت غيرتك يا عمر فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله" وكان الحسن يقول: أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله، ومن الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله ، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الذي يحبه الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدمة،والاختيال الذي يبغضه الله الاختيال في الباطل" وقال عليه الصلاة والسلام" إني لغيور، وما من امرء لا يغار إلا منكوس القلب، والطريق المغني عن الغيرة أن لا يدخل عليها الرجال وهي لا تخرج إلى الأسواق. وقال رسول الله ﷺ لابنته فاطمة عليها السلام" أي شيء خير للمرأة?" قالت: أن لا ترى رجل ولا يراها رجل، فضمها إليه وقال" ذرية بعضها من بعض فاستحسن قولها". وكان أصحاب رسول الله ﷺ يسدون الكوى والثقب في الحيطان لئلا تطلع النسوان إلى الرجال. ورأى معاذ امرأته تطلع في الكوة فضربها، ورأى امرأته قد دفعت إلى غلامه تفاحة قد أكلت منها فضربها. وقال عمر رضي الله عنه: أعروا النساء يلزمن الحجال، وإنما قال ذلك لأنهن لا يرغبن في الخروج في الهيئة الرثة. وقال عودوا نساءكم"لا" وكان قد أذن رسول الله ﷺ للنساء في الحضور المسجد والصواب الآن المنع إلا العجائز، بل استصوب ذلك في زمان الصحابة حتى قالت عائشة رضي الله عنها، لو علم النبي ﷺ ما أحدثت النساء بعده لمنعهن من الخروج ولما قال ابن عمر قال رسول الله ﷺ "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض ولده: بلى والله لنمنعهن فضربه وغضب عليه وقال تسمعني أقول قال رسول الله ﷺ لا تمنعوا فتقول بلى"وإنما استجرأ على المخالفة لعلمه بتغير الزمان وإنما غضب عليه لإطلاقه اللفظ بالمخالفة ظاهراً من غير إظهار العذر وكذلك كان رسول الله ﷺ قد أذن لهن في الأعياد خاصة أن يخرجن إلا برضا أزواجهن والخروج الآن مباح للمرأة العفيفة ولكن القعود أسلم وينبغي أن لا تخرج إلا للمهم فإن الخروج للنظارات والأمور التي ليست مهمة تقدح في المرؤة وربما تفضي إلى الفساد، فإذا خرجت فينبغي أن تغض بصرها عن الرجال ولسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه، بل هو كوجه الصبي الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط، فإن لم تكن فتنة فقط، فإن لم تكن فتنة فلا، إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات ولو كان وجوه الرجال عورة في حق النساء لأمروا بالتنقب أو منعن من الخروج إلا لضرورة.
السادس: الاعتدال في النفقة فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق، ولا ينبغي أن يسرف، بل يقتصد. قال تعالى "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" وقال تعالى "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط" وقد قال رسول الله ﷺ "خيركم خيركم لأهله" وقال ﷺ "دينار أنفقه في سبيل الله، ودينار أنفقه في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك: أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" وقيل: كان لعلي رضي الله عنه أربع نسوة، فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحماً بدرهم، وقال الحسن رضي الله عنه: كانوا في الرجال مخاصيب، والإناث والثياب مجاديب. وقال ابن سيرين: يستحب. للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة، وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات ولكن تركها بالكلية تقطير في العادة، وينبغي أن يأمرها بالتصدق ببقايا الطعام وما يفسد ولو ترك! فهذا أقل درجات الخير، وللمرأة أن تفعل ذلك بحكم الحال من غير صريح إذن من الزوج، ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب فلا يطعمنهم منه، فإن ذلك مما يوغر الصدور ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان مزمعاً على ذلك فليأكله بخفية بحيث لا يعرف أهله ولا ينبغي أن يصف عنهم أن يصف عندهم طعاماً ليس يريد إطعامهم إياه، وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته، فقد قال سفيان رضي الله عنه: بلغنا أن الله وملائكته يصلون على أهل بيت يأكلون جماعة،وأهم ما يجب عليه مراعاته في الإنفاق أن يطعمها من الحلال ولا يدخل مداخل السوء لأجلها، فإن ذلك جناية عليها لا مراعاة لها وقد أوردنا الأخبار الواردة في ذلك عند ذكر آفات النكاح.
السابع: أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه ما يحترز به الإحتراز الواجب،ويعلم زوجته الصلاة وما يقضى منها في الحيض وما لا يقضى، فإنه أمر بأن يقيها النار بقوله تعالى" قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها، ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين،مها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه وعلم الاستحاضة يطول؛ فأما الذي لا بد من إرشاد النساء إليه في أمر الحيض بيان الصلوات التي تقضيها، فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر، وإذا انقطع فبل الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء،وهذا أقل ما يراعيه النساء، فإن كان الرجل قائماً بتعليمها فليس لها الخروج لسؤال العلماء وإن قصر علم الرجل ولكن ناب عنها في السؤال فأخبرها بجواب المفتي فليس لها خروج، فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال بل عليها ذلك ويعصي الرجل بمنعها ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس ذكر ولا إلى تعلم إلا برضاه ومهما أهملت المرأة حكماً من أحكام الحيض والاستحاضة ولم يعلمها الرجل خرج الرجل معها وشاركها في الإثم.
الثامن: إذا كان له نسوة فينبغي أن يعدل بينهن ولا يميل إلى بعضهن، فإن خرج إلى سفر وأراد استصحاب واحدة أقرع بينهن، كذلك كان يفعل رسول الله ﷺ، فإن ظلم امرأة بليلتها قضى لها، فإن القضاء واجب عليه، وعند ذلك يحتاج إلى معرفة أحكام القسم وذلك يطول ذكره؛ وقد قال رسول الله ﷺ" من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى-وفي لفظ- ولم يعدل بينهما؛ جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل" وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت، وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار. قال الله تعالى "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" أي أن تعدلوا في شهوة القلب وميل النفس، ويتبع ذلك التفاوت في الوقاع. وكان رسول الله ﷺ يعدل بينهن في العطاء والبيتوتة في الليالي ويقول "اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك" يعني الحب. وقد كانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه وسائر نسائه يعرفن ذلك. وكان يطاف به محمولاً في مرضه في كل يوم وليلة، فيبيت عند كل واحدة منهن ويقول: أين أنا غداً، ففطنت لذلك امرأة منهن فقالت: إنما يسأل عن يوم عائشة؛ فقلن يا رسول الله قد أذنا لك أن تكون في بيت عائشة فإنه يشق عليك أن تحمل في كل ليلة؛ فقال "وقد رضيتن بذلك? فقلن: نعم. قال: فحولوني إلى بيت عائشة" ومهما وهبت واحدة ليلتها لصاحبتها ورضي الزوج بذلك فوهبت ليلتها لعائشة وسألته أن يقرها على الزوجية حتى تحشر في زمرة نسائه، فتركها وكان لا يقسم لها ويقسم لعائشة ليلتين ولسائر أزواجه ليلةً ليلةً، ولكنه ﷺ لحسن عدله وقوته كان إذا تاقت نفسه إلى واحدة من النساء في غير نوبتها فجامعها طاف في يومه أو ليلته على سائر نسائه؛ فمن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ طاف على نسائه في ليلة واحدة. وعن أنس أنه عليه السلام طاف على تسع نسوة في ضحوة نهار.
التاسع: في النشوز ومهما وقع بينهما خصام ولم يلتئم أمرهما: فإن كان من جانبهما جميعاً أو من الرجل فلا تسلط الزوجة على زوجها ولا يقدر على إصلاحها فلا بد من حكمين: أحدهما من أهله والآخر من أهلها لينظرا بينهما ويصلحا أمرهما "إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما" فعاد الرجل وأحسن النية وتلطف بهما فأصلح بينهما. وإما إذا كان النشوز من المرأة خاصة فالرجال قوامون على النساء، فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة قهراً، ملكن ينبغي أن يتدرج في تأديبها: وهو أن يقدم أولاً الوعظ والتحذير والتخويف، فإن لم ينجح ولاها ظهره في المضجع أو انفرد عنها بالفراش وهجرها وهو في البيت معها من ليلة إلى ثلاث ليال. فإن لم ينجح ذلك فيها ضربها ضرباً غير مبرح بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظماً ولا يدمي لها جسم. ولا يضرب وجهها فذلك منهي عنه. وقد قيل لرسول الله ﷺ "ما حق المرأة على الرجل? قال "يطعمها إذا طعم. ويكسوها إذا اكتسى. ولا يقبح الوجه. ولا يضرب إلا ضرباً غير مبرح. ولا يهجرها إلا في المبيت" وله أن يغضب عليها ويهجرها في أمر من أمور الدين إلى عشراً وإلى عشرين وإلى شهر. فعل ذلك رسول الله ﷺ إذ أرسل إلى زينب بهدية فردتها عليه. فقالت له التي هو في بيتها: لقد أقمأتك إذ ردت عليك هديتك. أي أزلتك واستصغرتك. فقال ﷺ "أنتن أهون على الله أن تقمئنني" ثم غضب عليهن كلهن شهراً إلى أن عاد إليهن.
العاشر: في آداب الجماع. ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى ويقرأ قل هو الله أحد أولاً ويكبر ويهلل ويقول: بسم الله العظيم. اللهم اجعلها ذريةً طيبةً إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي. وقال عليه الصلاة والسلام "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان" وإذا قربت من الإنزال فقل في نفسك ولا تحرك شفتيك: الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً. وكان بعض أصحاب الحديث يكبر حتى يسمع أهل الدار صوته ثم ينحرف عن القبلة ولا يستقبل القبلة بالوقاع إكراماً للقبلة، وليغط نفسه وأهله بثوب. كان رسول الله ﷺ يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة "عليك بالسكينة" وفي الخبر "إذا جامع أحدكم أهله فلا يتجردان تجرد العيرين" أي الحمارين، وليقدم التلطف بالكلام والتقبيل قال ﷺ "لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول" قيل: وما الرسول يا رسول الله? قال: "القبلة والكلام" وقال ﷺ: "ثلاث من العجز في الرجل: أن يلقى من يحب معرفته فيفارقه قبل أن يعلم اسمه ونسبه، والثاني: أن يكرمه أحد فيرد عليه كرامته، والثالث: أن يقارب الرجل جاريته أو زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها،ويضاجعها فيقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجتها منه" ويكره له الجماع في ثلاث ليال من الشهر: الأول، والآخر،والنصف. يقال إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي، ويقال إن الشياطين يجامعون فيها، وروي كراهة ذلك عن علي ومعاوية وأبي هريرة رضي الله عنهم. ومن العلماء من استحب الجماع يوم الجمعة وليلته تحقيقاً لأحد التأويلين من قوله ﷺ: "رحم الله من غسل واغتسل" الحديث. ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضاً نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقاً إلى الإنزال، والتوافق في وقت الإنزال ألذ عندها ليشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربما تستحي. وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل، إذ عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد، نعم ينبغي أن يزيد وينقص بحسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب عليه،وإن كان لا يثبت المطالبة بالوطء فذلك لعسر المطالبة والوفاء بها، ولا يأتيها في الحيض، ولا بعد انقضائه وقبل الغسل، فهو محرم بنص الكتاب وقيل إن ذلك يورث الجذام في الولد، وله أن يستمتع بجميع بدن الحائض ولا يأتيها في غير المأتي،إذ حرم غشيان الحائض لأجل الأذى،والأذى غير المأتي دائم فهو أشد تحريماً من إتيان الحائض. وقوله تعالى: "فأتوا حرثكم أنى شئتم" أي أي وقت شئتم، وله أن يستمني ببدنها،وأن يستمتع بما تحت الإزار بما يشتهي سوى الوقاع. وينبغي أن تتزر المرأة بإزار من حقوها إلى فوق الركبة في حال الحيض، فهذا من الأدب،وله أن يؤاكل الحائض، ويخالطها في المضاجعة وغيرها، وليس عليه اجتنابها،وإن أراد أن يجامع ثانياً بعد أخرى فليغسل فرجه أولاً، وإن احتلم فلا يجامع حتى يغسل فرجه أو يبول، ويكره الجماع في أول الليل حتى لا ينام على غير طهارة، فإن أراد النوم أو الأكل فليتوضأ وضوء الصلاة فذلك سنة. قال ابن عمر: قلت للنبي ﷺ: أينام أحدنا وهو جنب? قال: "نعم إذا توضأ" ولكن قد وردت فيه رخصة قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ ينام جنباً لم يمس ماء" ومهما عاد إلى فراشه فليمسح وجه فراشه أو لينفضه، فإنه لا يدري ما حدث عليه بعده، ولا ينبغي أن يحلق أو يقلم أو يستحد أو يخرج الدم أو يبين من نفسه جزءاً وهو جنب؛ إذ ترد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنباً، ويقال إن كل شعرة تطالبه بجنابتها ومن الآداب أن لا يعزل، بل لا يسرح إلا إلى محل الحرث وهو الرحم، فما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة هكذا قال رسول الله ﷺ، فإن عزل فقد اختلف العلماء في إباحته وكراهته على أربع مذاهب، فمن مبيح مطلقاً بكل حال، ومن محرم بكل حال، ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها، وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل، ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة. والصحيح عندنا أن ذلك مباح، وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة، فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة، كما يقال: يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغاً لا يشتغل بذكر أو صلاة، ويكره للحاضر في مكة مقيماً بها أن لا يحج كل سنة، والمراد بهذه الكراهية ترك الأولى والفضيلة فقط، وهذا ثابت لما بيناه من الفضيلة في الولد، ولما روي عن النبي ﷺ: "إن الرجل ليجامع أهله فيكتب له بجماعه أجر ولد ذكر قاتل في سبيل الله فقتل" وإنما قال ذلك لأنه لو ولد له مثل هذا الولد لكان له أجر التسبب إليه، مع أن الله تعالى خالقه ومحييه ومقويه على الجهاد، والذي إليه من التسبب فقد فعله وهو الوقاع، وذلك عند الإمناء في الرحم. وإنما قلنا لا كراهة بمعنى التحريم والتنزيه، لأن إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا أصل يقاس عليه، بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلاً أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي ولا فرق، إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في الرحم، ولها أربعة أسباب: النكاح، ثم الوقاع، ثم الصبر إلى الإنزال بعد الجماع،ثم الوقوف لينصب المني في الرحم، وبعض هذه الأسباب أقرب من بعض، فالامتناع عن الرابع كالامتناع عن الثالث، وكذا الثالث كالثاني، والثاني كالأول، وليس هذا كالإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وله أيضاً مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغةً وعلقةً كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حياً. وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المني في الرحم لا من حيث الخروج من الإحليل، لأن الولد لا يخلق من مني الرجل وحده بل من الزوجين جميعاً إما من مائه ومائها أو من مائه ودم الحيض، قال بعض أهل التشريح: إن المضغة تخلق بتقدير الله من دم الحيض، وإن الدم منها كاللبن من الرائب، وإن النطفة من الرجل شرط في خثور دم الحيض وانعقاده كالأنفحة للبن، إذ بها ينعقد الرائب، وكيفما كان فماء المرأة ركن في الانعقاد فيجري الماءان مجرى الإيجاب والقبول في الوجود الحكمي في العقود فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون جانياً على العقد بالنقض والفسخ، ومهما اجتمع الإيجاب والقبول كان الرجوع بعده رفعاً وفسخاً وقطعاً، وكما أن النطفة في الفقار لا يتخلق منها الولد فكذا بعد الخروج من الإحليل ما لم يمتزج بماء المرأة ودمها، فهذا هو القياس الجلي.
فإن قلت: فإن لم يكن العزل مكروهاً من حيث أنه دفع لوجود الولد فلا يبعد أن يكره لأجل النية الباعثة عليه، إذ لا يبعث عليه إلا عليه إلا نية فاسدة فيها شيء من شوائب الشرك الخفي فأقول: النيات الباعثة على العزل خمس: الأولى في السراري وهو حفظ الملك عن الهلال باستحقاق العتاق وقصد استبقاء الملك بترك الإعتاق ودفع أسبابه ليس بمنهي عنه. الثانية استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفاً من خطر الطلق، وهذا أيضاً ليس منهياً عنه. الثالثة:الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء، وهذا أيضاً غير منهي عنه، فإن قلة الحرج معين على الدين، نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل، ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضاً للتوكل لا نقول إنه منهي عنه. الرابعة الخوف من الأولاد الإناث لما يعتقد في تزويجهن من المعرة كما كانت من عادة العرب في قتلهم الإناث، فهذه نية فاسدة لو ترك بسببها أصل النكاح أو أصل الوقاع أثم بها لا بترك النكاح والوطء، فكذا في العزل، والفساد في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله ﷺ أشد، وينزل منزلة امرأة تركت النكاح استنكافاً من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال، ولا ترجع الكراهة إلى عين ترك النكاح. الخامسة: أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع، وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه، حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض ولا يدخلن الخلاء إلا عراة، فهذه بدعة تخالف السنة، فهي نية فاسدة؛ واستأذنت واحدة منهن على عائشة رضي الله عنها لما قدمت البصرة فلم تأذن لها، فيكون القصد هو الفاسد دون منع الولادة.
فإن قلت: فقد قال النبي ﷺ: "من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا ثلاثاً". قلت: فالعزل كترك النكاح. وقوله: "ليس منا" أي ليس موافقاً لنا على سنتنا وطريقنا وسنتنا فعل الأفضل.
فإن قلت: فقد قال صلى الله علبه وسلم في العزل "ذلك الوأد الخفي،وقرأ: وإذا الموءودة سئلت" وهذا في الصحيح. قلنا: وفي الصحيح أخبار صحيحة في الإباحة، وقوله" الوأد الخفي" كقوله "الشرك الخفي" وذلك يوجب كراهة لا تحريماً.
فإن قلت: فقد قال ابن عباس: العزل هو الوأد الأصغر، فإن الممنوع وجوده به هو الموءودة الصغرى. قلنا هذا ليس قياس منه لدفع الوجود على قطعه وهو قياس ضعيف، ولذلك أنكره عليه علي رضي الله عنه،لما سمعه قال: ولا تكون موءودة إلا بعد سبع، أي بعد الأخرى سبعة أطوار،وتلا الآية الواردة في أطوار الخلقة وهي قوله تعالى "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين" إلى قوله "ثم أنشأناه خلقاً آخر" أي نفخنا فيه الروح،ثم تلا قوله تعالى في الآية "وإذا الموءودة سئلت" وإذا نظرت إلى ما قدمناه في طريق القياس والاعتبار، ظهر لك تفاوت منصب علي وابن عباس رضي الله عنهما في الغوص على المعاني ودرك العلوم، كيف وفي المتفق عليه في الصحيحين على جابر انه قال "كنا نعزل على عهد الرسول ﷺ والقرآن ينزل" وفي لفظ آخر "كنا نعزل فبلغ ذلك نبي الله ﷺ فلم ينهنا" وفيه أيضاً عن جابر أنه قال"إن رجلاً أتى رسول الله ﷺ فقال: إن لي جارية خادمتنا وساقيتنا في الخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل، فقال عليه الصلاة والسلام "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ما شاء الله ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت، فقال "قد قلت سيأتيها ما قدر لها" كل ذلك في الصحيحين.
الحادي عشر: في آداب الولادة وهي خمسة: "الأول" أن لا يكثر فرحه بالذكر وحزنه بالأنثى، فإنه لا يدري الخيرة له في أيهما، فكم من صاحب ابن يتمنى أن لا يكون له، أو يتمنى أن يكون بنتاً، بل السلامة منهن أكثر والثواب فيهن اجزل قال ﷺ "من كانت له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها وغذاها فأحسن غذاءها وأسبغ عليها من النعمة التي أسبغ الله عليه كانت له ميمنة وميسرة من المار إلى الجنة" وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله ﷺ "من كانت له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" وقال أنس: قال رسول الله ﷺ "من خرج إلى سوق من أسواق المسلمين فاشترى شيئاً فحمله إلى بيته فخص به الإناث دون الذكور نظر الله إليه لم يعذبه" وعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ "من حمل طرفة من السوق إلى عياله فكأنما حمل إليهم صدقة حتى يضعها فيهم وليبدأ بالإناث قبل الذكور فإنه من فرح أنثى فكأنما بكى من خشية الله حرم الله بدنه على النار" وقال أبو هريرة: قال ﷺ "من كانت له ثلاث بنات أو أخوات فصبر على لأوائهن وضرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن، فقال رجل: واثنتان يا رسول الله? قال واثنتان. فقال رجل أو واحدة? فقال وواحدة" الأدب الثاني: أن يؤذن في أذن الولد: روى رافع عن أبيه قال "رأيت النبي ﷺ قد أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها" وروي عن النبي ﷺ أنه قال "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى دفعت عنه أم الصبيان" ويستحب أن يلقنوه أول انطلاق لسانه لا إله إلا الله، ليكون أول حديثه، والختان في اليوم السابع ورد به خبر.
الأدب الثالث: أن تسميه اسماً حسناً؛ فذلك من حق الولد. وقال ﷺ "إذا سميتم فعبدوا" وقال عليه الصلاة والسلام أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" وقال" سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" قال العلماء: كان ذلك في عصره ﷺ إذ كان ينادى يا أبا القاسم والآن فلا بأس، نعم لا يجمع بين اسمه وكنيته، وقد قال ﷺ "لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي" وقيل: إن هذا أيضاً كان في حياته، وتسمى رجل أبا عيسى فقال عليه السلام "إن عيسى لا أب له" فيكره ذلك، والسقط ينبغي أن يسمى. قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية: بلغني أن السقط يصرخ يوم القيامة وراء أبيه فيقول: أنت ضيعتني وتركتني لا اسم لي؛ فقال عمر بن عبد العزيز: كيف وقد لا يدري إنه غلام أو جارية فقال عبد الرحمن: من الأسماء ما يجمعها كحمزة وعمارة وطلحة وعتبة، وقال ﷺ إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" ومن كان له اسم يكره يستحب تبديله، أبدل رسول الله ﷺ اسم العاص بعبد الله. وكان اسم زينب برة، فقال عليه السلام "تزكي نفسها" فسماها زينب، وكذلك ورد النهي في تسمية أفلح ويسار ونافع وبركة لأنه يقال: أثم بركة? فيقال: لا.
الرابع: العقيقة عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة ذكراً كانت أو أنثى. وروت عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ أمر في الغلام أن يعق بشاتين مكافئتين، وفي الجارية بشاة. وروي: أنه عق عن الحسن بشاة وهذا رخصة في الاقتصار على واحدة وقال ﷺ"مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى، ومن السنة أن يتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضةً؛ فقد ورد فيه خبر:طأنه عليه السلام أمر فاطمة رضي الله عنها يوم سابع حسين أن تحلق شعره وتتصدق بزنة شعره فضة" قالت عائشة رضي الله عنها لا يكسر للعقيقة عظم.
الخامس: أن يحنكه بتمرة أو حلاوة. وروي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت "ولدت عبد الله بن الزبير بقباء، ثم أتيت به رسول الله ﷺ فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه" فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله ﷺ،ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام، ففرحوا به فرحاً شديداً لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.
الثاني عشر: في الطلاق، وليعلم أنه مباح، ولكنه أبغض المباحات إلى الله تعالى، وإنما يكون مباحاً إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل، ومهما طلقها فقد آذاها، ولا يباح إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها أو بضرورة من جانبه، قال الله تعلى "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" أي لا تطلبوا حيلة للفراق وإن كرهها أبوه فليطلقها. قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها ويأمرني بطلاقها، فراجعت رسول الله ﷺ فقال "يا ابن عمر طلق امرأتك" فهذا يدل على أن حق الوالد مقدم، ولكن والد يكرهها- لا لغرض فاسد- مثل عمر، ومهما آذت زوجها وبذت على أهله فهي جانية، وكذلك مهما كانت سيئة الخلق أو فاسدة الدين. قال ابن مسعود في قوله تعالى "ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" مهما بذت على أهله وآذت زوجها فهو فاحشة، وهذا أريد به في العدة ولكنه تنبيه على المقصود. وإن كان الأذى من الزوج فلها أن تفتدي ببذل مال، يكره للرجل أن يأخذ منها أكثر مما أعطى فإن ذلك إجحاف بها وتحامل عليها وتجارة على البضع. قال تعالى "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" فرد ما أخذته فما دونه لائق بالفداء. فإن سألت الطلاق بغير ما بأس فهي آثمة، قال ﷺ "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة" وفي لفظ آخر" فالجنة عليها حرام" وفي لفظ آخر: أنه عليه السلام قال "المختلعات هن المنافقات" ثم ليراع الزوج في الطلاق أربعة أمور.
الأول: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، فإن الطلاق في الحيض أو الطهر الذي جامع فيه يدعى حرام وإن كان واقعاً، لما فيه من تطويل العدة عليها؛ فإن فعل ذلك فليراجعها :طلق ابن عمر زوجته في الحيض فقال ﷺ لعمر: مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " وإنما أمره بالصبر بعد الرجعة طهرين لئلا يكون مقصود الرجعة الطلاق فقط.
الثاني: أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث، لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة، وإذا طلق ثلاثاً ربما ندم فيحتاج إلى أن يتزوجها محلل وإلى الصبر مدة، وعقد المحلل منهي عنه، ويكون هو الساعي فيه ثم يكون قلبه معلقاً بزوجة الغير وتطليقه -أعني زوجة المحلل بعد أن زوج منه- ثم يورث ذلك تنفيراً من الزوجة، وكل ذلك ثمرة الجمع، وفي الواحدة كفاية في المقصود من غير محذور، ولست أقول الجمع حرام "لكنه مكروه بهذه المعاني، وأعني بالكراهة تركه النظر لنفسه.
الثالث: أن يتلطف في التعلل بتطليقها من غير تعنيف واستخفاف، وتطيب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لما فجعلها به من أذى الفراق. قال تعالى" ومتعوهن" وذلك واجب مهما لم يسم لها مهر في أصل النكاح. كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مطلاقاً ومنكاحاً، ووجه ذات يوم بعض أصحابه لطلاق امرأتين من نسائه وقال: قل لهما اعتدا، وأمره أن يدفع إلى كل واحدةً عشرة آلاف درهم، ففعل، فلما رجع إليه قال: ماذا فعلتا? قال أما إحداهما فنكست رأسها وتنكست، وأما الأخرى فبكت وانتحت وسمعتها تقول: متاع قليل من حبيب مفارق فأطرق الحسن وترحم لها وقال: لو كنت مراجعاً امرأةً بعد ما فارقتها لراجعتها، ودخل الحسن ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - فقيه المدينة ورئيسها - ولم يكن له بالمدينة نظير وبه ضربت المثل عائشة رضي الله عنها حيث قالت لو لم أسر مسيري ذلك لكان أحب إلي من أن يكون لي ستة عشراً ذكراً من رسول الله ﷺ مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام:فدخل عليه الحسن في بيته، فعظمه عبد الرحمن وأجلسه في مجلسه وقال: ألا أرسلت إلي فكنت أجيئك، فقال: الحاجة لنا. قال: وما هي? قال جئتك خاطباً ابنتك، فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال: والله ما على وجه الأرض أحد يمشي عليها أعز علي منك، ولكنك تعلم أن ابنتي بضعة مني يسوءني ما ساءها ويسرني ما سرها، وأنت مطلاق، فأخاف أن تطلقها، وإن فعلت خشيت أن يتغير قلبي في محبتك وأكره أن يتغير قلبي عليك، فأنت بضعة من رسول الله ﷺ فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك، فسكت الحسن وقام وخرج وقال بعض أهل بيته. سمعته وهو يمشي ويقول: ما أراد عبد الرحمن إلا أن يجعل ابنته طوقاً في عنقي. وكان علي رضي الله عنه يضجر من كثرة تطليقه، فكان يعتذر منه على المنبر ويقول في خطبته، إن حسناً مطلاقاً فلا تنكحوه، حتى قام رجل من همدان فقال: والله يا أمير المؤمنين لننكحه ما شاء، فإن أحب أمسك وإن شاء ترك، فسر ذلك علياً وقال: لو كنت بواباً على باب الجنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام وهذا تنبيه على أن من طعن في حبيبه من أهل وولد بنوع حياء فلا ينبغي أن يوافق عليه، فهذه الموافقة القبيحة، بل الأدب المخالفة ما أمكن، فإن ذلك أسر لقلبه وأوفق لباطن ذاته، والقصد من هذا بيان أن الطلاق مباح، وقد وعد الله الغنى في الفراق والنكاح جميعاً فقال "وأنكحوا الأيام منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله" وقال سبحانه وتعالى "وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته.
الرابع: أن لا يفشي سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح، فقد ورد في إفشاء سر النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم. ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة، فقيل له: ما الذي يريبك فيها? فقال: العاقل، لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل له. لم طلقتها? فقال: مالي ولامرأة غيري، فهذا بيان ما على الزوج.
القسم الثاني
من هذا الباب النظر في حقوق الزوج عليها
والقول الشافي فيه أن النكاح نوع رق، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزوج مطلقاً في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه، وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة:قال ﷺ "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" . "وكان رجل قد خرج إلى سفر وعهد إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل وكان أبوها في الأسفل، فمرض فأرسلت المرأة إلى رسول الله ﷺ تستأذن في النزول إلى أبيها، فقال ﷺ "أطيعي زوجك" فمات فاستأمرته فقال "أطيعي زوجك" فدفن أبوها فأرسل رسول الله ﷺ إليها يخبرها أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها، وقال ﷺ "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها" وأضاف طاعة الزوج إلى مباني الإسلام? وذكر رسول الله ﷺ النساء فقال "حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين إلى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة" وقال ﷺ "اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء، فقلن: لم يا رسول الله? قال يكثرن اللعنة ويكفرن العشير" يعني الزوج المعاشر. وفي خبر آخر "اطلعت في الجنة فإذا أهلها النساء فقلت أين النساء? قال: شغلهن الأحمران الذهب والزعفران" يعني الحلي ومصبغات الثياب. وقالت عائشة رضي الله عنها : أتت فتاة إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إني فتاة أخطب فأكره التزويج، فما حق الزوج على المرأة? قال "لو كان من فرقه إلى قدمه صديد فلحسته ما أدت شكره" قالت أفلا أتزوج? قال "بلى تزوجي فإنه خير" قال ابن عباس: أتت إمرأة من خثعم إلى رسول الله ﷺ فقالت: إني امرأة أيم وأريد أن أتزوج، فما حق الزوج? قال: إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه، ومن حقه أن لا تعطي شيئاً من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت ذلك كان وزراً عليها والأجر له، ومن حقه أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب" وقال ﷺ "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها". وقال ﷺ "أقرب ما تكون المرأة من وجه ربها إذا كانت في قعر بيتها وإن صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها" والمخدع: بيت في بيت، وذلك للستر، ولذلك قال عيه السلام "المرأة عورة فإن خرجت استشرفها الشيطان" وقال أيضاً للمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة؛ فإذا ماتت ستر القبر العش عورات" فحقوق الزوج على الزوجة كثيرة، وأهمها أمران، أحدهما: الصيانة والستر. والآخر: ترك المطالبة بما وراء الحاجة، والتعفف عن كسبه إذا كان حراماً، وهكذا كانت عادة النساء في السلف: كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته أو ابنته: إياك وكسب الحرام فإنه بصبر على الجوع والضر ولا نصبر على النار. وهم رجل من السلف بالسفر فكره جيرانه سفره، فقالوا لزوجته: لم ترضين بسفره ولم يدع لك نفقة? فقالت زوجي منذ عرفته عرفته أكالاً وما عرفته رازقاً، ولي رب رزاق: يذهب الأكال ويبقى الرزاق. وخطبت رابعة بنت إسماعيل أحم بن أبي الحواري، فكره ذلك لما كان فيه من العبادة وقال لها: والله مالي همة في النساء لشغلي بحالي، فقالت: إني لأشغل بحالي منك ومالي شهوة، ولكن ورثت مالاً جزيلاً من زوجي فأردت أن تنفقه على إخوانك، وأعرف بك الصالحين فيكون لي طريقاً إلى الله عز وجل، فقال: حتى استأذن أستاذي، فرجع إلى أبي سليمان الداراني، وقال: وكان ينهاني عن التزويج ويقول: ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير؛ فلما سمع كلامها قال: تزوج بها فإنها ولية لله هذا كلام الصديقين، قال: فتزوجتها في منزلنا كن من جص ففني من غسل أيدي المستعجلين للخروج بعد الأكل فضلاً عمن غسل بالأشنان. قال: وتزوجت عليها ثلاث نسوة فكانت تطعمني الطيبات وتطيبني وتقول: اذهب بنشاطك وقوتك إلى أزواجك، وكانت رابع هذه تشبه في أهل الشام برابعة العدوية بالبصرة. ومن الواجبات عليها: أن لا تفرط في ماله بل
تحفظه عليه. قال رسول الله ﷺ "لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعام الذي يخاف فساده، فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره، وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر" ومن حقها على الوالدين تعليمها حسن المعاشرة، وآداب العشرة مع الزوج كما روي أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لأبنتها عند التزويج إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضاً يكن لك سماء وكوني له مهاداً يكن لك عماداً وكوني له أمة يكن لك عبداً، لا تلحفي به فيقلاك ولا تباعدي عنه فينساك إن دنا منك فاقربي منه، وإن نأى فابعدي عنه، واحفظي أنفه وسمعه وعينه، فلا يشمن منك إلا طيباً، ولا يسمع إلا حسناً، ولا ينظر إلا جميلاً. وقال رجل لزوجته:
فالقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل: أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها، لا يكثر صعودها واطلاعها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدخول،تحفظ بعلها في غيبته، وتطلب مسرته في جميع أمورها، ولا تخونه في نفسها وماله، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن خرجت بإذنه فمختفية في هيئة رثة، تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق، محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرفها بشخصها لا تتعرف إلى صديق بعلها في حاجتها، بل تتنكر على من تظن أنه يعرفها أو تعرفه، همها صلاح شأنها وتدبير بيتها مقبلة على صلاتها وصيامها، وإذا استأذن صديق لبعلها على الباب وليس البعل حاضراً لم تستفهم ولم تعاوده في الكلام غيرة على نفسها وبعلها، وتكون قانعةً من زوجها بما رزق الله، وتقدم حقه على حق نفسها وحق سائر أقاربها، متنظفة في نفسها مستعدة في الأحوال كلها للتمتع بها إن شاء، مشفقة على أولادها، حافظة للستر عليهم قصيرة اللسان عن سب الأولاد ومراجعة الزوج. وقد قال ﷺ "أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين في الجنة: امرأة آمت من زوجها وحبست نفسها على بناتها حتى ثابوا أو ماتوا" وقال ﷺ "حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي، غير أني أنظر عن يميني فإذا امرأة تبادرني إلى باب الجنة فأقول: ما لهذه تبادرني? فيقال لي يا محمد، هذه امرأة كانت حسناء جميلة وكان عندها يتامى لهل، فصبرت عليهن حتى بلغ أمرهن الذي بلغ فشكر الله لهل ذلك" ومن آدابها: أن لا تتفاخر على الزوج بجمالها ولا تزدري زوجها لقبحه فقد روي أن الأصمعي قال: دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجهاً تحت رجل من أقبح الناس وجهاً، فقلت لها: يا هذه أترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله? فقالت: يا هذا اسكت فقد أسأت في قولك، لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه فجعلني ثوابه، أو لعلي أسأت فيما بيني وبين خالقي فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رضي الله لي فأسكتني. وقال الأصمعي: رأيت في البادية امرأة عليها قميص أحمر وهي مختضبة وبيدها سبحة، فقلت: ما أبعد هذا من هذا? فقالت: ولله مني جانب لا أضيعه وللهو مني والبطالة جانب فعلمت أنها امرأة صالحة لها زوج تتزين له. ومن آداب المرأة ملازمة الصلاح والانقباض في غيبة زوجها والرجوع إلى اللعب والانبساط وأسباب اللذة في حضور زوجها، ولا ينبغي أن تؤذي زوجها بحال. روي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا" ومما يجب عليها من حقوق النكاح إذا مات عنها زوجها أن لا تحد عليه أكثر من أربعة أشهر وعشر وتتجنب الطيب والزينة في هذه المدة، قالت زينب بنت أبي سلمة: دخلت على أم حبيبة زوج النبي ﷺ حين توفى أبوها أبو سفيان بن حرب، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله ﷺ يقول " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" ويلزمها لزوم مسكن النكاح إلى آخر العدة، وليس لها الانتقال إلى أهلها ولا الخروج إلا لضرورة. ومن آدابها: أن تقوم بكل خدمة في الدار تقدر عليها، فقد روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه وناضحه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني. ولقيني رسول الله ﷺ يوماً ومعه أصحابه والنوى على رأسي فقال ﷺ: "أخ أخ" لينيخ ناقته ويحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيره وكان أغير الناس، فعرف رسول الله ﷺ أني قد استحييت، فجئت الزبير فحكيت له ما جرى، فقال: والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه.