المقدمة | أخبار النحويين لأبي طاهر المقرئ المؤلف: أبو طاهر المقرئ |
ذكر أخبار الأصمعي |
قال أبو العباس محمد بن يزيد: أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري صليبة من الخزرج. قال أبو العباس: كان أبو زيد عالماً بالنحو ولم يكن مثل الخليل وسيبويه وكان يونس من باب أبي زيد في العلم باللغات وكان يونس أعلم من أبي زيد بالنحو. وكان أبو زيد أعلم الثلاثة بالنحو أعنيه والأصمعي وأبا عبيدة وكان يقال أبو زيد النحوي وله كتاب في تخفيف الهمز على مذهب النحو وفي كتبه المصنفة في اللغة من شواهد النحو عن العرب ما ليس لغيره وكانت حلقته بالبصرة ينتابها الناس. وذكر أبو العباس قال حدثني أبو بكر القرشي شيخ من أهل البصرة مولى لقريش قال سمت قوماً يذكرون أبا زيد في حلقة الأصمعي فساعدهم على ذلك ثم قال الأصمعي: رأيت خلفاً الأحمر في حلقة أبي زيد.
وكان أبو زيد كثير السماع من العرب ثقة مقبول الرواية، وأخبرنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم قال قال لي أبو زيد الأنصاري سألني الحكم بن قنبر عن: تعاهدت ضيعتي أو تعهدت. فقلت: تعهدت لا يكون إلا ذلك. قال فقال لي: فاثبت لي على هذا إذا سألك يونس فقل نعم. وكان الحكم بن قنبر سأل يونس فقال تعاهدت. قال فلما جئت سأله فقال يونس فقال: تعاد. فقال أبو زيد فقلت: لا. وكان عنده ستة من الأعراب الفصحاء فقلت: سل هؤلاء فبدأ بالأقرب إليه فالأقرب فسألهم واحداً واحداً فكلهم قال: تعهدت. فقال: يا أبا زيد رب علم كنت سببه. أو شيئاً نحو هذا.
ويروى أن أعرابياً وقف على حلقة أبي زيد جادياً أي مستميحاً فظن أبو زيد أنه جاء ليسأل مسألة في النحو فقال له أبو زيد: سل يا أعرابي عما بدا لك فقال علي البديهة:
لست للنحو جئتكم لا ولا فيه أرغب
أنا ما لي ولامرئٍ أبد الدهر يضرب
خل زيداً لشأنه حيث ما شاء يذهب
واستمع قول عاشق قد شجاه التطرب
همه الدهر طفلةٌ فهو فيها يشبب
وحدثنا أبو بكر بن السراج قال حدثنا أبو العباس المبرد قال أخبرنا أبو عثمان المازني قال يقال: أسوأ الرجل مهموزاً إذا أحدث. قال وكان أبو زيد يقول لأصحابه أخطأتم وأسوأتم. وبإسناده، قال: وقال أبو زيد ستة يلزمونه ولا يفلحون الأشنانداني والكرماني وابن السحستاني والسرداني والخرساني والعرماني من عرمان من الأزد.
وقال أحمد بن يحيى كان أبو زيد يقول لأصحابه.
اقتربوا قرف القمع إني إذا موت كنع
لا أتوقى بالجزع ما طار شيءٌ فارتفع إلا كما طار وقع
قال وأنشدني فيها ابن الأعرابي:
حسبي بعلمي إن نفع ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله نزع عن قبح ما كان صنع
قال أحمد بن يحيى قرف القمع ما كان عليه من الوسخ، فيقول أبو زيد لأصحابه: اقتربوا يا أوساخ.
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثني أبو زيد قال قلت لأعرابي: ما المتكأكئ قال: المتأزف. قلت: ما المتأزف؟ قال: المحبنطئ يا أحمق. وتركني ومضى وذلك كله القصير.
وذكر أبو العباس محمد بن يزيد قال حدثني أبو عثمان المازني والتوزي وغيرهما أن الكسائي كتب إلى أبي زيد جواب كتاب كان كتبه إليه: شكوت إلي مجانينكم فأشكو إليك مجانيننا لئن كان أقذاركم قد نموا لأقذر وأنتن بمن عندنا فلولا المعافاة كنا كهم ولولا البلاء لكانوا كنا.
وذكر محمد بن يزيد قال حدثني المازني عن أبي زيد قال: قدم الكسائي البصرة فأخذ عن أبي عمرو ويونس وعيسى بن عمر علماً كثيراً صحيحاً ثم خرج إلى بغداد فقدم إعراب الحطمة فأخذ عنهم شيئاً فاسداً فخلط هذا بذاك فأفسده ولا نعلم أحداً من علماء البصريين بالنحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئاً من علم العرب إلا أبا زيد فإنه روى عن المفضل الضبي. قال أبو زيد في أول كتاب النوادر أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي جاهلي.
بكرت تلومك بعد وهن في الندى بسلٌ عليك ملامتي وعتابي
أأصرها وبني عمي ساغبٌ فكفاك من إبةٍ علي وعاب
هل تخمشن إبلي على وجوهها أم تعصبن رؤوسها بسلاب
معنى بكرت أي قدمت الوقت والوهن الساعة من الليل، والبسل الحرام، أأصرها يعني أشد أخلافها والساغب الجائع، والإبة العيب وما يستحي منه والعاب العيب والسلاب عصابة سوداء تلبسها المرأة في المصيبة، وعامة كتاب النوادر لأبي زيد عن المفضل.