الرئيسيةبحث

مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/21

مغامرات حاجي بابا الإصفهاني الفصل الحادي والعشرون. وصف لأسلوب تناول شاه بلاد فارس للدواء
المؤلف: جيمس موريير
المترجم: (م)


الفصل الحادي والعشرون. وصف لأسلوب تناول شاه بلاد فارس للدواء

كانت زيارة الطبيب إلى الشاه في وقت متأخر من المساء؛ وحالما عاد ناداني. وجدته في حالة انفعال عظيم وقلق واضح. وقال لي متى دخلت: «تعال يا حاجي، اقترب مني.» ثم صرف الجميع من الغرفة وحدثني همساً: «يجب أن نتخلص من هذا الطبيب الكافر بشكل أو بآخر. أتعرف ما حدث؟ لقد استشاره الشاه! اجتمع معه على انفراد أكثر من ساعة صباح اليوم دون أن يخطرني أحد بذلك. لقد طلبني جلالته ليحكي لي نتائج الاجتماع، وشعرت أن الفرنجي صار له عنده مكانة عظيمة. يبدو أن الشاه حكى له قصة شكاويه من الضعف ومن الربو وعسرة الهضم، وقصّ عليّ بابتهاج عن فطنة هذا الحقير وحدّة ذكائه، إذ أن هذا الكافر، ما أن نظر إلى لسان جلالته وجس نبضه، وقبل أن يعرف حالته، سأله إن كان يكثر اللجوء إلى الحمام الحار،[1] وما إذا كان التدخين يحرض عنده نوبات سعال، وما إذا كان يكثر في طعامه من التوابل والحلوى ويحب أن يكون الرز طافياً في السمن. أعطاه الشاه ثلاثة أيام ليدرس حالته ويرجع إلى كتبه ويجمع رأي الحكماء الفرنجة في هذا الموضوع بالغ الأهمية لبلاد فارس ويركِّب عقاراً من شأنه أن يرمم بدن جلالته ويصفي مزاجه بالكامل. سألني صاحب الجلالة عن رأيي في طبائع وصفات الفرنجة عموماً وأدويتهم وعقاقيرهم خصوصاً، وانتهزت هذه الفرصة لأحكي ما في قلبي، وبعد ألفاظ التفخيم والتكلف المعتادة قلت: ”فيما يخص طبائعهم، فليعلم الشاه في حكمته العميقة أنهم عرق كافر نجس، ولذا يعتبرون نبينا كذاباً ويأكلون الخنزير ويشربون الخمر؛ مظهرهم كمظهر النساء وأخلاقهم كأخلاق الدببة؛ ويجب التعامل معهم بأقصى الحذر والشك لأن غايتهم – انظروا إلى ما فعلوه بالهند – هي الاستيلاء على الممالك وتسخير ملوكها خدماً لهم. أما عقاقيرهم فحماك الله وأجارك منها! فخطرها في تأثيرها كخطر الفرنجة في سياستهم: فما نعطيه نحن لتسميم المرء يزعمون هم أنه الدواء الشافي، فالمكون الأساسي لدوائهم هو الزئبق (وهنا رفعت الحبة وأريتها لهم)، ويستعملون الأدوات والأمواس حتى قيل عنهم أنهم يقطعون أوصال المرء لينقذوا حياته.“ ثم رسمت صورة مفزعة للتأثيرات المميتة التي تحملها وصفات الأجانب فوعدني الشاه أخيراً أنه لن يتناول دواءً إلا بعد أن يأخذ كل الاحتياطات التي تمليها عليه حصافته وحكمته. وحالما يرسل الفرنجي العقار الذي يحضره الآن سوف يدعوني الشاه إليه مرة أخرى.»

وأضاف الطبيب:

«إذن، يا حاجي، يجب ألا يتناول الشاه دواء الكافر، إذ لو صادف أن أحدث هذا الدواء فعلاً مفيداً سأهلك نهائياً؛ فمن سيراجع الميرزا أحمق بعد هذا؟ علينا أن نمنع ذلك، حتى لو اضطررت إلى تناول كل الأدوية بنفسي!»

افترقنا وقد وعدنا بعضنا بأن نفعل كل ما بوسعنا للتصدي للطبيب الكافر. وبعد ثلاثة أيام دعي الميرزا أحمق مرة أخرى إلى قصر الشاه ليفحص العلاج الموعود، وكان علبة من الحبوب، وبالطبع، سعى إلى إثارة الشبهات والشكوك بنجاعتها وألقى بتلميحات قاتمة حول خطر تناول أي دواء من عميل قوى أجنبية، فحمل الشاه على اتخاذ القرار بإحالة القضية على مجلس الوزراء. وفي اليوم التالي كان الشاه جالساً على عرشه يحيط به الصدر الأعظم والخزندار ووزير الداخلية وحاجبه وقيّم الاصطبل الملكي ورئيس المراسم والطبيب الملكي والكثير من كبار رجالاته، فخاطب رئيسَ الوزراء وأخبره عما جرى بينه وبين الطبيب الأجنبي الذي يقيم الآن في بلاطه، وأن في اللقاء الأول قال الطبيب المذكور، وبعد فحصٍ دقيق لشخصه، أنه اكتشف عنده أعراض الوهن. وفي الجلسة الثانية أكد للشاه أنه انشغل ثلاثة أيام بلياليها في مراجعة كتبه وسجلاته، وبعد أن جمع آراء حكماء بلاده في الموضوع قام بتوليف خواص شتى الأدوية في عقار واحد، وهذا العقار من شأنه، بعد تناوله عن طريق الفم، أن يحدث آثاراً عجيبة لا تضاهيها أية حجب أو رقع أو تمائم. ثم قال جلالته أنه دعا إلى مجلسه حكيم باشي، أي كبير أطبائه، والذي قام، مدفوعاً بحرصه على مصلحة البلاد، بالتفكير ملياً بوصفة الأجنبي، وأفصح عن عدد من التحفظات النابعة من الشكوك والمخاوف التي خطرت على باله، وهي أولاً إن كان من الحكمة تسليم التدبير الباطن لشخص الملك إلى توصيات ووصفات أجنبي، وثانياً أنه من الوارد أن العقار الموصوف قد يتصف بخصائص مؤذية خفية من شأنها أن تقوض وتضعف – وقد تدمر – شخص الملك الذي كان من المفترض أن تجدده وتقويه. وقال ملك الملوك وهو يرفع صوته:

«وفي هذه الظروف رأينا من الحصيف أن نتريث قبل المضي في هذا الأمر، وقررنا عرض القضية أمامكم كي تقوموا بحكمتكم المجتمعة بصياغة رأي يناسب عرضه على الشاه؛ ولكي يكون عندكم فكرة كافية عن القضية قررنا أن يجرب كل واحد منكم هذا الدواء لكي نستطيع أن نحكم على شتى تأثيراته سويةً، أنتم وأنا.»

ورداً على هذا الكلام الجميل صاح الوزراء والحاشية وجميع رجال البلاط: «أطال الله عمر الشاه! أدام الله ظله! نفدي الشاه بأرواحنا راضين، ناهيك عن تناول الدواء! عافى الله الملك ونصره على كل أعدائه!». فأمر الشاه رئيس حرسه بإحضار علبة الدواء من بيت الحريم فأحضرها وقدمها للشاه على صينية من ذهب. ثم أمر جلالته حكيم باشي بالتقدم منه وأعطاه العلبة وأمره بأن يطوف على جميع الموجودين ابتداءً من رئيس الوزراء ثم بباقي الرجال وفق رتبتهم ويعطي كل واحد منهم حبة.

فأخذ الحضور جميعهم جرعة العقار وتبع ذلك صمتٌ بقي الشاه خلاله يراقب قسمات وجوه المجلس ليرى التأثيرات الأولى للدواء. وبعد أن عادت تعابير الوجوه إلى طبيعتها المعتادة دار الحديث عن شؤون أوروبا، وقد طرح جلالته أسئلة عديدة في هذا الموضوع وأجاب عنها مختلف الموجودين على أفضل وجه ممكن.

بدأ الدواء يعطي مفعوله تدريجياً، وظهر أول ما ظهر على أمين الخزينة، وهو رجل ضخم غليط بقي حتى تلك اللحظة يجلس بلا حركة ويكتفي بأن يقول «نعم، نعم» لكل كلمة يتفوه بها الشاه، إذ بدت عليه علامات الارتباك بعد أن أثار ما تناوله طيفاً من الشكاوى القديمة الهاجعة سابقاً. فتوجهت عيون الجميع نحوه ما زاد من ارتباكه. ثم ظهر على الحاجب، الرجل النحيل الطويل، الشحوب وبدأ يتعرق بغزارة، وتبع ذلك وزير الداخلية الذي أرسل إلى صاحب الجلالة نظرات توسُّل أن يأذن له بمغادرة المجلس الجليل. وظهرت علامات مختلفة على جميع الحضور عدا كبير الوزراء، الرجل العجوز القصير المشهور بطبيعته الصلبة العنيدة الذي بقي جالساً وبدا أنه كان يضحك خفيةً على النحس الذي أصاب زملاءه.

وعندما وجد الشاه أن الدواء أعطى تأثيره صرف المجلس وأمر الميرزا أحمق بمتابعة مفعول كل حبة بعناية وأن يعطيه تقريراً رسمياً عن الحادثة كلها، ثم انصرف إلى بيت حريمه.

وبذلك صار غريم الطبيب العجوز الماكر تحت رحمته، فصاغ تقريره إلى الشاه بشكل ثنى جلالته عن تجربة وصفة الطبيب الأجنبي، فكان نصيبها الأهمال والنسيان. وعندما التقى بي في المرة القادمة، وبعد أن عرّفني على القصة السابقة، لم يشأ أن يخفي فرحته، فقال لي: «لقد انتصرنا يا صديقي حاجي بابا! لقد ظن الكافر أننا بلهاء، ولكننا سنلقنه درساً ليعرف قيمة الفرس. فمن هذا الكلب ليحظى بشرف وصف أدوية إلى ملك الملوك؟ إن هذا الشرف محفوظ لأمثالي أنا. ماذا تهمنا اكتشافاته الجديدة؟ عندنا علم آبائنا، ونحن راضون عن التداوي بما تداووا، فما أشفى أسلافنا يشفينا، وما وصفه لقمان وابن سينا نصفه لمرضانا بعدهما.» ثم صرفني وشرع يفكر بخطط جديدة لتقويض ما بقي من الثقة والنفوذ عند الطبيب الجديد ولحماية منصبه وسمعته هو في البلاط.

هوامش

  1. إنها الطريقة المؤدبة بين المثقفين الفرس للإشارة إلى ما يرتبط بالعلاقات مع النساء.