→ فصل في قوله تعالى باسم ربك الذي خلق | مجموع فتاوى ابن تيمية – التفسير فصل في أول آية نزلت من القرآن ابن تيمية |
فصل في أن أعظم الأصول معرفة الإنسان بما نعت الله به نفسه ← |
فصل في أول آية نزلت من القرآن
وكما أنه أول آية نزلت من القرآن تدل على ذلك، فأعظم آية في القرآن تدل على ذلك، لكن مبسوطًا دلالة أتم من هذا.
وهي آية الكرسي، كما ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال لأبي بن كعب: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية في كتاب الله معك أعظم؟ » فقال: { اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } ، فقال: «لِيَهْنِكَ العلم، أبا المنذر!».
وهنا افتتحها بقوله: { اللهُ }، وهو أعظم من قوله: { ربك } ولهذا افتتح به أعظم سورة في القرآن فقال: { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
وقال: { اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } ، إذا كان المشركون قد اتخذوا إلهًا غيره وإن قالوا بأنه الخالق. ففي قوله: { خَلَقَ } لم يذكر نفي خالق آخر إذ كان ذلك معلومًا. فلم يثبت أحد من الناس خالقًا آخر مطلقًا خلق كل شيء وخلق الإنسان وغيره، بخلاف الإلهية.
قال تعالى: { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } [1]، وقال تعالى: { وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [2]، وقال تعالى: { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [3]، وقال تعالى: { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا } [4].
فابتغوا معه آلهة أخري، ولم يثبتوا معه خالقًا آخر.
فقال في أعظم الآيات: { اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } . ذكره في ثلاثة مواضع من القرآن، كل موضع فيه أحد أصول الدين الثلاثة؛ وهي التوحيد، والرسل، والآخرة.
هذه التي بعث بها جميع المرسلين، وأخبر عن المشركين أنهم يكفرون بها في مثل قوله: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [5].
فقال هنا: { اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } ، قرنها بأنه لا إله إلا هو.
وزاد في آل عمران: { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ } [6]، وهذا إيمان بالكتب والرسل.
وقال في طه: { يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } [7].
هامش
- ↑ [الأنبياء: 68]
- ↑ [ص: 6]
- ↑ [الأنعام: 19]
- ↑ [الإسراء: 42]
- ↑ [الأنعام: 150]
- ↑ [آل عمران: 3، 4]
- ↑ [طه: 109 111]