→ ثم دخلت سنة تسع وسبعمائة | البداية والنهاية – الجزء الرابع عشر ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة ابن كثير |
ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة ← |
استهلت وخليفة الوقت المستكفي بالله أبو الربيع سليمان العباسي، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، والشيخ تقي الدين بن تيمية مقيم بمصر معظما مكرما، ونائب مصر الأمير سيف الدين بكتمر أمير خزندار، وقضاته هم المذكورون في التي قبلها، سوى الحنبلي فإنه سعد الدين الحارثي، والوزير بمصر فخر الدين الخليلي، وناظر الجيوش فخر الدين كاتب المماليك، ونائب الشام قراسنقر المنصوري، وقضاة دمشق هم هم، ونائب حلب قبجق، ونائب طرابلس الحاج بهادر والأفرم بصرخد.
وفي محرم منها باشر الشيخ أمين الدين سالم بن أبي الدرين وكيل بيت المال إمام مسجد هشام تدريس الشامية الجوانية، والشيخ صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية، كلاهما انتزعها من ابن الوكيل بسبب إقامته بمصر، وكان قد وفد إلى المظفر فألزمه رواتب لانتمائه إلى المنبجي، ثم عاد بتوقيع سلطاني إلى مدرستيه، فأقام بهما شهرا أو سبعة وعشرين يوما. ثم استعادهما منه ورجعنا إلى المدرسين الأولين: الأمين سالم، والصدر الكردي، ورجع الخطيب جلال الدين إلى الخطابة في سابع عشر المحرم، وعزل عنها البدر بن الحداد، وباشر الصاحب شمس الدين نظر الجامع والأسرى والأوقاف قاطبة يوم الاثنين، ثم خلع عليه وأضيف إليه شرف الدين بن صصرى في نظر الجامع، وكان ناظره مستقلا به قبلهما.
وفي يوم عاشوراء قدم استدمر إلى دمشق متوليا نيابة حماة، وسافر إليها بعد سبعة أيام.
وفي المحرم باشر بدر الدين بن الحداد نظر المارستان عوضا عن شمس الدين بن الخطيري، ووقعت منازعة بين صدر الدين بن المرحل وبين الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية، وكتبوا إلى الوكيل محضرا يتضمن من القبائح والفضائح والكفريات على ابن الوكيل، فبادر ابن الوكيل إلى القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي، فحكم بإسلامه وحقن دمه، وحكم بإسقاط التعزير عنه والحكم بعدالته واستحقاقه إلى المناصب.
وكانت هذه هفوة من الحنبلي، ولكن خرجت عنه المدرستان العذراوية لسليمان الكردي، والشامية الجوانية للأمين سالم، ولم يبق معه سوى دار الحديث الأشرفية.
وفي ليلة الاثنين السابع من صفر وصل النجم محمد بن عثمان البصراوي من مصر متوليا الوزارة بالشام، ومعه توقيع بالحسبة لأخيه فخر الدين سليمان، فباشرا المنصبين بالجامع، ونزلا بدرب سفون الذي يقال له درب ابن أبي الهيجاء، ثم انتقل الوزير إلى دار الأعسر عند باب البريد، واستمر نظر الخزانة لعز الدين أحمد بن القلانسي أخي الشيخ جلال الدين.
وفي مستهل ربيع الأول باشر القاضي جمال الدين الزرعي قضاء القضاة بمصر عوضا عن ابن جماعة، وكان قد أخذ منه قبل ذلك في ذي الحجة مشيخة الشيوخ، وأعيدت إلى الكريم الأيكي، وأخذت منه الخطابة أيضا.
وجاء البريد إلى الشام بطلب القاضي شمس الدين بن الحريري لقضاء الديار المصرية، فسار في العشرين من ربيع الأول وخرج معه جماعة لتوديعه، فلما قدم على السلطان أكرمه وعظمه وولاه قضاء الحنفية وتدريس الناصرية والصالحية، وجامع الحاكم، وعزل عن ذلك القاضي شمس الدين السروجي فمكث أياما ثم مات.
وفي نصف هذا الشهر مسك من دمشق سبعة أمراء ومن القاهرة أربعة عشر أميرا.
وفي ربيع الآخر اهتم السلطان بطلب الأمير سيف الدين سلار فحضر هو بنفسه إليه فعاتبه، ثم استخلص منه أمواله وحواصله في مدة شهر، ثم قتل بعد ذلك فوجد معه من الأموال والحيوان والأملاك والأسلحة والمماليك والبغال والحمير أيضا والرباع شيئا كثيرا.
وأما الجواهر والذهب والفضة فشيء لا يحد ولا يوصف في كثرته، وحاصل الأمر أنه قد استأثر لنفسه طائفة كبيرة من بيت المال وأموال المسلمين تجري إليه، ويقال إنه كان مع ذلك كثير العطاء كريما محببا إلى الدولة والرعية والله أعلم.
وقد باشر نيابة السلطنة بمصر من سنة ثمان وتسعين إلى أن قتل يوم الأربعاء رابع عشرين هذا الشهر، ودفن بتربته ليلة الخميس بالقرافة، سامحه الله.
وفي ربيع الآخر درس القاضي شمس الدين بن المعز الحنفي بالظاهرية عوضا عن شمس الدين الحريري، وحضر عنده خاله الصدر علي قاضي قضاة الحنفية وبقية القضاة والأعيان.
وفي هذا الشهر كان الأمير سيف الدين استدمر قد قدم دمشق لبعض أشغاله، وكان له حنو على الشيخ صدر الدين بن الوكيل، فاستنجز له مرسوما بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية، فلم يباشر ذلك حتى سافر استدمر، فاتفق أنه وقعت له بعد يومين كائنة بدار ابن درباس الصالحية.
وذكر أنه وجد عنده شيء من المنكرات، واجتمع عليه جماعة من أهل الصالحية مع الحنابلة وغيرهم، وبلغ ذلك نائب السلطنة فكاتب فيه، فورد الجواب بعزله عن المناصب الدينية، فخرجت عنه دار الحديث الأشرفية وبقي بدمشق وليس بيده وظيفة لذلك.
فلما كان في آخر رمضان سافر إلى حلب فقرر له نائبها استدمر شيئا على الجامع، ثم ولاه تدريسا هناك وأحسن إليه، وكان الأمير استدمر قد انتقل إلى نيابة حلب في جمادى الآخرة عوضا عن سيف الدين قبجق توفي، وباشر مملكة حماة بعده الأمير عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وانتقل جمال الدين آقوش الأفرم من صرخد إلى نيابة طرابلس عوضا عن الحاج بهادر.
وفي يوم الخميس سادس عشر شعبان باشر الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني مشيخة دار الحديث الأشرفية عوضا عن ابن الوكيل، وأخذ في التفسير والحديث والفقه، فذكر من ذلك دروسا حسنة، ثم لم يستمر بها سوى خمسة عشر يوما حتى انتزعها منه كمال الدين بن الشريشي فباشرها يوم الأحد ثالث شهر رمضان.
وفي شعبان رسم قراسنقر نائب الشام بتوسعة المقصورة، فأخرت سدة المؤذنين إلى الركنين المؤخرين تحت قبة النسر، ومنعت الجنائز من دخول الجامع أياما ثم أذن في دخولهم.
وفي خامس رمضان قدم فخر الدين إياس الذي كان نائبا في قلعة الروم إلى دمشق شاد الدواوين عوضا عن زين الدين كتبغا المنصوري.
وفي شوال باشر الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي مشيخة الشيوخ بالديار المصرية عوضا عن الشيخ كريم الدين عبد الكريم بن الحسين الأيكي توفي، وكان له تحرير وهمة، وخلع على القونوي خلعة سنية، وحضر سعيد السعداء بها.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة خلع على الصاحب عز الدين القلانسي خلعة الوزراء بالشام عوضا عن النجم البصراوي بحكم إقطاعه إمرة عشرة وإعراضه عن الوزارة.
وفي يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة عاد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى تدريس الشامية البرانية.
وفي هذا اليوم لبس تقي الدين بن الصاحب شمس الدين بن السلعوس خلعة النظر على الجامع الأموي، ومسك الأمير سيف الدين استدمر نائب حلب في ثاني ذي الحجة ودخل إلى مصر، وكذلك مسك نائب البيرة سيف الدين ضرغام بعده بليال.
من الأعيان:
قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس
أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، شارح (الهداية)، كان بارعا في علوم شتى، وولي الحكم بمصر مدة وعزل قبل موته بأيام، توفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر ودفن بقرب الشافعي وله اعتراضات على الشيخ تقي الدين بن تيمية في علم الكلام، أضحك فيها على نفسه، وقد رد عليه الشيخ تقي الدين في مجلدات، وأبطل حجته.
وفيها توفي سلار مقتولا كما تقدم.
الصاحب أمين الدولة
أبو بكر بن الوجيه عبد العظيم بن يوسف المعروف بابن الرقاقي، والحاج بهادر نائب طرابلس مات بها.
والأمير سيف الدين قبجق نائب حلب مات بها ودفن بتربته بحماة، ثاني جمادى الآخرة وكان شهما شجاعا، وقد ولي نيابة دمشق في أيام لاجين، ثم قفز إلى التتر خوفا من لاجين، ثم جاء مع التتر.
وكان على يديه فرج المسلمين كما ذكرنا عام قازان، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن مات بحلب، ثم وليها بعده استدمر ومات أيضا في آخر السنة.
وفيها توفي:
الشيخ كريم الدين بن الحسين الأيكي
شيخ الشيوخ بمصر، كان له صلة بالأمراء، وقد عزل مرة عن المشيخة بابن جماعة، توفي ليلة السبت سابع شوال بخانقاه سعيد السعداء، وتولاها بعدة الشيخ علاء الدين القونوي كما تقدم.
الفقيه عز الدين عبد الجليل
النمراوي الشافعي، كان فاضلا بارعا، وقد صحب سلار نائب مصر وارتفع في الدنيا بسببه.
ابن الرفعة
هو الإمام العلامة نجم الدين أحمد بن محمد شارح (التنبيه)، وله غير ذلك، وكان فقيها فاضلا وإماما في علوم كثيرة رحمهم الله.
البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر | |
---|---|
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767 |