→ ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة | البداية والنهاية – الجزء الرابع عشر ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة ابن كثير |
ثم دخلت سنة ثلاثون وسبعمائة ← |
☰ جدول المحتويات
- الإمام العالم نجم الدين نجم الدين أبو عبد الله
- الأمير سيف الدين قطلوبك التشنكير الرومي
- محدث اليمن شرف الدين أحمد بن فقيه زبيد
- نجم الدين أبو الحسن
- الأمير بكتمر الحاجب
- شيخنا العلامة برهان الدين الفزاري
- الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع مجد الدين إسماعيل الحراني الحنبلي
- الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الله
- القاضي معين الدين
- قاضي القضاة علاء الدين القونوي
- الأمير حسام الدين لاجين المنصور الحسامي
- الصاحب عز الدين أبو يعلى
استهلت والخليفة والحاكم هم المباشرون في التي قبلها، غير أن قطب الدين ابن شيخ السلامية اشتغل بنظر الجيش.
وفي المحرم طلب القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب سر دمشق وولده شهاب الدين، وشرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود إلى مصر على البريد، فباشر القاضي الصدر الكبير محيي الدين المذكور كتابة السر بها عوضا عن علاء الدين بن الأثير لمرض اعتراه، وأقام عنده ولده شهاب الدين، وأقبل شرف الدين الشهاب محمود إلى دمشق على كتابة السر عوضا عن ابن فضل الله.
وفيه: ذهب ناصر الدين مشد الأوقاف ناظرا على القدس والخليل، فعمر هنالك عمارات كثيرة لملك الأمراء تنكز، وفتح في الأقصى شباكين عن يمين المحراب وشماله وجاء الأمير نجم الدين داود بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن يوسف بن الزيبق من شد الدواوين بحمص إلى شدها بدمشق. وفي الحادي والعشرين من صفر كمل ترخيم الحائط القبلي من جامع دمشق وبسط الجامع جميعه، وصلى الناس الجمعة به من الغد، وفتح باب الزيادة، وكان له أياما مغلقا وذلك في مباشرة تقي الدين بن مراجل.
وفي ربيع الآخر قدم من مصر أولاد الأمير شمس الدين قراسنقر إلى دمشق فسكنوا في دار أبيهم داخل باب الفراديس، في دهليز المقدمية، وأعيدت عليهم أملاكهم المخلفة عن أبيهم، وكانت تحت الحوطة، فلما مات في تلك البلاد أفرج عنها أو أكثرها.
وفي يوم الجمعة آخر شهر ربيع الآخر أنزل الأمير جوبان وولده من قلعة المدينة النبوية وهما ميتان مصبران في توابيتهما، فصلّي عليهما بالمسجد النبوي، ثم دفنا بالبقيع عن مرسوم السلطان، وكان مراد جوبان أن يدفن في مدرسته فلم يمكن من ذلك.
وفي هذا اليوم صلّي بالمدينة النبوية على الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وعلى القاضي نجم الدين البالسي المصري صلاة الغائب.
وفي يوم الاثنين منتصف جمادى الآخرة درّس القاضي شهاب الدين أحمد بن جهبل بالمدرسة البادرائية عوضا عن شيخنا برهان الدين الفزاري توفي إلى رحمة الله تعالى، وأخذ مشيخة دار الحديث منه الحافظ شمس الدين الذهبي، وحضرها في يوم الأربعاء سابع عشرة، ونزل عن خطابة بطنا للشيخ جمال الدين الملاتي المالكي، فخطب بها يوم الجمعة تاسع عشره.
وفي أواخر هذا الشهر قدم نائب حلب الأمير سيف الدين أرغون إلى دمشق قاصدا باب السلطان، فتلقاه نائب دمشق وأنزله بداره التي عند جامعه، ثم سار نحو مصر فغاب نحوا من أربعين يوما، ثم عاد راجعا إلى نيابة حلب.
وفي عاشر رجب طلب الصاحب تقي الدين بن عمر بن الوزير شمس الدين بن السلعوس إلى مصر فولي نظر الدواوين بها حتى مات عن قريب.
وخرج الركب يوم السبت تاسع شوال وأميره سيف الدين بلطي، وقاضيه شهاب الدين القيمري وفي الحجاج زوجة ملك الأمراء تنكز، وفي خدمتها الطواشي شبل الدولة وصدر الدين المالكي، وصلاح الدين ابن أخي الصاحب تقي الدين توبة، وأخوه شرف الدين، والشيخ علي المغربي، والشيخ عبد الله الضرير وجماعة.
وفي بكرة الأربعاء ثالث شوال جلس القاضي ضياء الدين علي بن سليم بن ربيعة للحكم بالعادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة القونوي، وعوضا عن الفخر المصري بحكم نزوله عن ذلك وإعراضه عنه تاسع عشر رمضان من هذه السنة.
وفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة بعد أذان الجمعة صعد إلى منبر جامع الحاكم بمصر شخص من مماليك الجاولي يقال له أرصى، فادعى أنه المهدي وسجع سجعات يسيرة على رأي الكهان، فأنزل في شرخيبة، وذلك قبل حضور الخطيب بالجامع المذكور.
وفي ذي القعدة وما قبله وما بعده من أواخر هذه السنة وأوائل الأخرى وسعت الطرقات والأسواق داخل دمشق وخارجها، مثل سوق السلاح والرصيف والسوق الكبير وباب البريد ومسجد القصب إلى الزنجبيلية، وخارج باب الجباية إلى مسجد الدبان، وغير ذلك من الأماكن التي كانت تضيق عن سلوك الناس، وذلك بأمر تنكز، وأمر بإصلاح القنوات، واستراح الناس من ترتيش الماء عليهم بالنجاسات.
ثم في العشر الأخير من ذي الحجة رسم بقتل الكلاب فقتل منهم شيء كثير جدا، ثم جمعوا خارج باب الصغير مما يلي باب كيسان في الخندق، وفرق بين الذكور منهم والإناث ليموتوا سريعا، ولا يتوالدوا، وكانت الجيف والميتات تنقل إليهم فاستراح الناس من النجاسة من الماء والكلاب، وتوسعت لهم الطرقات.
وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة حضر مشيخة الشيوخ بالسمساطية قاضي القضاة شرف الدين المالكي بعد وفاة قاضي القضاة القونوي الشافعي، وقرئ تقليده بالسبحة بها وحضره الأعيان وأعيد إلى ما كان عليه.
من الأعيان:
الإمام العالم نجم الدين نجم الدين أبو عبد الله
محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي الشافعي، شارح (التنبيه)، ولد سنة ستين وستمائة، وسمع الحديث واشتغل بالفقه وغيره من فنون العلم، فبرع فيها ولازم ابن دقيق العيد وناب عنه في الحكم، ودرس بالمغربية والطيبرسية وجامع مصر، وكان مشهورا بالفضيلة والديانة وملازمة الاشتغال.
توفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم ودفن بالقرافة، وكانت جنازته حافلة، رحمه الله.
الأمير سيف الدين قطلوبك التشنكير الرومي
كان من أكابر الأمراء وولي الحجوبية في وقت، وهو الذي عمر القناة بالقدس، توفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول ودفن بتربته شمال باب الفراديس، وهي مشهورة حسنة، وحضر جنازته بسوق الخيل النائب والأمراء.
محدث اليمن شرف الدين أحمد بن فقيه زبيد
أبي الحسين بن منصور الشماخي المذحجي، روى عن المكيين وغيرهم، وبلغت شيوخه خمسمائة أو أزيد، وكان رحلة تلك البلاد ومفيدها الخير، وكان فاضلا في صناعة الحديث والفقه وغير ذلك، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
نجم الدين أبو الحسن
علي بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الواحد أبو محمد بن المسلم أحد رؤساء دمشق المشهورين، له بيت كبير ونسب عريق، ورياسة باذخة وكرم زائد، باشر نظر الأيتام مدة، وسمع الكثير وحدّث، وكانت لديه فضائل وفوائد، وله الثروة الكثيرة، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة، ومات يوم الاثنين ضحوة خامس ربيع الآخر، وصلّي عليه بعد الظهر بالأموي، ودفن بسفح قاسيون بتربة أعدها لنفسه، وقبران عنده، وكتب على قبره: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الآية [الزمر: 53] ، وسمعنا عليه الموطأ وغيره.
الأمير بكتمر الحاجب
صاحب الحمام المشهور خارج باب النصر في طريق مقابر الصوفية من ناحية الميدان، كانت وفاته بالقاهرة في عشرين ربيع الآخر، ودفن بمدرسته التي أنشأها إلى جانب داره هناك.
الشيخ شرف الدين عيسى بن محمد بن قراجا بن سليمان
السهروردي الصوفي الواعظ، له شعر ومعرفة بالألحان والأنغام، ومن شعره قوله:
بشراك يا سعد هذا الحي قد بانا * فحلها سيبطل الإبل والبانا
منازل ما وردنا طيب منزلها * حتى شربنا كؤوس الموت أحيانا
متنا غراما وشوقا في المسير لها * فمنذوا في نسيم القرب أحيانا
توفي في ربيع الآخر.
شيخنا العلامة برهان الدين الفزاري
هو الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ المذهب وعلمه ومفيد أهله، شيخ الإسلام مفتي الفرق بقية السلف برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام المقري المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري المصري الشافعي.
ولد في ربيع الأول سنة ستين وستمائة، وسمع الحديث واشتغل على أبيه وأعاد في حلقته وبرع وساد أقرانه، وسائر أهل زمانه من أهل مذهبه في دراية المذهب ونقله وتحريره، ثم كان في منصب أبيه في التدريس بالبادرائية، وأشغل الطلبة بالجامع الأموي فانتفع به المسلمون.
وقد عرضت عليه المناصب الكبار فأباها، فمن ذلك أنه باشر الخطابة بعد عمه العلامة شرف الدين مدة ثم تركها وعاد إلى البادرائية، وعرض عليه قضاء قضاة الشام بعد ابن صصرى وألح نائب الشام عليه بنفسه وأعوانه من الدولة فلم يقبل، وصمم وامتنع أشد الامتناع، وكان مقبلا على شأنه عارفا بزمانه مستغرقا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلا ونهارا، كثير المطالعة وإسماع الحديث، وقد سمعنا عليه صحيح مسلم وغيره.
وكان يدرس بالمدرسة المذكورة، وله تعليق كثير على (التنبيه)، فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره، وله تعليق على مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، وله مصنفات في غير ذلك كبار.
وبالجملة فلم أر شافعيا من مشايخنا مثله، وكان حسن الشكل عليه البهاء والجلالة والوقار، حسن الأخلاق، فيه حدث ثم يعود قريبا، وكرمه زائد وإحسانه إلى الطلبة كثير، وكان لا يقتني شيئا ويصرف مرتبه وجامكية مدرسته في مصالحه.
وقد درّس بالبادرائية من سنة سبعين وستمائة إلى عامه هذا، توفي بكرة يوم الجمعة سابع جمادى الأولى بالمدرسة المذكورة، وصلّي عليه عقب الجمعة بالجامع وحملت جنازته على الرؤوس وأطراف الأنامل، وكانت حافلة، ودفن عند أبيه وعمه وذويه بباب الصغير رحمه الله تعالى.
الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع مجد الدين إسماعيل الحراني الحنبلي
ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقرأ القراءات وسمع الحديث في دمشق حين انتقل مع أهله إليها سنة إحدى وسبعين، واشتغل على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، ولازمه وانتفع به، وبرع في الفقه وصحة النقل وكثرة الصمت عما لا يعنيه، ولم يزل مواظبا على جهاته ووظائفه لا ينقطع عنها إلا من عذر شرعي، إلى أن توفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
وفي هذا الحين توفي:
الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الله
الذي كان ناظر الدواوين بحلب، ثم انتقل إلى نظرها بطرابلس.
توفي بحماة، وكان محبا للعلماء وأهل الخير، وفيه كرم وإحسان، وهو والد القاضي ناصر الدين كاتب السر بدمشق، وقاضي العساكر الحلبية ومشيخة الشيوخ بالسمساطية، ومدرس الأسدية بحلب، والناصرية والشامية الجوانية بدمشق.
القاضي معين الدين
هبة الله بن علم الدين مسعود بن أبي المعالي عبد الله بن أبي الفضل بن الخشيشي الكاتب وناظر الجيش بمصر في بعض الأحيان، ثم بدمشق مدة طويلة مستقلا ومشاركا لقطب الدين ابن شيخ السلامية، وكان خبيرا بذلك يحفظه على ذهنه، وكانت له يد جيدة في العربية والأدب والحساب وله نظم جيد، وفيه تودد وتواضع.
توفي بمصر في نصف جمادى الآخرة ودفن بتربة الفخر كاتب المماليك.
قاضي القضاة علاء الدين القونوي
علاء الدين القونوي، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي التبريزي الشافعي، ولد بمدينة قونية في سنة ثمان وستين وستمائة تقريبا واشتغل هناك، وقد دمشق سنة ثلاث وتسعين، وهو معدود من الفضلاء فازداد بها اشتغالا، وسمع الحديث وتصدر للاشتغال بجامعها ودرّس بالإقبالية، ثم سافر إلى مصر فدرّس بها في عدة مدارس كبار، وولي مشيخة الشيوخ بها وبدمشق، ولم يزل يشتغل بها وينفع الطلبة إلى أن قدم دمشق قاضيا عليها في سنة سبع وعشرين، وله تصانيف في الفقه وغيره، وكان يحرز علوما كثيرة منها النحو والتصريف والأصلان والفقه، وله معرفة جيدة (بكشاف) الزمخشري، وفهم الحديث، وفيه إنصاف كثير وأوصاف حسنة، وتعظيم لأهل العلم، وخرجت له مشيخة سمعناها عليه، وكان يتواضع لشيخنا المزي كثيرا، توفي ببستانه بالسهم يوم سبت بعد العصر رابع عشر ذي القعدة، وصلّي عليه من الغد، ودفن بسفح قاسيون سامحه الله.
الأمير حسام الدين لاجين المنصور الحسامي
ويعرف بلاجين الصغير، ولي البر بدمشق مدة، ثم نيابة غزة ثم نيابة البيرة، وبها مات في ذي القعدة، ودفن هناك، وكان ابتني تربة لزوجته ظاهر باب شرقي فلم يتفق دفنه بها {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] .
الصاحب عز الدين أبو يعلى
حمزة بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن عز الدين أبي غالب المظفر ابن الوزير مؤيد الدين أبي المعالي بن أسعد بن العميد أبي يعلى بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي بن القلانسي، أحد رؤساء دمشق الكبار، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، ورواه وسمعنا عليه.
وله رياسة باذخة وأصالة كثيرة وأملاك هائلة كافية لما يحتاج إليه من أمور الدنيا ولم يزل معه صناعة للوظائف إلى أن ألزم بوكالة بيت السلطان، ثم بالوزارة في سنة عشرة كما تقدم، ثم عزل، وقد صودر في بعض الأحيان، وكانت له مكارم على الخواص والكبار، وله إحسان إلى الفقراء والمحتاجين.
ولم يزل معظما وجيها عند الدولة من النواب والملوك والأمراء وغيرهم إلى أن توفي ببستانه ليلة السبت سادس الحجة، وصلّي عليه من الغد، ودفن بتربته بسفح قاسيون، وله في الصالحية رباط حسن بمئذنة، وفيه دار حديث وبر وصدقة رحمه الله.
البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر | |
---|---|
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767 |