الرئيسيةبحث

المجاعة ( Famine )



المجاعة فترة تنقطع فيها موارد الغذاء أو تشحُّ كثيرا، ويترتّب على ذلك نقص شديد في الطعام لمدة طويلة. ويؤدي هذا النقص الحاد في الطعام إلى انتشار المجاعة ، ومن ثَمَّ الموت.ظلت المجاعات تتفشى عبر العصور في الأرض، من منطقة لأخرى كُلّ عدَّة سنوات.ولا تجد معظم الأقطار النامية في كل من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ما يكفي شعوبها من الطعام إلا بصعوبة شديدة. ومن المعروف أن نصف بليون من الناس يعانون من سوء التغذية بسبب تناول قدر ضئيل من الطعام أو بسبب تناول طعام غير ملائم. من المحتمل أن تنتشر المجاعة حين ينضب إنتاج الطعام أو يقل استيراد المواد الغذائية. وعلى أثر ذلك يموت الآلاف أو الملايين من الناس جوعًا.

أسباب المجاعة

هناك مجاعات كثيرة لها أكثر من سبب. على سبيل المثال، نجد أن المجاعة المريعة التي حدثت في البنغال عام 1943م، في المنطقة الشرقية من الهند، حدثت بسبب أحداث تاريخية وطبيعية. فالحرب العالمية الثانية خلّفت نقصًا عامًا في الطعام، كما أدت إلى قطع إمدادات الأرز من بورما التي كانت تحتلها حينذاك اليابان. وبعد ذلك، جاء إعصار شديد دمر الكثير من الأراضي الزراعية في المنطقة. وعلى أثر ذلك نشبت المجاعة ومات أكثر من مليون ونصف المليون من السكان.

وتحدث جميع المجاعات تقريبًا نتيجة فشل المحاصيل الزراعية. وترجع الأسباب الرئيسية لفشل المحصول الزراعي إلى: 1- الجفاف وهو نقص في سقوط الأمطار لفترة طويلة. 2- سقوط الأمطار الغزيرة والفيضانات. 3- تفشي أمراض النبات والآفات. وهناك عوامل أخرى كثيرة قد تساعد على انتشار المجاعة.

ضحايا المجاعة يتلقون ـ عادةً ـ المساعدات من الطعام وغيره من حكومتهم ومن بعض وكالات دولية مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر ومن وكالات الأمم المتحدة وغيرها. وتوضح الصورة ضحايا المجاعة التي تفشت في أثيوبيا في منتصف ثمانينيات القرن العشرين الميلادي.

الجفاف:

يُعد الجفاف السبب الرئيسي في حدوث المجاعة. وهناك مناطق معينة، في كل من إفريقيا والصين والهند، تُعد من الأماكن التي تعرضت مرارًا وتكرارًا لأشد أنواع المجاعات، ففي تلك الأماكن توجد مناطق واسعة تتاخم الصحاري، فيكون سقوط المطر نادرًا جدًا، وإن سقط فإن كميته تكون ضئيلة. لوحظ، في الأعوام التي ضرب الجفاف فيها هذه المناطق، أن زراعة المحاصيل قد فشلت تمامًا. وفي سبعينيات القرن التاسع عشر على سبيل المثال، تسبب المناخ في هضبة الدِّكن جنوبي الهند في حدوث مجاعة قضت على أرواح ما يقرب من خمسة ملايين من السكان، وفي تلك الفترة نفسها قتلت المجاعة في الصين أكثر من تسعة ملايين من السكان.

وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، تسبب نقص الأمطار في حدوث مجاعة واسعة الانتشار في منطقة من إفريقيا تسمى الساحل، تقع جنوبي الصحراء الكبرى وتشمل مناطق في كل من السنغال وموريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد والسودان. ويعد بعض الجغرافيين مناطق الجفاف في كل من إثيوبيا وكينيا والصومال جزءًا من هذا الساحل. لذلك، نلاحظ أن المجاعة عادت مرة أخرى لتضرب هذا الجزء من إفريقيا في منتصف ثمانينيات القرن العشرين. ومما لا شك فيه أن المجاعة التي ضربت أثيوبيا كانت مدمرة جدًا، لأن الحرب الأهلية الناشبة حينذاك قد أعاقت جهود الإغاثة. ومنذ أواخر ستينيات القرن العشرين، يمكننا أن نرجع السبب الرئيسي في موت الملايين من الإفريقيين إلى سوء التغذية أو أسباب أخرى مرتبطة بالمجاعة.لقد أمكن إنقاذ أرواح الكثيرين من الناس من الموت جوعًا بفضل الإسهامات الدولية المتمثلة في مجال تقديم الغوث والمساعدات.

سقوط الأمطار الغزيرة:

قد تتسبب الأمطار الغزيرة في حدوث المجاعة، فالأمطار الشديدة تجعل مياه الأنهار تفيض على شواطئها وتدمر الأراضي الزراعية، وتفسد المحاصيل بسبب هذا الماء الزائد عن الحاجة. وفي السنوات الأولى من القرن الرابع عشر، امتد هطول أمطار غزيرة لعدة أعوام مما أدّى إلى مجاعة شديدة في غرب أوروبا. ويطلق على نهر هوانج هي شمالي الصين اسم حزن الصين لأن النهر غالبًا ما يفيض فيدمر الماء المحاصيل وتحدث المجاعة. وفي المدة الواقعة ما بين عامي1929و1930م، على سبيل المثال، تسبب الفيضان على طول هذا النهر في مجاعة مروّعة كانت نتيجتها موت ما يقرب من مليونين من السكان. وفي عام 1989م، تسبب الفيضان في السودان في انتشار المجاعة.

أمراض النبات والآفات:

في بعض الأوقات، تحدث المجاعة نتيجة تفشي الأمراض والآفات الزراعية التي تدمر المحاصيل الزراعية.وفي أربعينيات القرن التاسع عشر، دمر مرض من أمراض النبات معظم محصول البطاطس في أيرلندا، ولذلك فقد انخفض عدد سكان أيرلندا خلال المدة بين عامي 1841و1851م إلى ما يقرب من مليونين ونصف المليون، وذلك بسبب المجاعة والمرض والهجرة. وبين حين وآخر تهاجم أسراب من الجراد المحاصيل الزراعية وتحُدث بها دمارًا. وقد حدث هذا في منطقة الساحل وفي بعض المناطق الإفريقية الأخرى.

الأسباب الأخرى لحدوث المجاعة:

هناك أسباب أخرى تشمل العوامل الطبيعية والإنسانية. فالكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والزلازل والصقيع المبكر وأمواج البحر المتلاطمة التي تحدث نتيجة المد والجزر،كلها عوامل من شأنها أن تؤثر على مساحات واسعة من الأراضي فتُفسد المحاصيل، ومن ثم تنشأ المجاعة، وخصوصًا إذا هجر كثير من الفلاحين حقولهم كي يلتحقوا بالقوات المسلحة. وقد نجد في بعض الأوقات أن جيشًا ما يمكن أن يُسبّب المجاعة عامدًا متعمدًَا، ويتسبب في تجويع عدوه ويرغمه على التسليم. وقد يتعمد الجيش تدمير المخزون من الطعام والحقول الممتلئة بالمحاصيل، وقد يقيم حصارًا لقطع إمدادات الطعام عن العدو. وقد منع الحصار الشديد الذي ضُرِبَ حول بيافرا أثناء الحرب الأهلية النيجيرية في الفترة (1967-1970م) وصول الإمدادات الغذائية للسكان، فنتجت عن ذلك المجاعة التي راح ضحيتها أكثر من مليون فرد من بيافرا، ماتوا جوعًا.

قد يسهم عدم كفاية وسائل النقل في حدوث المجاعة، وذلك نتيجة المصاعب في نقل وشحن مواد الإغاثة إلى المكان الذي تشتد فيه الحاجة إلى هذه المساعدات. كما أن كثيراً من المجاعات قد تحدث بسبب نظم النقل البدائية. وقد قتلت المجاعة التي حدثت في ولاية أتربرادش في شمالي الهند ما يقرب من 800 ألف شخص في عامي 1937و 1938م وأعاق انعدام الشاحنات نقل الحبوب من مناطق الهند الأخرى.

آثار المجاعة

تتضمن الآثار الرئيسية للمجاعة:1- الموت والمرض، 2- هلاك الماشية والمحاصيل الزراعية، 3- انتشار الجرائم والاضطرابات الاجتماعية، 4- الهجرة.

الموت والمرض:

كلاهما من الآثار الرئيسية والمباشرة للمجاعة، فالأفراد الذين ينقصهم الطعام الكافي يفقدون وزنهم ويصيبهم الهزال الشديد. وكثير من ضحايا المجاعة يصبحون ضعافًا، ومن ثم فإنهم يتعرضون للموت البطيء بسبب الجفاف الناجم عن الإسهال أو بعض الأمراض الأخرى. وهناك حالة معينة أخفّ تنجم عن المجاعة يطلق عليها اسم الهزال العام. وأول من يلقون حتفهم بسبب المجاعة هم في العادة المرضى من كبار السن.

الأطفال الذين يتناولون الأطعمة التي تخلو من البروتين الضروري والكافي، يمرون بمرحلة مرضية يُطلق عليها كواشيوركور ومن أعراض هذه الحالة الإصابة باستسقاء الجلد، وهو انتفاخ يظهر في الوجه والساعدين والكاحلين،كما تحدث تغيرات في لون الشعر ونسيجه وفي الجلد. وفي الواقع، فإن الضحايا الصغار الذين لا يلقون حتفهم متأثرين من حالة سوء التغذية الحاد أو من المجاعة يكبرون وينمون وهم يعانون إعاقات عقلية وبدنية.

وإضافة إلى ما تقدم، تزيد المجاعات من احتمالات انتشار الأوبئة. فكثيرًا ما قضت أمراض الكوليرا والتيفوس وأمراض أخرى على أرواح كثير من الناس الذين أنهك الجوع قواهم ولم يُكتب لهم الشّفاء. وهناك أعداد غفيرة من الضحايا ممن لاذوا بالهرب وعاشوا في معسكرات اللاجئين المزدحمة، حيث ينتشر المرض سريعًا. كما كانوا مضطرين إلى شرب المياه الملوثة التي قد تحمل الأمراض.

هلاك الماشية والمحاصيل الزراعية:

ممَّا يساعد على إطالة أمد الكارثة، أثناء المجاعة، هلاك الماشية والمحاصيل الزراعية. فكثير من حيوانات المزارع تنفق أو تُذبح من أجل الطعام. ولكي يمنع الفلاحون حدوث المجاعة، فإنه يصبح من المحتم عليهم أن يستنفدوا كل ما لديهم من مخزون الحبوب قبل أن يحين موسم الزراعة التالي. مثل هذه الخسائر الفادحة والمدمرة تعوق الفلاحين عن العودة إلى حياتهم الطبيعية،كما أنها تعمل على انخفاض مستويات الإنتاج.

الجريمة والاضطرابات الاجتماعية:

تنتشر الجرائم والاضطرابات الاجتماعية بسبب المجاعة، فتتضاعف جرائم معينة مثل النهب والدعارة والسرقة في أثناء المجاعة، ويسرق الجياع الطعام والمواد الأخرى التي لا يستطيعون الحصول عليها بطرق أخرى، ويلجأون إلى بيع البضائع المسروقة لكي يشتروا بثمنها ما يسد رمقهم، كما قد تنشب موجات العنف وبخاصة بالقرب من مراكز إنتاج الطعام.

الهجرة:

تهجر أعداد كبيرة من ضحايا المجاعة بيوتهم في المناطق الريفية ويندفعون أفواجًا إلى المدن أو يحتشدون في معسكرات اللاجئين حيث تتوافر كميات الطعام اللازمة. وفي خضم الفوضى الضاربة أطنابها ينفصل الآباء عن الأبناء والكبار عن الصغار. ومن ثم، ينتج عن المجاعة الطويلة الأمد هجرة الناس. وعلى سبيل المثال، المجاعة التي حدثت بسبب تدهور محصول البطاطس في أيرلندا والتي أرغمت نحو مليونين من السكان على الهجرة إلى أقطار أخرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

مقاومة المجاعة

تقدم الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الدولية الأخرى المساعدات العاجلة لضحايا المجاعة. كما تعمل بعض الوكالات الدولية على زيادة مخزون العالم من الغذاء. وبذلك، تعمل على منع حدوث مجاعات تالية. ويأمل كثير من الأقطار في منع حدوث المجاعة بالعمل على زيادة إنتاجها من الطعام. وإذا كان بمقدور بلد ما أن تختزن احتياطيًا وافرًا من الطعام، فلن يؤدي هلاك المحاصيل الذي يلحق ببعض المناطق إلى حدوث مجاعة مهلكة.

ومن الملاحظ أنه، في بلد ما، إذا نما مجموع سكانه بالسرعة التي ينمو بها إنتاج طعامه، فلن يكون لديه فائض كاف بحيث يمكن أن يتشكل منه احتياطي جيد من الأطعمة. ولهذا السبب، عمد كثير من البلدان إلى بذل المزيد من الجهد في الارتقاء ببرامج ضبط النسل لتلافي الانفجار السكاني. ★ تَصَفح: تنظيم النسل. ومهما يكن من أمر، فإنه من المعروف أن مثل هذه البرامج قد حققت نجاحًا محدودًا، وبخاصة في المناطق التي تعاني فيها أعداد كبيرة من الناس من الفقر المدقع. ومن المألوف أن هؤلاء الناس لديهم الرغبة في تكوين عائلات كبيرة العدد لكي يتمكن أطفالهم من الإسهام في تخفيف العبء عن أهليهم بمزاولة عمل من الأعمال.

أمَّا بالنّسبة للعالم العربي الذي يبلغ عددُ سكانه نحو 230 مليونًا ؛ فلا يكون تفادي المجاعات بتنظيم النَّسل، وإنَّما بحسن استثمار موارده الطبيعية والبشرية، حتى يغدو من الدُّول العظمى، وقد حباه الله تعالى، نعمًا وفيرة، تؤهله لذلك.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية