الرئيسيةبحث

الحنبلي، المذهب ( Hanbali School of Thought )



الحنبلي، المذهب. المذهب الحنبلي ينسب إلى مؤسسه الإمام أحمد بن حنبل الإمام الرابع عند أهل السنة. ★ تَصَفح:ابن حنبل .

انتشار المذهب الحنبلي:

المذهب الحنبلي هو أقل المذاهب انتشاراً في البلاد الإسلامية. ولم يكوّن أتباعه الأغلبية في أي قطر من الأقطار الإسلامية في الماضي. وقد كان أكثر أتباع هذا المذهب في الماضي في بلاد العراق، وخصوصاً في بغداد وما جاورها، وفي بلاد الشام. إلا أن المذهب اكتسب أتباعاً كثيرين في القرن الماضي في بلاد نجد بالجزيرة العربية، ثم في بلاد الحجاز كلها في القرن الحالي.

ومن الأسباب التي أدت إلى عدم انتشاره، أنه كان آخر المذاهب وجوداً ؛ فقد حلَّ بعد أن انتشرت مختلف المذاهب في كل أرجاء العالم الإسلامي ؛ فالمذهب الحنفي انتشر في العراق، والشافعي في مصر والحجاز والشام، والمالكي في بلاد شمالي إفريقيا والسودان.

ومن الأسباب التي يعزى إليها قلة انتشاره وذيوعه، ابتعاد علمائه ـ في الماضي ـ عن تولي مناصب القضاء والدولة، لأنهم كانوا يبتعدون عن السلطان، ويتجنبون الولاية بعداً عن مواطن الفتن. كما كانوا يتشددون كل التشدد في الاستمساك بما جاء في الفروع الفقهية، وقد أثاروا كثيراً من الجدال في هذه الفروع في أوقات كثيرة ؛ مما جعل الأمراء وحتى عامة الناس يتشددون في مقاومتهم.

انتشر المذهب الحنبلي في أول أمره في العراق وبعض بلاد ما وراء النهر، وكانت له الغلبة ـ في بعض الأحيان ـ في بغداد. ولم يظهر هذا المذهب في مصر إلا في القرن السابع الهجري. أما ظهوره في بلاد الشام، فقد كان بسبب أن كثيراً من علماء الحنابلة كانوا يأوون إلى دمشق وغيرها من البلدان الإسلامية، وأولئك هم الذين قاموا على هذا المذهب وخدموه، ونقلوه وفسروه، وأكثروا من تخريج المسائل عليه.

وقد تتلمذ على الإمام أحمد كثير من العلماء، ولكن أشهر من نقل الفقه الحنبلي وأثراه هم ابناه صالح وعبدالله وإسحاق التميمي، ومحمد البغدادي، والأكرم والخرقي والإمام الخلال.

انتشر المذهب الحنبلي في بلاد نجد، ومنها إلى سائر بلاد الحجاز، بعد أن ألحقها آل سعود ببلاد نجد. وبدأ المذهب ينمو رويداً رويداً وينتشر ليس في بلاد الحجاز ونجد فحسب، بل في سائر أنحاء الجزيرة العربية إلا أن ثقله لا يزال موجوداً في بلاد نجد.

أدلة الأحكام عند الحنابلة:

يعتمد هذا المذهب في فتاويه على الأحاديث وأخبار السلف، فجاءت ذخيرته واسعة من باب الرواية، لذا تكون أكثر فتاوى هذا المذهب معتمدة على أقوال الرسول ﷺ وفتاوى الصحابة فيما لا يُعْلَمْ فيه خلاف. وإن اختلف الصحابة تترك المسألة على رأيين في بعض الأحيان تورعاً. وإذا لم يجدوا قولاً للصحابة، يستأنسون بأقوال التابعين، أو بقول فقيه مشهور كالإمام مالك والأوزاعي وابن تيمية وغيرهم .

بنى الحنابلة فتاواهم على خمسة أصول هي: (أ) النصوص ؛ فإن وجدوا النص من الكتاب أو السنة أفتوا به ولم يلتفتوا إلى ما خالفه، وهم بذلك يقدمون النص على فتوى الصحابة (ب) فتوى الصحابة التي لا مخالف لها ؛ فإن وجدوا لبعضهم فتوى لم يخالفها أحد من الصحابة الآخرين لا يتعدوها إلى غيرها (جـ) إذا اختلفت أقوال الصحابة، تخيروا منها ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة، ولا يتعدون أقوالهم. فإن لم يتبين لهم موافقة أحد الأقوال، حكوا الخلاف ولا يجزمون بقول (د) الأخذ بالحديث المرسل والضعيف ؛ وذلك إذا لم يجدوا في الباب شيء يدفعه، وهو الذي يرجحه القياس، ويبعدون من الضعيف ما هو باطل أو منكر أو ما كان في روايته متهم. (هـ) القياس ؛ وذلك إذا لم يكن عند الإمام نص، ولا قول للصحابة أو لواحد منهم، ولا أثر مرسل أو ضعيف، ذهبوا إلى القياس واستعملوه للضرورة دون توسع فيه.

وقد أدى عدم توسع الحنابلة في الأخذ بالقياس، إلى الإكثار من العمل بالاستصحاب ؛ وهو الحكم ببقاء ما كان ثابتاً، ونفي ما كان منفياً حتى يقوم دليل على تغير الحال. ولعل الإكثار من الاستصحاب في الفقه الحنبلي مرده إلى قلة اعتمادهم على الرأي ؛ إذ كلما قل الاعتماد على الرأي، توسع الأخذ بالاستصحاب.

بالإضافة إلى ما تقدم، نجد أن الحنابلة يعتبرون المصالح أصلاً من أصول الاستنباط ؛ فقد أفتى الإمام أحمد بفتاوى كثيرة أساسها المصلحة للجماعة في باب السياسة الشرعية، من ذلك على سبيل المثال: قتل من يدعو إلى بدعة، وقتل الجاسوس على المسلمين. إلا أن الحنابلة قيدوا المصالح بقيود وشروط منها: (أ) أن تكون هذه المصالح متفقة مع مقاصد الشرع الإسلامي، ولا تنافي أصلاً من أصول الشرع، ولا دليلاً من أدلته (ب) أن تكون هذه المصالح معقولة في ذاتها (جـ) أن يكون في الأخذ بهذه المصالح رفع حرج لازم في الدين.

بالإضافة إلى المصالح، يعتمد الحنابلة الذرائع أصلاً من أصول الاستنباط الفقهي. وهذا المبدأ ينظر فيه إلى النيات والمقاصد، وإلى ما تؤول إليه الأفعال والنتائج ؛ فإن كانت نتيجة الفعل تحقق مصلحة عامة كان واجباً، وإن كان يؤدي إلى مفسدة فهو محرم.

ملامح الفقه الحنبلي وطابعه:

يتفرّد المذهب الحنبلي في سعة اعتماده على الاستصحاب والبراءة الأصلية، وجعل الأصل في الأشياء الإباحة أكثر من غيره من المذاهب. كما يمتاز بوجود قولين للإمام أحمد في الكثير من أقواله وفتاويه بسبب شدة ورعه، أو لوجود رأيين للصحابة في ذلك، أو لتغيّر فتواه باطلاعه على دليل جديد أقوى. كما يمتاز هذا الفقه بمرونته وخصوبته ؛ لأن كثرة المرويات عندهم تكثر وجوه القياس والأشباه والنظائر التي تبنى عليها الأحكام.

ومن أشهر مراجع الفقه الحنبلي بالإضافة إلى مسند الإمام أحمد مختصر الخرقي وشرحه لابن قدامة المعروف بالمغنى، وكشاف القناع، وشرح منتهى الإرادات للبهوني، والفروع لابن مفلح وغير ذلك من المطولات والمختصراتا لمعروفة في المذهب.

ومن أهم ملامح الفقه الحنبلي حرية التعاقد. فالقاعدة العامة في المذهب الحنبلي هي: الوفاء بالعقود. والأصل في العقود هو رضى الطرفين المتعاقدين بالشروط التي قبلاها، وهذا أدى بدوره إلى نماء الفقه الحنبلي ومرونته وتطوره.

كما اشتهر الحنابلة بالتشدد في باب الطهارة ؛ حتى صارت كلمة "حنبلي" عند عامة الناس مرادفة للتشدد والمبالغة ؛ فقد تشددوا في هذا الباب حتى خالفوا بقية المذاهب.

أما الطابع العام للفقه الحنبلي فيتمثل في الأمور التالية: (أ) اعتماده في الفتاوى على الأحاديث والأخبار وآثار السلف الصالح (ب) ابتعاده عن الافتراضات، وعدم الفتوى إلا فيما يقع من الأمور ؛ فقد عرف عن الإمام أحمد أنه كان يكره الفقه الافتراضي (جـ) إقراره أن الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، كما أن الأصل في المعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم.

★ تَصَفح أيضاً: الإسلام (المذهب الحنبلي) ؛ ابن حنبل ؛ مالك ؛ الشافعي ؛ أبو حنيفة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية