المهاجرون ( al- Muhajirun )
المهاجرون اسم يطلق على جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ، سبقوا غيرهم إلى الإيمان بالله تعالى، ورسوله ﷺ، ثم هاجروا تاركين قومهم وعشيرتهم ومنازلهم وأوطانهم وأموالهم إعلاء لكلمة الله ونشر دينه، قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ التوبة: 100والمهاجرون جمع مهاجر مأخوذ من الهجر وهو الترك والفراق، والمهاجر لفظ إسلامي اقترن بمن صحب الرسول ﷺ أو رآه وسبق غيره إلى الإيمان وفارق قومه حفظًا لدينه. والمهاجر من الصحابة من شهد بيعة الرضوان، وقيل من صلّى القبلتين، وقيل من شهد بدرًا، وهم الذين جاء فيهم قوله تعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون﴾ الحشر: 8
السابقون من المهاجرين:
معلوم أن مكة كانت مركز دين العرب، وكان بها سدنة الكعبة والقائمون على الأوثان والأصنام المقدسة عند سائر العرب، فالوصول إلى المقصود من الإصلاح فيها يزداد عسرًا وشدة عما لو كان بعيدًا عنها، فكان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية، لئلا يفاجأ أهل مكة بما يهيجهم. وكان من الطبيعي أن يعرض الرسول ﷺ الإسلام أولاً على ألصق الناس به، وآل بيته، وأصدقائه، فدعاهم إلى الإسلام ودعا إليه من توسم فيه خيرًا ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بقبول كل حق وخير، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء جمع عرفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين وفي مقدمتهم زوجة النبي ﷺ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ومولاه زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي، وابن عمه علي بن أبي طالب، وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم هؤلاء في أول يوم من أيام الدعوة.نشط أبوبكر في الدعوة إلى الإسلام، وكان رجلاً مؤلفًا محببًا سهلاً، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه يجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان الأموي، والزبير بن العوام الأسدي، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، وطلحة بن عبيد الله التيمي. فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول، وطليعة الإسلام.
ومن أوائل المسلمين بلال بن رباح الحبشي، ثم تلاهم أمين هذه الأمة أبوعبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث ابن فهد، وأبو سلمة بن عبدالأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبدالله، وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب بن عبدمناف، وسعيد بن زيد العدوي، وامرأته فاطمة بنت الخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت، وعبدالله بن مسعود الهذلي، وخلق سواهم، وأولئك هم الأولون السابقون من المهاجرين، وهم من جميع بطون قريش.
أسلم هؤلاء سرًا وكان الرسول ﷺ يجتمع بهم ويرشدهم إلى الدين متخفيًا، لأن الدعوة كانت لاتزال فردية وسرية. مرّت ثلاث سنين والدعوة لم تزل سرية وفردية. وخلال هذه الفترة تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأُخوَّة والتعاون وتبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها، ثم نزل الوحي بتكليف رسول الله ﷺ بدعوة قومه علانية، ومجابهة باطلهم ومهاجمة أصنامهم، وأول ذلك قوله تعالى: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ الشعراء: 214. ولم يزل هذا الصوت يزداد دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى: ﴿فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين﴾ الحجر: 94فقام رسول الله ﷺ يبيّن بطلان الأصنام، وضلال عابديها، وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة، فدعت لكف الحجاج عن استماع الدعوة، وشدّدت في مجابهة الدعوة، والتنكيل بمعتنقيها بالسخرية والتحقير والاستهزاء، والتكذيب، وتشويه تعاليمها، وإثارة الشبهات، ومعارضة القرآن بأساطير الأولين، ومساومات حاولوا بها أن يلتقي الإسلام والجاهلية. وعندما لم تُجْد هذه الأساليب لجأوا إلى المواجهة والأذى والتعذيب لمن اعتنقوا هذا الدين، خصوصًا من الموالي والإماء.
في أواسط السنة الرابعة من النبوة، كانت الاضطهادات ضعيفة، ثم لم تزل تزداد شيئًا فشيئًا حتى اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وفي هذه الساعة الحالكة الضنكة، نزلت سورة الكهف التي تضمنت قصة أصحاب الكهف التي ترشد إلى الهجرة من مراكز الكفر والعدوان حين مخافة الفتنة عن الدين. ثم نزلت سورة الزمر التي فيها: ﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ الزمر: 10.
علم رسول الله ﷺ أن النجاشي ملك الحبشة عادل لايظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن. وفي رجب سنة خمس من النبوة، هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة كان مكونًا من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته السيدة رُقيَّة بنت رسول الله ﷺ. قال النبي ﷺ في ذلك: إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام. فكانت هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة.
ما زال رسول الله ﷺ يدعو قريشًا فيشتد عداؤها وأذاها للمسلمين. وكان المهاجرون الأوائل إلى الحبشة قد عادوا وما تزال قريش في طغيانها. فلم ير الرسول ﷺ بدًا من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى، كانت هذه الهجرة الثانية أشقّ من سابقتها. وهاجر في هذه المرة من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً، وثماني عشرة امرأة. ★ تَصَفح: الهجرة إلى الحبشة.
خلال هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان، أسلم حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه في أواخر السنة السادسة من البعثة، وبعد ثلاثة أيام من إسلامه أسلم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وأبليا في الذود عن المسلمين.
وبعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ونجح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة ـ وهو أفضل كسب حصل عليه الإسلام منذ بداية دعوته ـ أذن رسول الله ﷺ للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن. ★ تَصَفح:الأنصار.
بدأ المسلمون يهاجرون، وهم يعرفون مقدار المخاطرة المقدمين عليها، ولكن شعاع الإيمان في نفوسهم يبشرهم بشروق فجر الحق، وأنهم منتصرون بوعد من الله ورسوله. وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين الخروج، كما كانوا يحسون بالخطر.
طلائع الهجرة:
كان من أوائل المهاجرين أبوسلمة وزوجته وابنه، فلما عزم على الخروج قال له أصهاره: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ فأخذوا منه زوجته، وانطلق أبوسلمة وحده إلى المدينة.لما أراد صهيب الهجرة، قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، كثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك. فقال لهم صهيب أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فإني قد جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: ربح صهيب، ربح صهيب.
تواعد عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام ابن العاصي بن وائل على موضع يصبحون عنده، ثم يهاجرون إلى المدينة، فاجتمع عمر وعياش وحُبس عنهما هشام. ولما قدما المدينة ونزلا بقباء قدم أبوجهل وأخوه الحارث إلى عياش ـ والثلاثة من أم واحدة ـ فقالا له إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط ولا تستظل حتى تراك. فقال عمر: يريد القوم ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فأبى عياش إلا الخروج معهما، فقال له عمر: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها. فتحايلا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة نهارًا موثقًا، وقالا يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
اشتد الأمر بالرسول ﷺ وأبي بكر الصديق وأذن الله تعالى لرسوله بالهجرة إلى المدينة، فصحب أبا بكر وخرجا بعيدًا عن أعين الرقباء. ★ تَصَفح: الهجرة النبوية. قال تعالى: ﴿ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾ التوبة: 40ووصل الرسول ﷺ المدينة هو وصفيه أبوبكر، وقد سبقهم إليها جمع غفير من المهاجرين. ولحق بهم آخرون فرحب بهم الأنصار.
فضل المهاجرين:
يمثل المهاجرون المجموعة الأولى من المجموعات الثلاث: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان﴾ التوبة: 100وهم يمثلون أولى مجموعتي أصحاب رسول الله ﷺ، المهاجرين والأنصار، الذين جاء في فضلهم قوله ﷺ:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته )، وقوله ﷺ:(لاتسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ). وردت الأحاديث في فضل كثير من المهاجرين. منهم أبوبكر الصديق الذي قال فيه القرآن على لسان الرسول ﷺ: ﴿لا تحزن إن الله معنا﴾ التوبة: 40 وقال ﷺ:(لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبابكر، ولكنه أخي وصاحبي ) ثم قال ﷺ:(من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب ـ يعني الجنة ـ يا عبدالله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان. فقال أبوبكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة. وقال: هل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ).ومنهم عمر بن الخطاب الذي قال فيه رسول الله ﷺ:(رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرمَيْصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال. ورأيت قصرًا بفنائه جارية فقلت لمن هذا؟ فقال: لعمر. فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار ). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ¸صعد النبي ﷺ أُحدًا ومعه أبوبكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله وقال: اثبت أُحُد، فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيدان·. وقال رسول الله ﷺ:(لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر ).
ومنهم عثمان بن عفان الذي كان مجيبًا لرسول الله ﷺ حين قال:(من يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفرها عثمان )، وقال ﷺ:(من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان ). وعن أبي موسى رضي الله عنه: (أن النبي ﷺ دخل حائطًا وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة فإذا أبوبكر. ثم جاء آخر يستأذن فقال: ائذن له وبشّره بالجنة، فإذا عمر. ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة (أي برهة) ثم قال: ائذن له وبشّره بالجنة على بلوى ستصيبه، فإذا عثمان بن عفان).
ومنهم علي بن أبي طالب، الذي قال له الرسول ﷺ: (أنت مني وأنا منك)، وقال عمر: ¸ توفي رسول الله ﷺ وهو راض عنه ·. وعن سلمة قال: ¸ كان علي قد تخلف عن النبي ﷺ في خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله ﷺ؟ فخرج عليّ فلحق بالنبي ﷺ. فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله ﷺ: (لأعطين الراية ـ أو ليأخذن الراية ـ غدًا رجلاً يحبه الله ورسوله ـ أو قال يحب الله ورسوله ـ يفتح الله عليه)، ¸فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول الله ﷺ الراية ففتح الله عليه·.
فهؤلاء هم المهاجرون من أصحاب رسول الله ﷺ وقد حاز جميعهم الفضل، لسبقهم وبلائهم في الإسلام، فمنهم الخلفاء الراشدون الأربعة المبشرون بالجنة: أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم أجمعين. ومنهم بقية المبشرين بالجنة الستة وهم: الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن نفيل، وعبدالرحمن بن عوف، وأبوعبيدة عامر بن الجراح، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم أجمعين.