عمرو بن العاص، جامع ( Amr- ibn- al- 'Aas Mosque )
رواق القبْلَة في جامع عمرو بن العاص وتظهر فيه الأعمدة متعامدة على الصحن وهي ظاهرة فريدة في نوعها ؛ إذ جرت العادة أن تكون الأعمدة موازية للصحن. |
الإنشاءات والتوسعات:
ظل الجامع على مساحته حتى عام 53هـ، 672م، حيث زاد في مساحته مسلمة ابن مخلد الأنصاري ـ أمير مصر في عهد معاوية رضي الله عنه، وزخرف جدرانه وسقوفه وأنشأ به أربع صوامع للمؤذنين في أركانه، ونقش اسمه عليها، ثم أمر باتخاذ المناور في المساجد، وأمر بفرشه بالحصر بدل الحَصْباء. وأزال والي مصر عبد العزيز بن مروان جدرانه ووسعه من جوانبه عام 79هـ، 698م، وذلك عندما ضاق بالمصلين فيه. وهدمه الأمير قرّة بن شريك العبسي والي مصر بأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، سنة 93هـ، 710م، ثم زاد في مساحته، وأحدث فيه محرابًا مجوفًا، ووضع به منبرًا خشبيًا عام 94هـ، 712م، وأحدث به المقصورة، وذهَّب تيجان أربعة أعمدة تجاه المحراب. وأصبح للجامع أربعة أبواب في الجهة الشرقية ومثلها في جهة الغرب، وثلاثة في الجهة البحرية. وزاد فيه صالح بن علي والي مصر من قِبَل الدولة العباسية عام 133هـ، 750م، وأصلح جزءًا من مؤخرة الجامع ومقدمته. وزاد فيه موسى بن عباس أمير مصر في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد من الناحية البحرية حيث أدخل فيه رحبة أبي أيوب عام 175هـ، 791م. وأمر عبد الله بن طاهر والي مصر من قبَل الخليفة المأمون بتوسيع الجامع عام 212هـ، 827م، فأضيف إلى أرضه مثلها من الجهة القبلية، وبذلك بلغت مساحته 11250 * 12050م، وهي مساحته الحالية.الإصلاح والتزيين والإعمار:
بعد أن انتهت مرحلة توسيع الجامع، وجَّه ولاة مصر عنايتهم إلى إصلاحه وزخرفته، فمن ذلك العمارة التي أجراها به خمارويه بن أحمد بن طولون عقب الحريق الذي حدث به عام 275هـ، 888م، وأتلف الزيادة التي قام بها عبد الله بن طاهر. وبلغ حده من الزخرفة بمنتصف القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، حتى صار أعمر موضع بمصر.وأمر الخليفة المستنصر بالله بتزيين صدر المحراب الكبير بالفضة، وجعل لعموديه أطواقًا من فضة عام 438هـ، 1046م. وجهزت للإمام في زمن الصيف مقصورة خشبية ومحراب من خشب الساج منقوش بعمودين من الصندل، على أن تُرفع هذه المقصورة في الشتاء، إذا صلى الإمام في المقصورة الكبيرة، وذلك عام 442هـ، 1050م. وهكذا نلحظ أن الجامع قد بلغ ذروة مجده في عصر الدولة الفاطمية، يعزز ذلك ما ذكره الرحالة الفارسي ناصر خسرو. فقد زاره عام 439هـ، 1047م، ووصفه بأنه قائم على أربعمائة عمود من الرخام، وغُطي الجدار الذي عليه المحراب بألواح الرخام الأبيض التي كُتبت عليها آيات من القرآن بخط جميل. وبعد أن وصف الثريا الفضية التي أهداها إليه الحاكم بأمر الله تعالى، قال: ¸وكان يوقد في ليالي المواسم أكثر من سبعمائة قنديل، وإن المسجد يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض، ويضاء كل ليلة بأكثر من مائة قنديل، وهو مكان اجتماع سكان المدينة الكبيرة، ولا يقل من فيه في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء والكتاب الذين يحررون الصكوك·.
أُجريت على هذا الجامع عدة إصلاحات بعد عهد الفاطميين، فعندما أُحرقت الفسطاط عام 564هـ، 1168م، خوفًا من احتلال الصليبيين لها، استمرت النيران مستعرة بها 54 يومًا، فتخربت مبانيها بما فيها جامع عمرو، فأُجريت عدة عمارات متعاقبة بعد هذا الحريق، منها عمارة الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي عام 568هـ، 1172م، تليها عمارة الظاهر بيبرس البندقداري عام 666هـ، 1268م، فعمارة المنصور قلاوون سنة 687هـ، 1288م، ثم عمارة الأمير سلار عام 703هـ، 1303م، فعمارة الأمير مراد بك العثماني عام 1212هـ، 1797م الذي هدم داخل الجامع وأعاد بناءه بسبب ميل عمده وسقوط إيواناته. فبنيت عقوده في وضع غير وضعها الطبيعي، وذلك أنه غَيَّر اتجاه عقود الأروقة فجعلها عمودية على جدار القبلة، ونتج عن ذلك أن صارت أرجل العقود قاطعة للشبابيك فسدَّتها. وبُنيت به منارتان هما الباقيتان إلى الآن.
عني محمد علي باشا بهذا الجامع فأصلحه، وأعاد صلاة الجمعة فيه، ووقف عليه أوقافًا، وجدد سقوفه. وفي عهد عباس حلمي قُوِّمت مبانيه عام 1317هـ، 1899م، واهتم به الملك فؤاد الأول فأصلح الإيوان الكبير به، وقُوِّمت عمده وأُصلحت عقوده، وأصلح الملك فاروق الأول بعض عقوده ونقش محرابه، واعتمد مشروع إخلاء ما حوله من جوانبه الأربعة بمقدار 40م، وأجريت عليه صيانة عامة في عهد ثورة 23 يوليو.
الدور التربوي لجامع عمرو بن العاص:
لم يقتصر دور هذا الجامع على أداء الفرائض الدينية فحسب، بل كانت تُقام فيه حلقات الدروس، فبعضها لإرشاد العامة إلى ما ينفعهم ويفقههم في دينهم وبعضها حلقات لدروس الفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن الأخرى والأدب. وعندما قدم مصر الإمام الشافعي عام 199هـ أو 201هـ، 814 أو 816م، عقد حلقة لدروسه بهذا الجامع، وظلت حلقات الدروس في ازدياد حتى بلغت 33 حلقة عام 326هـ، 937م، منها 15 حلقة للشافعية، و15 حلقة للمالكية، و3 حلقات للحنفية.وبلغت حلقات الدروس فيه 110 حلقات في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري نهاية القرن العاشر الميلادي، يؤمها نحو 2,200 طالبًا.
وقد أطلق على أماكن حلقات دروس كبار العلماء بالجامع اسم زوايا، فعُرف دَرْس الشافعي بزاوية الإمام الشافعي لأنه كان يدرِّس فيها الفقه. وحرص على التدريس بها أعيان الفقهاء. ومنها الزاوية المجدية، نسبة إلى واقفها مجدالدين أبي الأشبال الحارث بن مهذب الدين المتوفى عام 628هـ، 1230م، وكانت بصدر الجامع بجوار المحراب الكبير، واختص بالتدريس فيها قاضي القضاة وجيه الدين عبدالوهاب البهنسي. ويعد التدريس بها من الوظائف التي رُصدت لها أوقاف كثيرة، وبلغت الحلقات العلمية بالجامع عام 749هـ، 1348م بضعًا وأربعين حلقة، وكانت بالجامع حلقات دروس ووعظ للسيدات، تصدرتها في الدولة الفاطمية، نحو سنة 415هـ، 1024م واعظة زمانها أم الخير الحجازية. ولم تنقطع أخبار التدريس بهذا الجامع إلا في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي.
يظهر من تتبعنا لتاريخ الحركة العلمية في هذا الجامع أن الخدمات التعليمية به كانت تعتمد اعتمادًا يكاد يكون كليًا على الأوقاف، في النواحي المالية والإدارية، وفيما يتعلق بمناهج التعليم وطرائقه ووقف الكتب أيضًا. وقد شارك في إنشاء الأوقاف سلاطين وأمراء وحكام وعلماء وأغنياء وأشخاص عديدون من مختلف الطبقات على مدى القرون. وقد مكنت الأوقاف هذا المسجد من أن يقوم بدوره التعليمي خير قيام، وأن يصبح مركزًا علميًا مرموقًا بمصر.
★ تَصَفح أيضًا: عمرو بن العاص ؛ مصر، فتح ؛ مصر، تاريخ ؛ المسجد ؛ الآثار الإسلامية ؛ العمارة الإسلامية.