الرئيسيةبحث

الجامع الأموي ( Omayyad Mosque )



الجامع الأموي بمدينة دمشق يعتبر من أشهر مراكز التعليم التي أقامها المسلمون في المدينة.
الجـامع الأموي بيت من بيوت الله، ومركز من أشهر مراكز التَّعليم التي أقامها المسلمون في مدينة دمشق في سوريا. منح المسلمون سكان المدينة من النصارى كتاب أمان، ـ عقب فتح المدينة ـ أقروا فيه لهم بحرية العقيدة وحق الاحتفاظ بأربع عشرة كنيسة، وأخذوا منهم نصف كنيستهم الكبرى، التي كانوا يسمونها كنيسة ماريوحنا. وحوّل المسلمون القسم الذي أخذوه إلى مسجد لصلاتهم. وصاروا يدخلون مع النصارى من باب واحد، وهو باب الكنيسة الأصلي الواقع في الجهة القبلية منها، فينصرف المسلمون إلى جهة الشرق والنصارى إلى جهة الغرب. وأول من صلى في هذا المسجد أبو عبيدة بن الجراح، ثم تبعه بعد ذلك بقية الصحابة الذين كانوا معه في جيش الفتح. وأطلق على مكان صلاتهم فيما بعد اسم محراب الصحابة.

عندما تزايد عدد المصلين في عهد معاوية (رضي الله عنه) رغب إلى النصارى في التخلي عن قسم الكنيسة، فرفضوا ذلك، فبقيت حالة المسجد والكنيسة على ماهي عليه، غير أن معاوية أدخل بعض التعديلات في عمارة الكنيسة القديمة، وحوّل صوامعها إلى منارات للآذان، فكانت الأولى من نوعها في الإسلام. وطلب عبد الملك بن مروان ماطلبه معاوية من النصارى، فأبوا وعندما ولي الخلافة الوليد بن عبدالملك سنة 86هـ، 705م طلب من النصارى التخلي عن الجزء الخاص بهم من الكنيسة، وبذل لهم من المال الشيء الكثير، فرفضوا، ثمَّ قبلوا عندما عوضهم عن ذلك بكنائس أخرى.

أمر الوليد بتأمين العمال اللازمين لبناء مسجده العتيد الذي قال فيه: «إني أريد أن أبني مسجدًا لم يَبْنِ مَنْ مضى قبلي ولن يبني مَنْ بعدي مثله». فجمع لبنائه حذاق فارس والهند والمغرب والروم، ممن هم أقدر على التجويد في الصناعة من العمال المحليين. وأنفق على البناء أموالاً طائلة تنافس المؤرخون في تفخيمها، حيث ذكر بعضهم أنه أنفق خراج الدولة لمدة سبع سنين.

بدأ الوليد في تنفيذ مشروع بناء المسجد في السنة التي ولي فيها الخلافة، وهي سنة 86هـ، 705م، ولم يكتمل البناء حتى وفاته عام 96هـ، 714م، فأكمله أخوه وخليفته سليمان بن عبدالملك. وقدر المؤرخون مساحته في إحدى الروايات 282× 210 أذرع، وقيل 1,300 قدم × 1,000قدم، وهي ربع مساحة دمشق في ذلك الوقت. ويقر المستشرقون العارفون بالآثار أن تخطيط هذا المسجد وهندسته شيء مبتكر، لايشبه هندسة الكنائس البيزنطية، وأن كثيرًا منها يخرج عن طريقة العمارة السورية النصرانية المتوارثة.

الكوارث التي أصابت الجامع الأموي:

كان أول مانزل به من الكوارث زلازل وحرائق أتلفت بعض أجزائه في سنين متعاقبة.

الحرائق. من هذه الحرائق: حريق عام 461هـ، 1068م، وسقطت بعض أطراف المسجد بسبب حريق وقع بباب اللبارين، واحترقت الكلاسة والمئذنة المسماة بالعروس ومالت للسقوط سنة 570هـ، 1174م. واحترقت المئذنة الشرقية سنة 645هـ، 1247م وبقيت خرابًا تسعة أشهر. وامتدت النيران إلى الجامع فأحرقت منه بعض سقفه وحيطانه وذلك في حريق سوق اللبارين وسوق جيرون عام 681هـ، 1282م. وفي شوال عام 740هـ، مارس 1339م أدخل بعض العملاء الأجانب كعكًا من نفط في سوق الرجال عند الدهشة. وفي المساء احترق سوق الدهشة، وتعلقت النار بالمنارة الشرقية فانهارت. أشرف الأمير تنكذ نائب الشام على عملية التحقيق مع الجناة، وبعد أن أدلوا باعترافاتهم تم إعدامهم.

وعندما دخل تيمور لنك التتري دمشق عام 803هـ، 1400م أضرم رجاله النار في المدينة فسقطت سقوف الجامع وزالت أبوابه. وكان آخر حريق سنة 1311هـ، 1893م ومن شدته هوى البناء كله، ولم يبق منه إلا المشهد.

الزَّلازل. ضربت المسجد زلازل، كان أولها الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 131هـ، 748م، وآخر في عام 233هـ، 847م. ووقع زلزال دمشق عام 552هـ، 1157م فأثر على الرسوم الموجودة بالجامع. ووقع أشد الزلازل عام 597هـ، 1200م حيث أدَّى إلى هدم قسم من المنارة الشرقية وسـقوط 16 شـرفة من شـرفات المسجد. وقد تصدعت جدرانه خصوصًا في الـزلزال الـذي وقـع عام 702هـ، 1203م. وقد تأثر الجامـع نتيجة الزلزال الذي أصاب دمشق عام 1173هـ، 1759م ولـم تبـق هذه الزلازل شيئًا ذا بال من المعـالـم والنقوش التي تركها فيه الحكام المسلمون فـي مختـلف العصـور والـدول.

الإصلاحات:

اهتمت الحكومات السورية في العصر الحديث بإعادة بناء هذا الجامع على الشكل الذي يمكن أن يعيده إلى رونقه القديم. وقد بدأت الإصلاحات فيه منذ عهد الحكومة الاستقلالية الأولى سنة 1338هـ، 1919م، أيام الشريف فيصل بن الحسين، ملك سوريا آنذاك، ومازالت الإصلاحات مستمرة إلى يومنا هذا. وينصب اهتمام المسؤولين عن الآثار في سورية على ترميم ألواح الفسيفساء التي يُعتقد أنها البقية الباقية من أيام الوليد ابن عبدالملك.

المعالم العامة للجامع الأموي:

توجد بعض المعالم القديمة لهذا المسجد، التي ماتزال قائمة، وهي مذكورة كلها تقريبًا في معجم البلدان لياقوت الحموي الرومي ضمن كلامه عن مدينة دمشق. قال ياقوت: «وبالجامع من شرقيه، مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين. وبالجامع مقصورة الصحابة، وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكريا، عليه السلام، ومصحف عثمان، رضي الله عنه، قالوا: إنه خطَّه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت. وتحت قبة النسر عمودان مجزعان، زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية ... والمنارة الشرقية، يُقال لها: المنارة البيضاء، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا. وبالجامع قبة بيت المال الغربية، يقال: إن بها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع. وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيارة قطعة رمح معلقة يزعمون أنها من رمح ابن الوليد، رضي الله عنه».

الدور التعليمي للجامع الأموي:

لم يختلف جامع دمشق عن بقية مساجد الإسلام التي كان من أبرز أدوارها نشر التعليم. وقد جمع المؤرخ عبدالقادر النعيمي (ت927هـ، 1520م) في دراسته عن هذا الجامع في كتابه الدارس في تاريخ المدارس كل ماقيل قبله بهذا الشأن. عرَّف فيه بالعلماء الذين عقدوا حلقات العلم، ووصف بدقة تلك الحلقات من حيث نوعها وعدد طلابها، وعن أحوال الخطباء والأئمة والمدرسين والقضاة والمؤرخين الذين تعاقبوا على هذا المسجد. فقد ذكر تسعًا من حلقات الاشتغال بالعلم الشريف، مثل حلقة الشيخ تاج الدين عبدالرحمن بن إبراهيم بن سباع الشافعي، وحلقة الشيخ رشيد الدين الفارقي. وذكر لنا ثلاثًا من حلقات الحديث الشريف، وثماني من المدارس في هذا الجامع منها الغزالية والقوصية والشيخية. وقال: إن بالجامع مائة وعشرين حلقة لقراءة القرآن وتعليمه، لكل شيخ من شيوخها راتب على ديوان الجامع، وذكر منها حلقة الكوثرية التي وقفها نور الدين زنكي على صبيان صغار وأيتام. قامت الأوقاف المحبوسة على هذا الجامع بدور مهم في الحياة العلمية به، يشبه من عدة وجوه الدور الذي تقوم به وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية في الدولة الحديثة، كما هو ظاهر من النصوص المتفرقة التي تناولت الحركة التعليمية في جامع دمشق عبر تاريخه الطويل. وساعد على كثرة الأوقاف الازدهار الاقتصادي الذي تمتعت به بلاد الشام، وإعفاء الممتلكات الوقفية من الضرائب. وقد سعى الحكام والأمراء والأثرياء في العصور المختلفة على التنافس في الوقف على الأغراض التعليمية، وأصبح للمدرسين والأئمة والوعاظ والخطباء والطلاب مخصصات ثابتة من رَيْع تلك الأوقاف. وقد مكنت الأوقاف الجامع الأموي من أن يصبح جامعة كبرى.

★ تَصَفح أيضًا: دمشق ؛ الوليد بن عبد الملك ؛ المسجد ؛ الآثار الإسلامية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية