الرئيسيةبحث

عثمان بن عفان ( Othman- ibn 'Affan )



عثمان بن عفان (47ق.هـ - 35هـ، 577 - 656م). عُثمان بن عفَّان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وأمّه أروى بنت كُريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها أم حكيم، وهي البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف. صحابي جليل وثالث الخلفاء الراشدين بعد أبي بكر وعمر.كان عثمان في الجاهلية يكنى أبا عمرو، فلما كان الإسلام ـ ولد له من رُقية بنت رسول الله ﷺ، غلام سمّاه عبد الله وكُنِّي به.

ولقب بذي النورين وأشهر الروايات في تسميته بذي النورين أنه تزوج من رقية ثم أم كلثوم بنتي النبي ﷺ، ولم يعلم أحد تزوج بنتي نبي غيره.

وُلد عثمان في الطائف. ويلتقي نسبه بنسب الرسول ﷺ في عبد مناف.

نشأته وإسلامه:

نشأ عثمان بن عفان في أسرة أموية تنتمي إلى أمية جد أبيه، آلت إليهم مقاليد العز والشرف والزعامة والسلطان على العرب. وكان عفان بن أبي العاص ابن أمية، والد عثمان، أحد أصحاب التجارات الواسعة، وقد مات في إحدى رحلاته إلى الشام. وترك لابنه عثمان مالاً وفيرًا، استثمره في التجارة. وزادت ثروته فأحسن إلى قومه، وأغدق عليهم من أمواله. فأحبوه جدًا منذ جاهليتهم وضربوا به المثل، حتى كانت المرأة من قريش تلاعب ولدها وهي تقول:

أحـبـك والرحمـن حـب قريش عثمان

أسلم عثمان، رضي الله عنه، بعد البعثة مباشرة، وكان قد جاوز الثلاثين بقليل، ودعاه إلى الإسلام أبو بكر الصديق، رضي الله عنهما. وهو من المسلمين الأوائل، ويقال إنه أحد الثمانية الأوائل السابقين إلى الإسلام. ويُحدِّث هو عن نفسه فيقول: ¸إني لرابع أربعة في الإسلام·. وحدّث إبراهيم بن حارث التيمي عن أبيه قال: لمّا أسلم عثمان بن عفان أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص ابن أُمية فأوثقه رباطًا وقال: أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين مُحْدَث؟ والله لا أحُلّك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدّين. فقال عثمان: والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.

هجرته:

كان عثمان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية، ومعه فيهما جميعًا امرأته رُقية بنت رسول الله ﷺ، وقال رسول الله ﷺ : (صحبهما الله ؛ إن عثمان أول من هاجر إلى الله بعد لوط عليه السلام ).

وعن أم سلمة ـ زوج النبي ﷺ ـ قالت: ¸لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمَّننا على ديننا، وعبدنا الله تعالى، لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه·. عاد عثمان وزوجته رقية من الحبشة إلى مكة، مع قلة من المسلمين، وبقي جعفر بن أبي طالب بالحبشة مع بعض المهاجرين. وكان ذلك مع أول آية نزلت في الإذن بالحرب ـ أي حرب المشركين ـ فلما أذن الله لنبيه ﷺ في الحرب، أمر الصحابة رضي الله عنهم، بالهجرة إلى المدينة، وكان عثمان وزوجته رقية، من الذين هاجروا إلى المدينة، بعد هجرتي الحبشة. ونزل عثمان في بيت أوس بن ثابت، شقيق حسان بن ثابت شاعر الرسول.

شهوده المشاهد:

شهد عثمان، رضي الله عنه، أكثر المشاهد مع رسول الله ﷺ ما عدا بعضها، التي تخلف عنها، بأمر وتكليف من الرسول ﷺ. ففي غزوة بدر لما خرج رسول الله ﷺ، إلى بدر خلَّفه رسول الله على ابنته رقية (وهي زوجة عثمان) التي كانت تعاني من المرض ¸الحمى· لتمريضها، فماتت في مرضها ذلك. فأسهم له النبي مع الذين شهدوا الموقعة، وعده منهم، ولذلك يعد عثمان من البدريين الذين شهدوا غزوة بدر بالاتفاق. وفي غزوته إلى ذات الرقاع وغزوته إلى غطفان، تخلف عثمان لأن الرسول ﷺ استخلفه على المدينة في مدة غيابه عنها.

فضائله:

وردت في فضل عثمان أحاديث وآثار كثيرة، فقد روى ابن عمر، قال: ¸كنا في زمن النبي ﷺ لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نذر أصحاب النبي ﷺ، لا نفاضل بينهم·.

زَوّج رسول الله ﷺ، عثمان بن عفان بعد رُقية أم كلثوم بنت رسول الله ﷺ، فماتت عنده، فقال رسول الله (لو كان عندي ثالثة زوّجتها عثمان ). وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

وعن ابن عباس في هذه الآية: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل﴾ الأعراف: 43 ، قال نزلت في عشرة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزُّبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود. وقال عنه رسول الله ﷺ يوم جهز جيش العسرة: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم). رواه: الترمذي.

وعن عائشة زوج النبي ﷺ وعثمان حدثا: أن أبا بكر استأذن على النبي ﷺ وهو مضطجع على فراشه، لابس مِرْط عائشة، فأذن له وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت ـ قالت عائشة: يارسول الله، لم أرك فزعت لأبي بكر ولا عمر كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله ﷺ : إن عثمان رجل حَييُّ، وإني خشيت إن أَذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليَّ حاجته. وقال الليث: قال جماعة الناس إن رسول الله ﷺ قال لعائشة، رضي الله عنها: (ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟ ). ومن أجل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كانت بيعة الرضوان، وهي البيعة التي دعا إليها رسول الله ﷺ، وكانت البيعة على الموت في سبيل الله، وقتال قريش التي همَّت أن تقتل عثمان بن عفان الذي حضر إلى مكة سفيرًا، ليستأذنها بشأن دخول المسلمين لأداء العمرة وذلك قبل صلح الحديبية.

علمه:

كان عثمان على علم بمعارف العرب في الجاهلية ومنها الأنساب والأمثال وأخبار الأيام. وساح في الأرض فرحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقوامًا غير العرب، فعرف من أطوارهم وأحوالهم ما ليس يعرفه كل عربي في بلاده، وجدَّد في رحلاته تجديد الخبرة والعمل معارفَ البادية عن الأنواء والرياح ومطالع النجوم ومقارناتها في منازل السماء، وهي معارف القوافل والأدلاء، من أبناء الصحراء العربية، وأبناء كل صحراء، وأسلم فكان من أفقه المسلمين في أحكام الدين، وأحفظهم للقرآن والسنة، روى عن النبي ﷺ، قُرابة مائة وخمسين حديثًا. وقال محمد بن سيرين وهو يتكلم عن الصحابة: ¸كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر·.

وكان أقرب الصحابة إلى مجرى الحوادث بين المسلمين والمشركين، فكان في سفراء الإسلام في غير موقف من مواقف الخلاف أو الوفاق، تارة بين المسلمين وأعدائهم، وتارة بينهم وبين الأسرى منهم في أرض الأعداء. وكان كاتبًا يجيد الكتابة، فاعتمد عليه النبي ﷺ في تدوين الوحي، واعتمد عليه أبو بكر الصديق في كتابة الوثائق المهمة، ومنها الوثيقة التي عهد فيها بالأمر من بعده لخليفته الفاروق عمر بن الخطاب. وزودته معرفته بالأخبار والأنساب وسياحته في البلاد بزاد حسن من مادة الحديث مع ذوي الكمال من الرجال. قال عبد الرحمن بن حاطب: ¸ما رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ كان إذا حدث أتم حديثًا ولا أحسن من عثمان بن عفان، إلا أنه كان رجلاً يهاب الحديث·.

ولم يكن حديثه لغوًا ولا ثرثرة يزجي بها الفراغ بين أهل الفراغ، بل كان من تلك الأحاديث التي كان يتوق إليها النبي ﷺ، في بعض أوقاته فيتمناها. وتروي السيدة عائشة أم المؤمنين من ذلك أنها سمعت النبي ذات ليلة يقول (لو كان عندنا رجل يحدثنا )قالت يارسول الله أفأبعث إلى أبي بكر؟ فسكت. ثم قالت: أفأبعث إلى عمر؟ فسكت. ثم دعا خادمًا بين يديه فسارّه فذهب فإذا عثمان يستأذن، فأذن له فدخل فناجاه ﷺ طويلاً. رواه أحمد.

إنفاقه:

كان عثمان، رضي الله عنه، جوّادًا كريمًا سمحًا يبذل للقريب والبعيد، فكان القدوة المثلى لعماله ولكثير من أهل عصره، فسلكوا طريقته وتأسَّوا به في فعاله. فهو الذي جهز جيش العُسرة بتسعمائة وخمسين بعيرًا وخمسين فرسًا، وجاء إلى النبي ﷺ بألف دينار، وهو الذي ابتاع بئر رومة وأباحها لابن السبيل، وهو الذي آوى كثيرًا من الناس في سني المجاعة إلى كنفه. وحين جهز جيش العسرة قال فيه رسول الله ﷺ: (ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم. "مرتين" )رواه الترمذي. وكان هذا عن بذله السخي في جيش العسرة.

زوجاته وأبناؤه:

تزوج عثمان، رضي الله عنه، بتسع نسوة هنّ ¸رقية بنت رسول الله ﷺ، ومن بعدها أم كلثوم بنت رسول الله ﷺ، وفاختة بنت غزوان بن جابر، وأم عمرو بنت جندب بن عمرو، وفاطمة بنت الوليد بن عبد شمس، وأم البنين بنت عُيينة بن حصْن، ورَملة بنت شيبة ابن ربيعة، ونائلة بنت الفرافصة بن الأحوص، وأم ولد·.

ورُزق منهنَّ أبناء وبنات، أما الأبناء فهم: عبد الله الأكبر، عبد الله الأصغر، عمرو، خالد، أبان، عمر، الوليد، سعيد، المغيرة، عبد الملك، وأما البنات فهن: مريم (بنت أم عمرو بنت جندب)، أم سعيد، عائشة، أم أبَّان، أم عمرو، مريم (بنت نائلة بنت الفرافصة)، أم البنين. وبذلك يكون عدد أبنائه سبعة عشر ولدًا (10) ذكور و (7) إناث.

خلافته ومقتله:

بويع بالخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، سنة 23 هـ، وقام في فترة خلافته بأعمال جليلة وأهمها فتح أرمينيا والقوقاز وقبرص، وأتم جمع القرآن، وكان أبو بكر قد جمعه وأبقى ما بأيدي الناس من الرقاع والقراطيس، فلما ولي عثمان طلب مصحف أبي بكر، فأمر بالنسخ عنه وأحرق كل ما عداه، وهو أول من وسَّع المسجد الحرام ومسجد الرسول ﷺ، وأمر بالأذان الأول يوم الجمعة، واتخذ الشرطة، واتخذ دارًا للقضاء بين الناس، وكان أبو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد. وكان نقش الدراهم في أيامه ¸الله أكبر·.

وقد أطلَّت الفتن الجسام برأسها في عهد عثمان رضي الله عنه، وكان لعبد الله بن سبأ اليهودي دور أساسي في إشعال نارها، فأشاع الأراجيف، وزيف الرسائل، واجتذب إليه ذوي النفوس الضعيفة وحاول كبار الصحابة أن يتصدوا للفتنة، وفي مقدمة هؤلاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وانتهى الأمر بمحاصرة عثمان في بيته، وقتله رضي الله عنه، وهو عاكف على تلاوة القرآن، صبيحة يوم النحر. ودفن بالمدينة المنورة وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا ثمانية أيّام.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية