الرئيسيةبحث

التوابع والزوابع ( at- Tawabi', wa az - Zawabi' )


التَّوابع والَّزوابع رسالة أدبية، كتبها أبو عامر أحمد ابن عبدالملك بن شُهيد القرطبي الأندلسي (382- 426هـ). وهي قصة خيالية تحكي عن رحلة في عالم الجن. يلتقي البطل خلالها بشياطين الكتّاب، فيحاورهم ويحاورونه. ويخلص من ذلك إلى سمات نقدية وأدبية محدودة.

تنقسم الرسالة إلى مجالس أربعة هي: 1- مجلس الشعراء 2- مجلس الكُتاب 3- مجلس أدبي نقدي 4- مجلس أدبي ساخر يلتقي فيه بحيوانات أدبية.

ينص ابن شهيد على أن رسالته موجهة إلى من كنّاه بأبي بكر، وكيف أن أبابكرٍ تعجب من عبقريته وعلمه، فأقسم أن هذه الروح لابن شُهيد، تصدر عن أدب فوق قدرة الإنسان، ومن ثم فإن لها تابعًا يمدها ويعينها.

وتتخذ رحلة بطل التوابع والزوابع مسارًا تاريخيًا في لقائه بتوابع الشعراء في المجلس الأول، ابتداء من العصر الجاهلي والأموي والعباسي. فيحاور عددًا من توابع الفحول كامرئ القيس وطرفة وأبي تمام والبحتري وأبي نواس والمتنبي. ويتجاوز عصر صدر الإسلام إذ لايرى فحولاً بين شعرائه. وهو يوفق بين البعد الجسمي والفكري، ليستخرج نفسية الشاعر وذاته، فيرسم له صورة قلمية في ضوء ما ورد من أخباره. وهو أبدًا ينتزع شهادات الإجازة بشاعريته من هؤلاء الفحول، فهو لا ينشدهم، إلا في تلك الأغراض التي اشتهروا بها، وذاع صيتهم فيها.

وفي المجلس الثاني وهو مجلس الكُتاب، يقدم ابن شُهيد رؤية جديدة ؛ وهي أن للكتّاب شياطين كما للشعراء شياطين. ويعتمد النهج التاريخي هنا ؛ حيث يبدأ بالجاحظ شيخ الأدباء، ويحاور عبدالحميد الكاتب وبديع الزمان الهمذاني، ويساجلهم في قضايا تتصل بالسجع والمزاوجة، وتتصل بقضايا الأساليب والبيان. ويخلص إلى انتزاع شهادات بإجازتهم له وتفوقه عليهم.

أما المجلس الثالث فيبين ابن شهيد من خلاله طائفة من القضايا النقدية التي كانت تشغل ذوق العصر ومن أهمها قضية السرقات، فيوضح رؤيته النقدية المتميزة في هذا المقام ويستشهد عليها.

وفي المجلس الأخير ينتقل ابن شهيد وتابعه إلى أرض بها حيوانات من الجن، ويشفُّ هذا المجلس عن حس ابن شهيد الساخر ؛ حيث يحكم في قطعتين شعريتين غزليتين لبغل محب وحمار عاشق. وتنتهي الرسالة بحوار ابن شهيد مع الأوزة التي رأى أنها تابعة لبعض شيوخ اللغة، وأرادت أن تناظره في النحو والغريب ، فأعرض عنها وزجرها لسخفها وحماقتها.

وتُعد رسالة التوابع والزوابع مَعْرِضًا، يقدم ابن شهيد من خلاله صورة للأدب والأدباء في عصره ؛ كما يظهر براعته بانتقادهم والسخرية منهم ؛ فيضع نفسه في المكانة الأدبية التي لم ينلها بين معاصريه. فالرسالة بذلك رد عملي ينافح به ابن شهيد عن عبقريته ونبوغه، حين انتقص خصومه وحساده من مكانته. فهدف الرسالة إرضاء ذاته المتفوقة، ثم إظهار براعته وبلاغته بالنيل من الخصوم والأعداء ؛ لذلك كانت السخرية المريرة الشرسة أداة من أقوى أدواته. ثم تضمنت الرسالة آراءه النقدية في الشعر والنثر، التي بسببها اكتسب عداوة معاصريه.

وأهم معيار نقدي لديه أن البيان ليس من عمل المعلمين أي المؤديين، وأنه نفسٌ من الرحمن لاتقوم به دراسة النحو أو غريب اللغة ﴿الرحمن¦علم القرآن¦خلق الإنسان علّمه البيان﴾ الرحمن: 1-4 . وفحوى نظريته النقدية أن البون شاسع بين الموهبة والاكتساب.

ومن أهم سمات أسلوبه القصصي حظه من الخيال. فخياله قوي خلاق تحفُّه طائفة من الصور الدقيقة الوصف مع عناية بتصوير الأخلاق والأشكال في إطار من التحليل النفسي. وقد اهتم بالأوصاف الدقيقة وكأنه، دون أن يشعر، يعوض عن ضعف حاسة السمع لديه فهو يكثر من الصور المتحركة والمسموعة.

كما كان عنصر التشويق أداة من أدوات أسلوبه، بجانب الاستطراد الذي يقتضيه السياق القصصي، فضلاً عن ظاهرتي الحوار الداخلي والمباشر. وتزخر الرسالة بروح الفكاهة والإضحاك بما يضع ابن شهيد في مكانة بارزة في دنيا السخرية والطرافة.

ومن المرجح أن ابن شهيد استوحى موضوع الرسالة متأثرًا بقصة الإسراء والمعراج، كما تأثر بها الإيطالي دانتي، في رسالته الكوميديا الإلهية. وهذا باب طويل في الأدب المقارن. ويماثل التوابع والزوابع في المشرق رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. فالكاتبان يلتقيان معًا في الخيال والأوصاف والسخرية والإضحاك، ولكنهما يختلفان في اللغة. فلغة المعري لاتخلو من تعقيد وإغراب وسجع ملتزم، ولغة ابن شهيد سلسة طيعة بعيدة عن التكلف والصنعة، تزاوج تارة، وتسجع أخرى وتسترسل ثالثة، ففيها لكل مقام مقال. ولئن اتفقت الرسالتان في عرضهما للمشكلات الأديبة في قالب قصصي، وتوجيه النقد للمعاصرين، فقد اختلفتا في الإعراب عن مؤلفَيهما ؛ حيث شفَّت التوابع عن أديب فنان على حين شفَّت الغفران عن أديب عالم.

★ تَصَفح أيضًا: رسالة الغفران ؛ الكوميديا الإلهية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية