التيبت ( Tibet )
التِّيبِت هضبة تقع جنوب وسط آسيا، وتُعرف أحيانًا بسقف العالم، وتتكون من جبال وهضبة تكتسحها الرياح. تُعدّ التيبت أعلى منطقة في العالم، ويرتفع جبل إيفرست ـ أعلى جبل في العالم ـ في الجدار الغربي للتيبت. ويُعتقد أن كا إره وهي مدينة في غربي التيبت أعلى مدينة في العالم، حيث يصل ارتفاعها إلى4,570م فوق مستوى سطح البحر. وتُعدّ قيعان الوادي في التيبت أعلى من أي جبل في معظم أنحاء العالم. وعاصمة التيبت هي لاسا.
كانت التيبت جزءًا لايتجزأ من الصين منذ الخمسينيات من القرن العشرين، ولكنها ظلت مستقلة أو شبه مستقلة لعدة سنوات. وعلى الرغم من نشاطها التجاري مع عدة مناطق، إلا أن سلسلة الجبال عزلتها بصورة عامة عن باقي أجزاء العالم. يعرف سكان التيبت بالنُّسَّاك، لأن المملكة كان يسودها التنسك والرهبنة، حيث كان للرهبان البوذيين سطوة وجبروت كبيران في الحكم قبل أن تسيطر عليها الصين.
خريطة التبيت |
السطح:
تتميز التيبت بمساحة كبيرة تبلغ 1,221,600كم²، وفيها هضبة عالية باردة تعرف بهضبة التيبت، تغطي معظم الأراضي، بينما تحدها الجبال من جميع الجهات. وتمتدجبال الهملايا ـ أعلى جبال في العالم ـ من الناحية الجنوبية للهضبة، حيث يصل ارتفاع جبل إيفرست 8,848 م. أما في الشمال فيصل ارتفاع قمة سلسلة كونلون إلى أكثر من 6,000م، ويصل متوسط ارتفاع التيبت إلى 4,880م.تغطي الصخور والرمال والحصى معظم المناطق في التيبت، وهي غير صالحة للزراعة بسبب التربة الفقيرة والمناخ البارد. وعلى الرغم من ذلك هناك بعض الوديان الخصبة والأراضي الصالحة للزراعة، وبها مناطق أخرى تكثر فيها الحشائش والغابات. كما يوجد بها أكثر من 5,000 نوع من النباتات والحيوانات، مثل: الغزلان والنمور والدببة والباندا والخيول المتوحشة. يوجد بالتيبت المئات من البحيرات والأنهار، ولكن معظم ضفافها قاحلة بسبب ملوحتها الشديدة. وينبع الكثير من الأنهار الآسيوية من جبال التيبت مثل براهمابترا والسِّنْد وموكنج وسالوين ويانجتسي.
المناخ:
تسقط الأمطار في معظم أنحاء التيبت بمعدل أقل من 25 سم في السنة. وتحمي جبال الهملايا الهند من الرياح الحاملة للرطوبة، حيث تكثر العواصف الثلجية بالمنطقة، وتكتسح الرياح الهضبة في كل الفصول. أما متوسط درجة الحرارة في شهر يناير فيصل إلى 4°م، بينما يبلغ في شهر يوليو 14°م.عائلة من التيبت في معسكر بالمناطق المرتفعة حيث يرتدون الملابس التي يحيكونها بأنفسهم. |
السكان وأعمالهم:
يبلغ عدد سكان منطقة التيبت نحو مليوني نسمة ؛ 96% منهم تيبتيون أي من الهضبة نفسها، والبقية من الصينيين، بينما ينتشر نحو 6 ملايين من التيبتيين في الهضبة كلها. ويعيش معظم السكان في منطقة التيبت الجنوبية، حيث التربة الخصبة للزراعة وتربية الحيوانات. ويعيش البدو الذين يربون حيوان الياك (الثيران ذات الشعر الغزير) في مناطق الحشائش الشمالية. يعيش في العاصمة لاسا وهي كبرى المدن، نحو 139,822 نسمة، حيث يعمل معظمهم موظفين في الدولة أو في الصناعات الخفيفة والسياحة.ينتمي سكان التيبت إلى الجنس الآسيوي، واللغة التقليدية هي التيبتية، أما اللغة الرسمية فهي الماندرين الصينية، وتُدرَّس كلتا اللغتين في المدارس وتحرر بهما المعاملات الحكومية.
لقد حكم النبلاء والرهبان اللامات التيبت قبل أن تحكمها الصين، وكان معظم المزارعين أجراء مقيمين في الأرض، لايُسمح لهم بمغادرتها، ويُفرض عليهم تقديم كل الإنتاج لملاك الأرض، إلا أن الصين تمكنت ـ كدولة شيوعية ـ من تفكيك هذه الإقطاعيات التي يمتلكها النبلاء والرهبان وتوزيعها على المزارعين.
تُبنى المنازل في التيبت من الطوب أو الحجر، وهي ذات سطوح منبسطة، وتوجد منازل قليلة بها أكثر من طابقين. أما الأغنياء، فلهم منازل تتكون من ثلاثة طوابق. وعادة ما يُستخدم الطابق الأرضي لإيواء الحيوانات.
ويُعدّ الشعير المحصول الرئيسي للتيبت، كما يُستخدم الدقيق مصدرًا للغذاء أيضاً، حيث يُخلط بالشاي والزبدة. ويعد الحليب والجبن من المكونات الأساسية للطعام. ويُعدّ الشاي الصيني المشروب الرئيسي، حيث يُمزج بالملح والصودا وزبدة الياك.
ويُعدّ حيوان الياك مصدرًا مهمًا للملبس والحليب والمواصلات في التيبت، حيث يحمل الأثقال، ويُستخدم شعره في الخيام، وجلده في الأحذية والمراكب.
يتكون الزي الرجالي والنسائي في التيبت من ثوب طويل ذي أكمام طويلة وياقة علوية. ويرتدي الأغنياء الأثواب الحريرية، وفي الشتاء يرتدي الناس الصوف وجلد الخراف واللباد. أما الملابس الخفيفة فإنها تُصنع من القطن والقنَّب، وتُعدّ صناعات نسيج القماش والسجاد من الصناعات المنزلية المهمة في التيبت، حيث يمثل الصوف أهم الصادرات الرئيسية للمنطقة، إضافة إلى الصادرات التقليدية الأخرى، مثل: الفراء والبغال والأفراس وثور المسك.
الدين:
سكان التيبت لهم مجموعة من المعتقدات القديمة، حيث يؤدُّون الصلوات في الشوارع، ويعُدّون هذه المعتقدات النابعة من التقاليد والأساطير شيئًا مهمًا في حياتهم. ويغلب على معظم الحفلات الطابع الديني. والرحلات الطويلة التي يقوم بها الناس إلى المعابد في كل من لاسا وزيجازي رحلات مشهورة.يُعدّ المعتقد في التيبت فرعًا من البوذية يعرف بالديانة اللامية. ويوجد في هذا المعتقد اثنان من اللامات الرفيعة (أي الرهبان البوذيون)، أحدهما الدالاي لاما (اللاما العالي)، ويعد حاكم التيبت الروحي الأعلى، والبانشن لاما، ويمثل السلطة الروحية القيادية. ويعتقد السكان أن هذين الراهبين يولدان من جديد، فعندما يموت البانشن لاما أو الدالاي لاما فإن روحه تحل في بدن غلام صغير، لذلك يبحث الرهبان عن الغلام الذي يولد في الوقت نفسه الذي يموت فيه اللاما، وعند العثور عليه يُعدّ الحفيد الرسمي للراهب أو اللاما. وقد تمكن الصينيون من إنهاء ظاهرة اللامات أو الرهبان (دالاي وبانشن) عقب سيطرتهم على التيبت.
وتوجد أقسام عديدة لظاهرة اللامية أو الرهبنة، منها، القبعة الصفراء ويرأسها الدالاي لاما الذي ما يزال يعيش منفيًا. وقد أصبح عدد كبير من رجال التيبت رهبانا، وأقيم في كل مدينة دير لامي وبلغ عدد الرهبان 20% من إجمالي الذكور عند استيلاء الصين على المنطقة. ولقد كان السبب وراء انتشار هذه الظاهرة أن معظم الآباء الفقراء يرسلون أبناءهم إلى الأديرة لعدم تمكنهم من تسديد الديون والضرائب، أما بالنسبة للبقية فقد كان السبب هو أن هذه الأديرة كانت تمثل الجهة الوحيدة التي يوجد بها التعليم.
وفي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين تمكن الشيوعيون الصينيون من تحطيم معظم الأديرة في التيبت، فاضمحل بذلك النشاط العقائدي كثيرًا، ثم سمحوا بعد ذلك بفتح عدد منها، وتوظيف عدد جديد من الرهبان.
ويوجد الآن عدد قليل من الأديرة في التيبت مقارنة بما كان موجودا في الماضي. وتوجد آلاف قلائل من الرهبان الذكور، حيث انشغل معظمهم بالزراعة والصناعات اليدوية. وتمثل الأديرة مركزا للتعليم والفن ودور العبادة. يعكس الفن التيبتي خليطًا من التأثيرات الهندية والصينية، ويمثل الجذور الرئيسية للبوذية.
المدن:
تُعدّ لاسا المركز السياسي والديني للتيبت، كما يعد قصر بوتالا مَعلمًا رئيسيًا خلابًا في المنطقة. ويتميز بشكل يشبه القلعة الضخمة المغطاة بأسطح ذهبية وغرف بلغ عددها أكثر من 1,000 غرفة. وقد كان في الماضي المسكن الرئيسي للدالاي لاما ورهبان آخرين. وقد اتُّخذ حاليًا متحفًا لكنوز الفن. أما بقية المدن بالمنطقة فهي جيانجزي وزيجازي ويادونج.نبذة تاريخية:
أصبحت التيبت مملكة قوية في القرن السابع الميلادي. وقد أُدخلت البوذية والكتابة من الهند. تأسست مدينة لاسا وأصبح الدالاي لاما حاكم التيبت في القرن السابع عشر الميلادي. وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي سقطت التيبت في قبضة الصين. ثم وصلت بعثة تنصيرية بريطانية إلى لاسا عام 1904م. وتمكن البريطانيون من عقد اتفاق مع سكان التيبت يتم بموجبه إنشاء محطات تجارية في البلاد. وظلت التيبت في يد الصين حتى عام 1911م. وادعت الصين ملكية التيبت وتبعيتها للنفوذ الصيني. وفي العشرينيات من القرن العشرين نشب خلاف كبير بين الدالاي لاما والبانشن لاما حول الشؤون السياسية، وهرب البانشن لاما إلى الصين مع أسرته وحاشيته، وبقي هناك حتى وفاته عام 1937م، وتم تعيين راهب (لاما) جديد في الصين عام 1944م، ولم يُعترف به رسميًا في التيبت حتى أواخر عام 1949م. وفي عام 1933 م توفي الدالاي لاما، وحسب العادات والتقاليد فقد تم اختيار غلام من الفلاحين كوريث شرعي له، وتم تنصيب الدالاي لاما الرسمي عام 1940م.استولى الشيوعيون في عام 1949م على السلطة في الصين، ثم دخلت القوات الصينية التيبت عام 1950م، حيث وقّع ممثلو التيبت اتفاقًا مع الصين عام 1951م، يقضي بتبعية التيبت للحكومة الصينية مع التمتع بالحكم الذاتي، مما يعني أن الاتفاقية قد أعطت وعودًا بعدم التغيير المفاجئ في نظام التيبت السياسي، كما أعطت أيضًا ضمانًا بحرية المعتقدات الدينية في المنطقة. وقد تم تشكيل اللجان من كلا الطرفين ؛ الصيني والتيبتي على هيئة حكومات محلية في مختلف أنحاء التيبت. وفي عام 1956 م تكونت اللجنة التمهيدية للحكم الذاتي في التيبت وعلى رأسها الدالاي لاما، ينوب عنه كل من البانشن لاما وجنرال من الصين. وقد شُكلت هذه اللجنة لتجعل من التيبت منطقة حكم ذاتي.
وفي سنة 1956م بدأت الصين في تشديد قبضتها على حكم التيبت فهرب الدالاي لاما إلى الهند عام 1959م، وأصبح البانشن لاما رئيسًا للجنة التمهيدية. وعندما نالت التيبت الاستقلال الذاتي بصورة رسمية عام 1965م تم إنهاء وجود الإقطاعيات التي يملكها ملاك الأراضي والرهبان، وأُجبر الفلاحون على تقديم نسبة معينة من الحبوب للدولة، كما أُجبروا على زراعة القمح بدلاً من الشعير لتغذية الجنود الصينيين. سيطرت الحكومة الصينية على محطة الإذاعة والصحف والمصارف والمحلات، واستولى الصينيون على معظم الوظائف، مثل إدارات الحكومة المحلية والتدريس. وقد عانى سكان التيبت من التفرقة العنصرية التي كان يمارسها الجنود والسكان الصينيون، وأصبح السكان يشعرون بأن حياتهم قد صارت أسوأ مما كانت عليه من قبل. ثم اندلعت المظاهرات في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين احتجاجًا على الحكم الصيني.
وفي الثمانينيات من القرن العشرين تبنت الحكومة الصينية سياسة أكثر اعتدالا تجاه التيبت، حيث افتتحت أديرة جديدة إضافة إلى الأديرة الموجودة، وأُعطي المزارعون مرة أخرى حرية زراعة وتسويق المحاصيل التي يفضلونها. ولكن في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين اندلعت ثورات أخرى ضد الحكم الصيني في منطقة لاسا، مما دعا حكومة الصين إلى أن ترسل وحدات من الجيش لحفظ النظام. ويعتقد عدد كبير من المراقبين أن سبب هذه التطورات هو الاحتجاج على بطء الإصلاحات، وسياسة التمييز العنصري من قبل الصينيين ضد أهالي التيبت. وفي عام 1989م توفي البانشن لاما، وهو الراهب الذي ساند سياسات الحكومة الصينية في التيبت، وكان من دعاة الوحدة مع الصين. أما الدالاي لاما في المنفى فقد عمل على إنهاء الوجود الصيني في التيبت بوساطة الوسائل السلمية، ونال جائزة نوبل للسلام عام 1989م، تقديرا لمعارضته السلمية وعدم جنوحه إلى استخدام القوة مطلقا في حملته المعارضة للحكومة. وفي عام 1995م، أعلن الدالاي لاما اختيار بانشن لاما خلفًا للمتوفى، إلا أن الحكومة الصينية رفضت الاعتراف بمن اختاره وعينت مرشحها لهذا المنصب.