صقلية ( Sicily )
مدينة تورمينا بصقلية تقبع بين الجبال بالقرب من جبل إتنا، البركان الذي يكسو قمته الجليد، (خلفية الصورة). كما تحيط بمعظم مناطق صقلية التلال والجبال، ويعد جبل إتنا أكثرها ارتفاعًا. |
تُعدّ صقلّية وَحْدةً من الوحدات الإيطالية العشرين. وتُسمَّى كلّ وحدة منها إقليمًا. مدينة باليرمو العاصمة ومركز للصناعة والتجارة، وأكبر المدن، والميناء الرئيسيّ لصقلّية. وتُعدّ مدينة مسينا الواقعة على الساحل الشماليّ بوابة الجزيرة. يسافر العمّال يوميا بوساطة العبّارات عبر المضيق، بين مسينا والأراضي الإيطالية.
السكان:
موقع صقلية المهم جعل منها ملتقى للعديد من الحضارات. فتح الجزيرة عددٌ من الشعوب كالإغريق والقرطاجيين والرومان والمسلمين. وصقلّية اليوم مزيج من هذه الحضارات. فعلى سبيل المثال، يتكلم السكّان لهجات محليةً فيها آثار العربية والإغريقية، ولغات أخرى.تَربِطُ سكانَ صقلّية روابطُ أسريّة وصداقات متينة. وبسبب خضوعهم للحكم الأجنبي سنين طويلة، لايثق بعض الصقليين بكافة أشكال الحكم. ولديهم قانون للشّرف يُدعى أومرتا، يقضي بعدم إخبار الشرطة عن جرائم تُعَدُّ من الشؤون الخاصة. وإحدى المشكلات الخطيرة في صقلّية الانتشار الواسع لنفوذ المافيا وهي منظَّمةٌ سرّية غير مسموح بها، وذاتُ جذور عميقة في حياة الصقليين. وقد ارتكبت المافيا الكثيرَ من الجرائم. لكنَّ خوفَ السكان من المافيا واحترامهم لقانون الأومرتا، أعاق جهودَ الحكومة إلى حدٍّ كبير في مكافحة هذة المنظمة. وعلى أية حال، فقد شنَّت الحكومة خلال الثمانينيّات من القرن العشرين حملة مركّزة لمكافحة الجريمة المنظَّمة في صقلّية.
معظم الصقلّيين من المزارعين، الذين يُدبِّرون أمر معيشتهم بصعوبة، بسبب جدب أراضيهم، وأساليب الزراعة المتخلّفة. تُشَكِّلُ قلَّة فرص العمل في صقلّية أحدَ الأسباب الرَّئيسيَّة لارتفاع نسبة الهجرة ؛ فقد هاجر آلاف من الصقلّيين في أوائل هذا القرن إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ عام 1945م، استقرّ عدد كبير من العمال الصقلّيين في المدن الصناعية في شمالي إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وسويسرا.
معظم سكان صقلّية من الروم الكاثوليك. ويقيمون احتفالات دينيةً متنوِّعة على مدار السنة.
في صقلّية الكثير من المَعَالِم الشهيرة التي تجذب السائحين إليها. وتوجد آثار إغريقية في أغريجنتو، وسيراقوسة، وتورمينا، وأماكن أخرى في صقلية. وتُعْرَضُ الأعمالُ الفنيةُ في كثير من الكاتدرائيات والقصور الصقلّية. وتشمل المؤسساتُ التعليميّة الجامعات في كاتانيا، ومسينا وباليرمو.
السطح:
تُغطِّي الجبال والتلال أكثر من 85% من أراضي صقلية. وأعلى نقطة فيها قمة إتنا، وهي بركان ارتفاعه 3,390 م على الساحل الشرقيّ للجزيرة. يثور هذا البركان على نحو دوري، ومع ذلك فالمنطقة تزدحم بالسكان، بسبب الرماد البركاني، الذي يجعل التربة خَصْبة. كما تتعرض صقلّية للهزّات الأرضية أيضًا.تتمتع صقلية بمناخ معتدل. يبلغ معدل درجات الحرارة سبع درجات مئوية شتاء و26°م صيفًا. وتَهْطِل معظم أمطار الجزيرة شتاء. وتهطل بعض الأمطار ما بين مارس وأكتوبر، ويصبح الجوّ خلالها أكثر جفافًا ؛ بسبب ريح حارة وجافّة تدعى السروكو. وتهب هذه الريح من صحارى شمالي إفريقيّا عبر البحر المتوسط. تجف أنهار صقلّية صيفًا، وتصبح الأراضي قاحلة في المناطق غير المرويّة.
كانت صقلية فيما مضى مغطاة بالغابات الكثيقة، ولكنَّ قَطْعَ معظم هذه الأشجار، ترك السفوح الجبليّة عارية وعرضة لعوامل التعرية. يستخدم المزارعون معظم أراضي الجزيرة في زراعة الحبوب وتربية الماعز والأغنام. وعلى امتداد الساحل تتوفر مياه الري، لإنتاج محاصيل مثل اللّوز والعنب واللّيمون والزيتون والبرتقال والبطاطا.
الاقتصاد:
ازدهرت صقلية اقتصاديا مرات عديدة عبر تاريخها الطويل. ولكنَّ اقتصادها تراجع منذ بدايات القرن الخامس عشر. وقُسّمت معظم الأراضي إلى إقطاعيات كبيرة، يملكها بعض الأفراد. واتبع المزارعون أساليب زراعية قديمة، ولم يبذُلوا جَهْدًا كافيًا للحدِّ من تآكل التَّربة. ولم يكن في صقلية صناعات كبيرة تُؤَمِّن فرص عملٍ كافية.بدأ اقتصاد صقلّية في التحسُّن منذ الخمسينيَّات من القرن العشرين ؛ فقد قام برنامج إصلاح زراعيّ حكوميّ بإنهاء بعض الإقطاعيات الكبيرة، وحَصَلَ قلّة من الفلاحين على أراضٍ خاصة بهم. زرعت الحكومة أشجارا لتحد من تآكل التربة وقد سعت في مشاريع الري، وبنت سدودا لجمع مياه الأمطار الشتوية لاستخدامها في الصيف.
وقد تطورت صناعات عديدة خلال القرن العشرين. كان بعض هذا التطور نتيجةَ اكتشاف النفط في راغوسا عام 1954م. وفيما بعد في جيلا. وقد افتتح خط أنابيب عام 1957م ليربط بين حقل النِّفط في راغوسا ومصفاة جديدة قرب مرفأ مدينة أوغستا. وتُكرِّر هذه المصفاة كميات كبيرةً من النِّفط المستورد من الشرق الأوسط. وهناك مصانع في عدة مدن ساحلية لتنقية الكبريت وصناعة الأسمدة من البوتاس. تُنْتج صقلية معظم الإسفلت والمِلْح الإيطالي. ويُعدُّ صيدُ السردين والتونا من الصناعات المهمة.
نظام الحكم:
أصبحت صقلية في عام 1948م إقليما سياسيّا شبه مُسْتقلٍ عن إيطاليا. تتألف الجزيرة من تسْع مقاطعات، ومن مجلس نواب يمثله تسعون عضوا. وتبعث الجزيرة بممُثِّلين عنها إلى الحكومة الفيدرالية في روما.نبذه تاريخية:
تُظْهِرُ الرسوم والأدواتُ المُكْتَشَفَة في الكهوف، على أن إنسان ماقبْل التاريخ قد عاش فيما يُسمى اليوم بصقلّية. وخلال القرن الثامن قبل الميلاد استعمر الإغريق الجزء الشرقي من الجزيرة، كما أنشأ القرطاجيّون مراكز تجارية في الجزء الغربي منها. غزا الرومان صقلّية في القرن الثاني قبل الميلاد وجعلوها مقاطعتهم الأولى. وأصبحت صقلية موردًا للحبوب للأمبراطورية الرومانية.بعد سقوط روما في القرن الخامس للميلاد اجتاحت صقلّية شعوب الوندال والقوط الشرقيين. وفي عام 535م وقعت الجزيرة تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية. وأصبحت اللّغة الإغريقية اللغةَ الرسميّة لسكان الجزيرة. وفي القرن التاسع للميلاد حل مسلمو شمالي إفريقيّا حيث ازدهرت صقلية زهاء 200 عام خلال الحكم الإسلامي ؛ إذ أدخل المسلمون أنظمة للري وزراعة محاصيل مثل القطن، والليمون، والبرتقال. وقد تركت الفنون والآداب والعلوم الإسلامية آثارها على الصقليين.
غزا النورمنديون صقلّية خلال القرن الحادي عشر الميلادي، وضموها إلى الجنوب الإيطالي وأسسوا مملكة الصقليتين. وتحولت ثقافة الجزيرة تحت الحكم النورمندي تدريجيا إلى أوروبية غربية. في القرن الثالث عشر الميلادي أضاف الحكم الألماني، ومن بعده الفَرنْسي إلى خليط التقاليد في صقلية. أصبحت صقلية مركز إيطاليا الثقافي. وفي عام 1282م قامت ثورة سُمِّيت النواقيس الصقليّة بإنهاء الحكم الفرنسي. وخلال الأربعمائة عام التي تَلَتْ، خضعت صقلية لحكم كل من أسبانيا، وبلاد سافوي، والنمسا. وفي القرن الثامن عشر أصبحت جزءًا من مملكة الصقليتين التي حكمها آل بوربون. وبعد أن غزا الإيطالي جسبي جاريبالدي صقلية عام 1860م، ثارت الجزيرة ضد الحكم البوربوني. ومِنْ ثمّ أصبحت صقلّية جزءًا من المملكة الإيطالية.
وخلال الحرب العالمية الثانية قصف الحلفاء القواعد الجوية والبحرية في صقلية. نزلت قوات الحلفاء في صقلية في العاشر من يوليو عام 1943م، واحتلَّ الحلفاء صقلية كلَّها بعد سقوط مسينا في 17 أغسطس . وبعدها غدت صقلّية نقطة انطلاق الحلفاء لغزو إيطاليا.
في الخمسينيات من القرن العشرين، وضعت صقلّية برنامجًا لإنشاء الطرق. وقد افْتُتِح أولُ طريق سريع للسيارات عام 1971م ويصل بين كاتانيا ومسينا.