السخرية الأدبية ( Satire )
☰ جدول المحتويات
السخرية الأدبية نوع من السخرية أو التهكم استخدم لمهاجمة بعض أنماط السلوك البشري. وتستعمل السخرية الأدبية في الأدب، كما أنها تؤدي دورًا في الرسم الكاريكاتوري، والمسلسلات الهزلية، والفن المسرحي، والأفلام، والرسم. ويميل معظم الساخرين الأدبيين إلى عرض الصفات السيئة في السلوك البشري، مثل البخل، والغرور، وتقديم حلول لها. ويبدو أنّ بعضهم يستمتع بالسخرية من السلوك البشري.
وقد اكتمل فن السخرية الأدبية باثنين من الكُتاب الرومان القُدامى هما: هوراس وجوفينال. وتمثِّل السخرية الباردة لهوراس والسخرية اللاّذعة لجوفينال نوعين رئيسيين من أنواع السخرية الأدبية وهما: النشيد الهوراسي وأدب الأحداث (الأطفال).
ظهر فن السخرية الأدبية في جميع الآداب القومية، فنجد ملهاة أريسطوفانيس تسخر من المجتمع الإغريقي في القرن الخامس الميلادي. كما أن رواية جارجانتوا وبانتاجرويل للكاتب فرانسوا رابيليه تسخر من الحياة السياسية والدينية والأعراف الاجتماعية التي سادت القرن السادس عشر الميلادي.
وعبَّر نيكولاي جوجول عن تهكمه وسخريته من المجتمع الروسي في رواياته ومسرحياته في القرن التاسع عشر الميلادي.
وتعتبر فترة أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر الميلاديين من أعظم فترات السخرية الأدبية إثراءً في الأدب الإنجليزي. فقد كتب غالبية كتاب ذلك العصر وأهمهم أشهر أعمال السخرية، مثل ألكسندر بوب في كتابه بعنوان دنسياد، والذي هاجم فيه الشعراء والكتَّاب الذين يعتقد أنهم أساءوا استعمال اللغة الإنجليزية. وربمّا يكون أعظم أعمال السخرية الأدبية في اللغة الإنجليزية كتاب رحلات جليفر للكاتب جوناثان سويفت الذي تميَّز أسلوبه بالبساطة والوضوح لدرجة أنه وضع في قالب قصصي للأطفال، رغم أن الكاتب قصد أن يسخر من السياسة، والعلوم، وكثير من المواضيع الأخرى.
وقد اشتهر الرسامون الكاريكاتوريون الأمريكيون مثل آل كاب، جولس فيفر، والت كلي بسخرياتهم الأدبية. وضمن أشهر الرّسامين الكاريكاتيريين يأتي في المقدمة وليم هوجارث من إنجلترا، وأونوريه دومييه من فرنسا.
وقد قدّم المخرج السينمائي الأمريكي بريستون ستيرجز كثيرًا من أفلام السخرية الأدبية.
وفي منتصف القرن العشرين الميلادي انتشرت الفكاهة السوداء واحتلت مكان السخرية الأدبية التقليدية منتقدة السلوك البشري، إلا أنها في المقابل لا تقدم أي أمل في الإصلاح.
وقد عُرفت السخرية الأدبية في الكتابات العربية قديمها وحديثها، مثل البخلاء للجاحظ، وكليلة ودمنة لابن المقفع. وفي مجال الفن الكاريكاتيري انتشرت أعمال صلاح جاهين التي انتقدت بعض المظاهر السلبية في المجتمع المصري، وكذلك طوغان والبهجوري ومصطفى حسين وأحمد رجب. أما عن السينما العربية والمسرح فقد قدمت أنماطًا متنوعة تسخر فيها من سلبيات المجتمع بَدْءًا من جورج أبيض ويوسف وهبي ومرورًا بمدرسة نجيب الريحاني. ولم تَخْلُ الإذاعة العربية من أعمال السخرية الأدبية التي تعالج قضايا المجتمع، واشتهر في هذا المجال في عصرنا الحالي الكاتب الإذاعي يوسف عوف.
السخرية في القرآن الكريم:
نزل القرآن الكريم بلسان العرب وبأساليبهم وقد ورد أسلوب السخرية فيه كما ورد في غيره من الكتب السماوية الأخرى. وقد وردت السخرية في القرآن الكريم بألفاظ مثل الهزء والاستخفاف والضحك والسخرية. إلاّ أن القرآن أضاف إليها من ألوان القوة والجد ماجعلها وسيلة لردع المتجافين عن اتباع الحق والفطرة السليمة ومحاولة الأخذ بأيديهم إلى الصّراط السّويّ.والسخرية ترد في القرآن بصور كثيرة، منها: التهديد بلفظ التبشير كما في قول الله تعالى: ﴿بشّر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا﴾ آل عمران: 21. والعذاب لا يبشَّر به. ومنها الاستخفاف بالعقل لردعـه عن الغوايـة كما في قولـه تعالى: ﴿قل تمتـَّـع بكفرك قليلاً إنك من أصحـاب النـَّار﴾ الزمـر : 8. والعاقل صاحب الفطرة السليمة لا يتمتّع بشيء يفضي به إلى النـَّار. ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿فما أصبرهم على النـَّار ﴾ البقرة: 175. ومنها ما يأتي في صورة التهديد بالتهكُّم كقوله تعالى: ﴿ذُق إنك أنت العزيز الكريم﴾ الدخان: 49.
وأوضح أمثلة الاستخفاف والاستهزاء ما حكاه المولى عز وجلّ عن رسوله إبراهيم عليه السلام مع قومه، وذلك قوله تعالى: ﴿قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ¦قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ الأنبياء: 62، 63. وهذه غاية الاستخفاف والتقريع.
تلك هي السخرية الرَّادعة التي قُصد بها إصلاح الخلق وأخذهم إلى طريق الحق بكل ما عهدوه من أساليب.
ومثلما استخدم القرآن السخرية علاجًا حين قصد بها تقويم الإنسان فقد نهاه عن الاستهزاء قصدًا وظلمًا في التوجيه القرآني الكريم: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ...﴾ الحجرات: 11. لأن في ذلك ضررًا أخلاقيًا واجتماعيًا.