الرئيسيةبحث

فارس القديمة ( Persia, Ancient )



أطلال برسيبوليس أشهر مدن فارس، في جنوب غربي إيران، كان داريوس الأول قد بنى المركز في حوالى عام 518 ق.م. ومازالت أجزاء من قاعة اجتماعات داريوس وكذلك أجزاء من القصر باقية حتى الآن.
فارس القديمة أرض تشمل أجزاء من كلٍّ من إيران وأفغانستان الحاليتين. في ظل حكم قورش الكبير وداريوس الأول وأحشورش وغيرهم من القواد، أصبحت فارس موطنًا لحضارة مزدهرة ومركزًا لإمبراطورية واسعة. أطلق الفرس على المنطقة اسم أرض الآريين الذي اشتق منه اسم إيران، ويسمي الفرس لغتهم اللغة الآرية.

كان الفرس الأوائل بدوًا جاءوا إلى المنطقة من جنوبي أراضي الأورال في القرن العاشر قبل الميلادي وصـاروا ـ بعد تحضرهم ـ إداريين ومنظمين جيدين، فقد استمرت الإمبراطورية التي أنشأوها أكثر من مائتي سنة. ابتكر الفرس أشياء مهمة في الحكم والقانون والدين. كما ابتكروا نظامًا بريديًا استخدموا فيه تناوب الخُيول السريعة. كذلك أنشأوا نظامًا للري، وحاولوا توحيد المكاييل والمقاييس.

عامل الفرس رعاياهم بطريقة أفضل مما فعل سابقوهم، وربما أثروا في ممارسات الحكومات المتأخرة وسياساتها. لقد بنى الإسكندر المقدوني على منجزات الفرس ليوحد إمبراطوريته، واستفاد منهم العرب في بناء بعض مظاهر حضارتهم لاحقًا.

في القرن السادس قبل الميلاد، أصبحت فارس مركزًا للإمبراطورية الأخمينية الواسعة التي شملت معظم العالم المعروف آنذاك. امتدت من شمال إفريقيا وجنوب شرقي أوروبا غربًا إلى الهند شرقًا، ومن خليج عمان جنوبًا إلى جنوبي تركستان وروسيا شمالاً. وفي بداية القرن الخامس قبل الميلاد، غزا الفرس بلاد اليونان. إلا أن اليونانيين تمكنوا من طردهم خارج أوروبا وأوقفوا توسع إمبراطوريتهم. استطاع الإسكندر الأكبر هزيمة الإمبراطورية الفارسية عام 331ق.م. وبعد ذلك، سيطر الفرثيون والساسانيون الفرس على بلاد الفرس قبل أن يفتح العرب المسلمون بلادهم عام 641م.

طرق المعيشة

السكان:

توضح المنحوتات القديمة أن الفرس كانوا وِسيمي الطلعة، ذوي أنوف طويلة ومستقيمة. وقد ارتدى وجهاء الفُرس والموسرون منهم أَثوابًا طويلة سميت فيما بعد القفاطين ولبسوا المجوهرات والشَّعر المستعار.

عاش معظم الناس العاديين في أكواخ من الطين شبيهة جدًا بالأكواخ التي يعيش فيها سكان الأرياف اليوم في إيران. أما النبلاء والملوك، فقد ابتنوا البيوت الكبيرة والقصور من الحجر، ومازالت بقايا هذه المباني موجودة حتى اليوم.

تبنَّى الفرس كثيرًا من عادات العيلاميين الذين هزموهم من قبل. ولكنهم احتفظوا بكثير من تقاليد القبائل الرُّحل. فقد علّموا أولادهم، مثلاً، ركوب الخيل ورمي السهام وقول الحق. ويعد الفرس الكذب أو الاستدانة مذمة.

تشكّلت الأسر الفارسية المبكّرة في عشائر تكوّنت منها القبائل. بعد نمو الإمبراطورية، بدأت تختفي الوحدات الاجتماعية الأكبر من الأسرة. وقد كان تعدّد الزوجات عندهم مألوفًا. وكان الملك يختار زوجاته من بين الأسر السِّت الأرقى اجتماعيًا فقط. وقد كانت نساء الحكام يعشن في أجنحة خاصة يعيش فيها جميع نساء الأسرة.

رأس فارسي من البرونز صنع في الألف الثاني قبل الميلاد.
كأس للشرب من الفضة استعملها ملك أو أحد النبلاء.

اللغة والأدب:

تحّدث الفرس القدماء الفارسية القديمة وهي لغة هندو ـ أوروبية لها صلة باللغة السنسكريتية في الهند وباللغة الفارسية الحديثة. اتخذ الفرس نظامًا مسماريًا للكتابة ★ تَصَفح: الكتابة المسمارية. لكن النظام المسماري استخدم في المخطوطات الملكية فقط، لأن عددًا قليلاً من الناس استطاعوا قراءته. واستخدم الفرس الآرامية، وهي لغة سامية ذات صلة باللغتين العربية والعبرية وغيرهما، كلغة كتابة. كانت الآرامية واسعة الاستعمال في سوريا وفلسطين وبلاد الرافدين، واستطاع الفرس نقلها إلى الهند وآسيا الوسطى وآسيا الصغرى (تُركيا حاليًا)، كما كانت الآرامية واللغات المحلية تُستخدم في مختلف أجزاء الإمبراطورية الفارسية.

يعرف القليل عن أدب فارس القديمة، ولكن القصص حول الأبطال القدماء مازالت موجودة، وربما ساعد في بقائها المغنون، وتداولها في القصص الشعبي.

المعتقدات:

اعتقد قدامى الفرس بآلهة من الطبيعة، كالشمس والسماء. واعتقد الناس أن لآلهتهم قدرات اجتماعية. فعلى سبيل المثال، إلههم مثرا، إله الضوء عندهم، يعتقدون أنه يتحكم في العقود. ولم يكن لدى الفرس معابد وإنما كانوا يؤدون الصلاة ويقدمون القرابين في الجبال.

قام الحكيم زرادشت الذي عاش خلال الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والحادي عشر قبل الميلاد بإدخال تعديلات في عقيدة الفرس المجوسية، التي تعتمد ـ كما في كتابهم الزندأفستا ـ على وجود معبودين، أهورامازدا (إله الخير) وأهريمان (إله الشَّر). وقد حث زرادشت النّاس على التمتع بمباهج الحياة المادية وحضهم على الأخلاق الفاضلة لينصروا أهورامازدا، على أهريمان فينصرهم في صراعه الدائم معه.

نشر أتباع زرادشت، تدريجيًا، هذا المعتقد في كل أنحاء فارس. توجد تعاليم زرادشت في كتاب غاتها (الأناشيد) وهو جزء من كتاب ديني يسمى أفستا.

الفن والعمارة:

كان الفن والعمارة في فارس القديمة مزيجًا فريدًا من الثقافات اليونانية والمصرية والبابلية وغيرها من الثقافات. وقد وجدت بقايا القصور الملكية الضخمة في بسارغادا وبرسيبوليس وسوسا وهي ما يُعرف اليوم باسم إيران. كذلك وجدت الكؤوس والصحون وغيرها من الأشياء التي صُنعت من الذهب أثناء وجود الإمبراطورية الفارسية. وبعد أن فتح الإسكندر المقدوني بلاد فارس أصبحت الفضة أكثر شعبية حيث وُجد الكثير من القطع الفنية الفضية. ويلاحظ أن الكثير من المتاحف تعرض المنسوجات والسجاد والفخار الفارسي.

عُملات فارسية. العملة الأخمينية (على اليمين) ضربت في القرن الخامس قبل الميلاد والعملة الساسانية (على اليسار) ترجع لحوالي عام 400م.

الاقتصاد:

كان الفرس الأوائل مزارعين يربون الحيوانات ويزرعون الحبوب. وقد كانت الصحاري تغطي معظم المناطق المرتفعة. وقد طور الفلاحون وسائل الري لزراعة القمح والشعير والشوفان والخضراوات، واستخدموا القنوات المحفورة تحت الأرض لتجنب التبخر الذي تسببه الشمس الحارقة، كما جلبوا المياه من الجبال من بُعد أكثر من 160كم إلى الأودية والسهول. كان بمرتفعات فارس، حتى حين فتحها الإسكندر المقدوني، عدد قليل من المدن الكبيرة. ويلاحظ أن الحرف تطورت بعد إنشاء المدن، وأصبحت صناعة الخزف والنسيج وأعمال التعدين في النحاس والحديد والذهب والفضة مهمّة. وأصبحت الأواني الخزفية والمعدنية أكثر أهمية من الأسلحة وأدوات الحرب والزراعة. وقام الخزافون والنساجون بصناعة الخزف والملابس والسجاد للناس.

حملت القوافل التجارية البضائع من مختلف أنحاء العالم عبر إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. واشتملت السلع التجارية المهمة على الأحجار الكريمة وشبه الكريمة وعلى التوابل. وقد افتتح طريق الحرير إلى أواسط آسيا والصين ربمّا حوالي القرن الثاني قبل الميلاد. وقد أدت الطرق التجارية من بلاد الرافدين إلى الشرق الأقصى إلى فتح أواسط فارس كما جابت الصحراء الوسطى.

ربطت طرق أخرى الشرق بالهند والشمال بجبال القوقاز والبحر الأسود. وقد عبَّد الفُرس الطرق بين المدن المهمة في إمبراطوريتهم، وكان أكثرها شهرةً الطريق الملكي الذي كان يربط سارديس في غربي آسيا الصغرى بسوسا بالقرب من الخليج العربي. وقد استخدم الفرس هذه الطرق لإيصال البريد السريع بتناوب الخيالة.

نظام الحكم

أيقونة تكبير الإمبراطورية الفارسية خلال القرن السادس قبل الميلاد
حكمت الإمبراطورية الأخمينية مجالس جيدة التنظيم (حوالي 550-331ق.م). وقد تم تقسيم الإمبراطورية إلى ولايات تُسمى المرزُبانيات، كل مرزبانية يحكمها موظف يسمى المرزبان. وحكام المرزبانيات عاشوا كملوك صغار. ولكن الشاهان شاه ـ أو ملك الملوك ـ الذي حكم الإمبراطورية من فارس كانت له السلطة المُطلقة والنهائية. وقد نظّم الملوك القوانين في مختلف أجزاء الإمبراطورية، وسيطرت الحكومة المركزية على الجيوش في الولايات. وكان هناك جهاز سري أُطلق عليه الإغريق عيون وآذان الملك، يُخبر الملك بالأحوال في كل أنحاء الإمبراطورية.

احتفظ الفرس في ظل الفرثيين (البارثيين) (155ق.م - 225م) والساسانيين ( 224 - 641م ) بمنصب ملك الملوك الصغير. وقد كان بعض هؤلاء الحكام الفرس أقوياء، على حين أن بعضهم الآخر كانوا ضعافًا. ومارس النبلاء المحليون سلطات عظيمة خلال فترة الفرثيين. ووجدت هيئة دينية قوية تابعة للدولة خلال فترة الساسانيين. وقد عمل رجال الدين في مناصب مدنية مهمة، لكن الدين والدولة ظلا منفصلين.

نبذة تاريخية

الحضارة المبكرة:

كانت أولى الحضارات في فارس تلك التي أقامها العيلاميون الذين ربما استوطنوا البلاد منذ حوالي عام 3000ق.م. وقد بدأت قبائل الميديين والفرس تنتقل داخل فارس في القرن العاشر قبل الميلاد. وأنشأ الميديون أول دولة لهم في الهضبة الفارسية في القرن الثامن قبل الميلاد ووصلوا ذروة قوتهم في أواخر القرن السابع قبل الميلاد. ثم تمكن الفرس بقيادة قورش الكبير من الإطاحة بالميديين في حوالي عام 550ق.م.

ختم أسطواني أخميني يوضح الملك داريوس وهو يقتل أسدًا. تصنع الدمغات بتمرير الختم على صلصال ناعم.

الإمبراطورية الأخمينية:

وسع قورش الإمبراطورية الميدية باحتلاله مملكة ليديا حوالي 545ق م، ثم ضم تدريجيًا المستعمرات اليونانية في إيونيا غربي آسيا الصغرى، وسماها الإمبراطورية الأخمينية على اسم سلفه أخمينيوس. وقد تمكن قورش من هزيمة بابل في 539ق.م. وحرر اليهود الذين سباهم نبوخذنصر وكانوا في الأسر هناك. كما أنشأ إمبراطورية امتدت من البحر الأبيض المتوسط وغربي آسيا الصغرى إلى أعالي نهر السند، وهو ما يُعرف اليوم بشمال الباكستان، ومن خليج عمان إلى بحر الآرال.

استطاع قمبيز، ابن قورش، هزيمة مصر حوالي عام 525ق.م، لكنه توفي في طريقه وهو عائد إلى فارس. وقد أعقبت ذلك حرب أهلية بسبب النزاع حول الحكم، وتمكّن داريوس الأول، أحد أقرباء قمبيز، من أن يصبح ملكًا حوالي 522ق.م.

أعاد داريوس تنظيم الحكومة بنظام المرزبانيات، وأقام السلطة المطلقة للشَّاهان شاه، كما طوّر نظامًا مُحكمًا للضرائب. كذلك بنى القصور في عاصمتين من عواصمه هما برسيبوليس وسوسا. ووسّع داريوس الإمبراطورية الفارسية داخل جنوب شرقي أوروبا وداخل مايسمى الآن جنوب الباكستان.

وفي حوالي عام 513ق.م، قام الفرس بغزو المنطقة التي تقع غربي البحر الأسود وجنوبيه ولكنهم لم يحتلوا أراضي واسعة. وأرسل داريوس جيشًا إلى اليونان حوالي عام 490ق.م، ولكن القوات الأثينية هزمته في ماراثون. ثم توفي داريوس حوالي عام 486ق.م عندما كان يعد العدة لهجوم جديد على اليونان.

غزا أحشورش بن داريوس، اليونان حوالي عام 480ق.م، وهزم قوة من الأسبرطيين وغيرهم من اليونانيين بعد معركة شرسة في الثرموبايلي. لكن الفرس واجهوا هزائم طاحنة في سلاميز وبلاتايا وأُخرجوا من أوروبا حوالي عام 479ق.م.

تدهورت فارس بعد موت أحشورش، ولكن الإمبراطورية استمرت بالرغم من الانتفاضات حتى حوالي عام 331ق.م، عندما هزم الإسكندر المقدوني جيشًا فارسيًا ضخمًا في معركة أربيل (تُسمى أحيانًا معركة جوجاميلا). وانتهت بذلك الإمبراطورية الأخمينية وأصبحت فارس جزءًا من إمبراطورية الإسكندر.

الأسرة السلوقية:

بعد أكثر من عشر سنوات من موت الإسكندر في 323ق.م، أسس سلوقوس، أحد قواده، أسرة لتحكم فارس والمناطق المجاورة. أنشأ السلوقيون العديد من المدن وأدخلوا الثقافة اليونانية في غربي آسيا وفي أواسطها، وتمكن الفرثيون من حكم فارس بدءًا من 155ق.م.

الإمبراطورية الفرثية:

استمرت حتى عام 224م. وقد أسس الفرثيون إمبراطورية واسعة بامتداد شرقي آسيا الصغرى وجنوب غربي آسيا. وفي المائتي عام الأخيرة من حكمهم، كان على الفرثيين أن يُحاربوا الرومان في الغرب وفي الكوشان، وهو مايعرف حاليًا باسم أفغانستان، ومن ثم اندلعت الحروب الأهلية في الإمبراطورية الفرثية.

وفي حوالي عام 224م، قام فارسي يُدعى أردشير بإطاحة الفرثيين، وتسلم الإمبراطورية الفرثية. وبعد أكثر من 550 سنة، وفي ظل حكام آخرين، استطاع الفرس أن يحكموا فارس مرة أخرى.

تنصيب أردشير الأول نحت بارز من نقش رستم، قرب برسيبوليس، ويظهر فيه الملك أردشير (على اليسار) مؤسس الأسرة الساسانية، يأخذ رمز الملك من أهورامازدا الإله الرئيسي في الزرادشتية.

الأسرة الساسانية:

سُمِّيت كذلك تكريمًا لاسم ساسان ؛ الجد الأكبر لأردشير. وقد حكمت الأسرة الساسانية في فارس حتى منتصف القرن السابع الميلادي. وقد استمرت الحرب بين الفرس والرومان طوال فترة حكم الساسانيين. وبعد أن اعتنق الرومان النصرانية في القرن الرابع الميلادي، بدأ الصراع يأخذ شكلاً دينيًا بين النصرانية والزرادشتية.

بلغت الحضارة الساسانية أوج قمتها في منتصف القرن السادس الميلادي حيث حقق الفرس عددًا من الانتصارات على الرومان وأعادوا احتلال أراضٍ كانت جزءًا من الإمبراطورية الأخمينية. تقدمت القوات الفارسية حتى أبواب القسطنطينية (إسطنبول، في تركيا حاليًا) التي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (الرومانية الشرقية)، ولكنهم هزموا هنالك وأجبروا على الانسحاب من كل الأراضي التي احتلوها.

أدى ظهور الإسلام، في جزيرة العرب، إلى نهاية سريعة للأسرة الساسانية في منتصف القرن السابع الميلادي، حين فتح المسلمون فارس حوالي عام 15هـ، 637م، ولم تمض سنوات قلائل إلا وكان الإسلام قد انتشر في سائر بلاد فارس. وكما صان الإسلام أرواح الناس بعد اعتناقهم له، فقد أبقى الحكام المسلمون على العمارة الفارسية، وفنونها، وآدابها مالم يتعارض ذلك مع جوهر الدين. لمزيد من المعلومات عن تاريخ فارس بعد دخول الإسلام، ★ تَصَفح: إيران.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية