بيركليس ( Pericles )
بيركليس |
وُلِد بيركليس بأثينا في أسرة عريقة ذات شرف ومكانة. وتلقى تعليمه على أيدي أشهر فلاسفة عصره آنذاك، وكانت والدته ابنة لأخت رجل الدولة المشهور كليسثينيز الذي قام بإجراء إصلاحات ديمقراطية كثيرة في حكومة أثينا. ★ تَصَفح: كليسثينيز. فقد خوَّل مجلس النواب والمجالس الشعبية السلطة لإدارة دفة الحكم في المدينة بعد أن كان ذلك من حق مجلس الأعيان، ولكن نظرًا لأن من كانوا يشغلون المناصب الحكومية لم يكونوا يتقاضون رواتب من الدولة، فقد كان من الصعوبة بمكان على الفقراء أن يتولوا أَية مناصب إدارية. إلا أن مجلس الأعيان سيطر على مقاليد الأمور مرة أخرى عقب وفاة كليسثينيز.
كان بيركليس مصممًا على مواصلة الإصلاحات الديمقراطية التي بدأها خاله، لذا نجد أنه عندما خاض غمار السياسة مع حزب الشعب الديمقراطي، قام هو وإفيالْتِس زعيم الحزب بالعمل معًا للحد من سلطات مجلس الأعيان. إلا أنه وجد معارضة ومقاومة من منافسه سيمون الذي كان يتزعم الحزب الأرستقراطي، وقد استطاع في نهاية المطاف أن يقصي منافسه هذا بحجة أنه كان يميل إلى صف الإسبرطيين منافسي أثينا الألدَّاء.
القائد الأثيني:
بعد مقتل إفيالتس عام 460ق.م تقريبًا، أصبح بيركليس زعيمًا للحزب وأقوى شخص في البلاد. وبذا استطاع أن يقوم بعدد كبير من الإصلاحات بوصفه رأسًا للدولة ؛ فقد أدخل نظام الرواتب التي صارت تمنح لموظفي الخدمة العامة في الدولة ولم يكونوا يتقاضون أجورًا على أعمالهم حتى ذلك الوقت. ولتنفيذ ذلك، بدأ بتطبيق هذا النظام على الموظفين المنتخَبين الذين يسمون الأرخون، ثم عمم ذلك على بقية الموظفين في وقت لاحق. ونعرف مما دونه أرسطو في كتابه دستور أثينا أنه كان هناك مالا يقل عن 20,000 شخص كانت أسماؤهم مسجلة في السجلات الخاصة برواتب الخدمات العامة. أما أبرز الإصلاحات الديمقراطية التي استحدثها بيركليس فكان في عام 457ق.م عندما سمح لعامة الشعب بتقلد أي عمل من أعمال الدولة.أراد بيركليس تعزيز قوة دولته، وأن يجعل من أثينا أقوى دولة في بلاد اليونان. وعمل على بسط سلطة أثينا عن طريق الفتوحات الخارجية، لذا فقد خاضت قوات أثينا حروبًا في كل من مصر وبيوتيا وجزر إيجة. وأدى ذلك إلى إثارة غضب إسبرطة، ومن ثَمَّ تدهورت العلاقات بينهما وقُطعت حبال الود التي كانت تربط بينهما.
الحرب مع إسبرطة:
لم تكن كل الحروب التي خاضها بيركليس موفقة، لذا فقد سمح لسيمون ـ منافسه القديم ـ بالعودة من منفاه لقيادة الجيوش. وبالفعل فقد وفِّق هذا الأخير في حربه التي خاضها ضد الفرس، مما أدى إلى عقد اتفاقية سلام معهم كانت في صالح أثينا وذلك عام 449ق.م. ولم تنقض ثلاث سنوات أخرى حتى وقَّعت أثينا اتفاقية سلام أيضًا مع إسبرطة مدتها ثلاثون عامًا، وكان من بين بنود هذا الاتفاق أن احتفظت أثينا بسلطتها على كل من إيجينا، وإيوبيا، ومدن الرابطة الديلية. وعلى الرغم من هذا الاتفاق إلا أن الإسبرطيين كانوا يحسدون أثينا على القوة التي وصلت إليها، وهنا خشي بيركليس ألا يدوم هذا السلام، فعمد إلى الاستعداد لهجوم محتمل من جانب إسبرطة، وقام بإدخال تحسينات على التحصينات المحيطة بأثينا.عمد الأثينيون إلى نقل كل أموال مدن الرابطة الديلية وخزائنها من ديلوس إلى بلدهم إبان حربهم مع الفرس. وحث بيركليس أهل أثينا على استغلال هذه الأموال وكذا الأموال التي جُبيت من الدول الخاضعة لسلطان أثينا في تعزيز الأسطول الأثيني وفي تجميل مدينة أثينا. وقد كلف أمهر المهندسين المعماريين وخيرة النحاتين في ذلك الوقت بالعمل على تشييد معبد نايكي وزخرفته، وكذلك إقامة المداخل الفخمة والأروقة وهيكل البارثينون وغير ذلك من المنشآت التي أُقيمتْ من أجل إضفاء البهاء والتألّق على أثينا. ونعمت الدولة بالرخاء والنجاح في عهده، وأسبغ رعايته على الآداب والفنون والفلسفة فازدهرت في عهده ازدهارًا عز نظيره في التاريخ القديم.
وفي عام 431ق.م أعلن التحالف البيلوبونيزي الذي تتزعمه إسبرطة الحرب على أثينا. وهنا عرض بيركليس على الشعب خطة جديدة، إلا أنها صعبة في سبيل حماية أثينا. فقد استدعى كل من يقطنون في القطاعات المحيطة بأثينا أن يلجأوا إلى داخل المدينة، وترك الإسبرطيين وحلفاءهم يعيثون فسادًا في تلك القطاعات. وأثناء ذلك استمر بيركليس في تعزيز الأسطول الأثيني على أمل أن تحقق أثينا النصر على الإسبرطيين بقوتها البحرية. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن ؛ فقد انتشر وباء الطاعون في المدينة فجأة عام 430ق.م ولقي كثير من الناس حتفهم. وهنا بدأ أهل أثينا يصبّون جام غضبهم على بيركليس ويلقون بالتبعة عليه في كل مالحقهم من بلاء حتى إنهم أقصوه عن السلطة لفترة وجيزة، إلا أنه أُعيد مرة أخرى ولم يلبث طويلاً حتى مات بالطاعون خلال الحرب.
★ تَصَفح أيضًا: أثينا ؛ أسبرطة.