معجل الجسيمات ( Particle accelerator )
مُعَجِّل الجُسَيمات نبيطة (أداة) كهربائية تسرع حركة الجسيمات الذرية كالإلكترونات أو البروتونات وتعطيها كمية كبيرة من الطاقة.
يستخدم العلماء المعجِّلات في أبحاثهم عن النواة والذرة، حيث تمُكن الفيزيائيين من تغيير ذرة عنصر ما إلى ذرة لعنصر آخر. وينتج هذا التغيير الذي يُسمى التحول النووي من التفاعلات التي تحدث عندما تصطدم الجسيمات المعجَّلة مع نواة أية ذرة. وتساعد المعجلات ذات الطاقة العالية الفيزيائيين على اكتشاف جسيمات جديدة، ودراسة علاقة هذه الجسيمات بالقوة التي تربط مكونات النواة ببعضها. وتتولد هذه الجسيمات الجديدة عند تحطيم النواة بالإلكترونات أو البروتونات التي عُجلِّت لسرعات كبيرة. ولهذا السبب تسمى المعجلات أحيانًا بمحطمات الذرة.
وللمعجلات استخدامات أخرى مهمة. ففي الصناعة تستخدم معجلات الإلكترونات كآلات أشعة سينية فائقة القدرة تكشف الصدوع الخفية للفلزات المصبوبة (الجزء المشكل)، وفي إنتاج أشباه الموصلات. وفي الطب، تستخدم المعجلات كآلات أشعة سينية لتشخيص وعلاج مرض السرطان .
في السيكلوترون يسحب الجسيم من مصدر الأيون خارجًا من خلال أحد الأقطاب شبه الدائرية والذي يطلق عليه دي. ويؤثر المجال المغنطيسي على تحرك الجسيم في مسار دائري. وفي كل مرة يقطع الجسيم فجوة معجلة يتلقى طاقة تدفعه للتحرك خارجًا حتى يصطدم بالهدف. |
كيف تعمل المعجلات:
تختلف المعجلات من حيث الحجم والتصميم، ولكنها جميعًا تعمل بطريقة واحدة. فكلها تستخدم الجسيمات المشحونة كهربائيًا فقط. وتستخدم معظم المعجلات الإلكترونات المشحونة بشحنات سالبة، أو البروتونات الموجبة الشحنة. وهذه الجسيمات تنتج بوساطة أجهزة خارج المعجل نفسه، ثم تطلق إلى داخل الحجرة أو الأنبوب المفرغ في المعجل.تُسرِّع المعجلات الجسيمات بوساطة مجال كهربائي، وهو منطقة من الفضاء تؤثر فيها القوة الكهربائية على الجسيمات المشحونة. ويتولد هذا المجال عمومًا خلال فجوة بين قطبيْن بينهما جهد كهربائي. وعندما تمر الجسيمات خلال هذه الفجوة المعجِّلة يسرِّع الحقل الكهربائي الجسيمات بالتأثير على شحناتها.
في المعجل التزامني ينحني الجسيم من خلال المجال المغنطيسي ليتحرك في مدار دائري ثابت. وبسبب اكتساب الجسيم للطاقة، فإن المجال المغنطيسي ينمو بشدة ليحافظ على حركته في نفس المسار. وبعد عبور الفجوة المعجلة لعدد من المرات يصل الجسيم إلى ذروة طاقتة ليندفع خارجًا بسرعة نحو الهدف. |
ويقيس الفيزيائيون طاقة الجسيمات المعجلة بوحدات تُسمى الإلكترون فولت. وتستطيع المعجِّلات توليد جسيمات ذات طاقة في مدى آلاف من الإلكترون فولت (كيلو إلكترون فولت) وملايين الإلكترون فولت وبلايين الإلكترون فولت أو تريليونات الإلكترون فولت.
أنواع المعجلات:
تصنف المعجلات حسب نوع المسار الذي تتبعه الجسيمات المعجَّلة. وهناك نوعان رئيسيان من المعجلات هما: المعجلات الدائرية والخطية.في المعجل الخطي يتحرك الجسيم في خط مستقيم من خلال أنابيب الإنسياق. وأثناء عبور الجسيم الفجوات المعجلة بين الأنابيب فإنه يكتسب السرعة، ويبدأ في بناء الطاقة. وتمكن أنابيب الانسياق الجسيم من المحافظة على سرعته، ولذلك يرتطم بالهدف بأقصى قوة. |
ويتردد المجال الكهربائي عبر الفجوة عند درجة تردد عالية، بحيث يتغير الطور عند مرور الجسيمات. وبعبارة أخرى فإن المجال يُعجِّل الجسيمات في اتجاه سريانها حالما تعبر الفجوة. وتُسمى هذه العملية التسارع الرنيني.
وتشمل المعجِّلات الدائرية أنواعًا كثيرة من الآلات ذات خصائص مختلفة. ففي السيكلوترون، على سبيل المثال، تثبت قيمة المجال المغنطيسي، وتأخذ الجسيمات مسارًا لولبيًا تجنح فيه إلى الخارج مع ازدياد طاقتها. وفي المعجل التزامني نجد المجال المغنطيسي يزداد قوة في كل مرة تتلقى فيها الجسيمات دفعة طاقة، مما يجعل الجسيمات تتحرك في مدار دائري ذي نصف قطر ثابت. والبيتاترون، مثل المعجل التزامني، له مجال مغنطيسي متزايد القوة. ولكن هذا المجال المغنطيسي له تأثير أكثر من ربط الجسيمات في مسارها الدائري. وبينما تتزايد قوة المجال المغنطيسي، ويُنتج أيضًا مجال كهربائي يعمل على تعجيل الجسيمات.
المعجلات الخطية تجعل الجسيمات الذرية تتحرك في خط مستقيم. تتحرك الجسيمات في أحد أنواع المعجلات الخطية خلال سلسلة من الأنابيب تُسمى أنابيب الانسياق، تفصل بينها فجوات معجلة. ويعجِّل المجال الكهربائي سريع التردد الجسيمات عند مرورها خلال تلك الفجوات، وتمكّن أنابيب الانسياق الجسيمات من الانسياب من فجوة إلى أخرى بدون فقدان في السرعة.
وهناك نوع آخر من المعجلات الخطية يعجل الجسيمات خلال أنبوب واحد طويل بوساطة موجة كهرومغنطيسية تتحرك مع الجسيمات. تنقل الموجة الجسيمات إلى طاقات أعلى بانتظام خلال انتقالها من بداية الأنبوب حتى نهايته.
نبذة تاريخية:
في عام 1932م كان للفيزيائي جون كوكروفت من بريطانيا وأرنست والتن من أيرلندا قصب السبق في تفتيت نواة الذرة بالجسيمات المعجلة. وقد سرّع معجلهما البروتونات إلى طاقة 500 ألف إلكترون فولت. وبمرور السنين قام علماء من أوروبا وأمريكا بتطوير معجلات قادرة على توليد طاقات كبيرة. وفى عام 1967م، بنى فيزيائيون من الاتحاد السوفييتي (سابقًا) معجِّل بروتونات تزامنيًا طاقته 76 بليون إلكترون فولت في سيربخوف. وفي عام 1972م، عجَّل فيزيائيون أمريكيون البروتونات إلى طاقة قدرها 400 بليون إلكترون فولت، باستخدام معجل تزامني ضخم. وكان ذلك في معمل فيرمي الوطني للتعجيل في باتافيا في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1986م، استُخدم معجل تزامني جديد لتعجيل البروتونات إلى طاقة تصل إلى 900 بليون إلكترون فولت.وفي عام 1987م، سرّع المعجل التزامني الفائق للبروتونات، في المعمل الأوروبي لفيزياء الجسيمات (سيرن) بالقرب من جنيف، بسويسرا، نويات الأكسجين إلى مايزيد عن ثلاثة تريليون إلكترون فولت. وقد وصلت سرعة الجسيمات إلى 99,9999% من سرعة الضوء.
وفي عام 1988م، أعلنت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن خطة لبناء أضخم معجِّل في العالم بالقرب من واكساهاكي بولاية تكساس. وسيبلغ مدى هذا المعجِّل الدائري نحو 85كم ويستخدم المغنطيسات فائقة التوصيل لدفع البروتونات إلى طاقة تقدر بحوالي 40 تريليون إلكترون فولت، غير أن مجلس النواب الأمريكي أصدر قرارًا بإلغاء هذا المشروع، بعد البدء في تنفيذه، في أكتوبر 1993م، بسبب ارتفاع تكلفته التي قُدِّرت بنحو 11 بليون دولار أمريكي.