الرئيسيةبحث

مريم ( Mary )



مريم ( - ). مريم بنت عمران بن ماثان (وليس بعمران أبي موسى إذ بينهما مئات السنين)، أطهر نساء العالمين القانتة البتول أم نبي الله عيسى عليه السلام. وأمها حنة بنت فاقوذ. وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم. لا يعرف تاريخ ولادتها أو وفاتها.

الحمل بها:

كانت القصة في ذلك أن نبيّ الله زكريا ابن بَرَخيَّا وعمران بن ماثان كانا متزوجين بأختين إحداهما عند زكريا بن برخيا وهي إيشاع بنت فاقوذ أم يحيى ؛ وكانت الأخرى عند عمران وهي حنة بنت فاقوذ أم مريم، عليها السلام، وكان قد أُمسك عن حنة الولد حتى أيست وعجزت، ثم تحركت عندها عاطفة الأمومة للولد، ودعت الله تعالى أن يهب لها ولدًا ونذرت أن تجعله خادمًا لبيت الله إن رُزِقته. فحملت بمريم، فحرَّرت مافي بطنها ولم تعلم ماهو، فقالت: ﴿رَبّ إني نذرت لك مافي بطني مُحَرَرًا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم﴾ آل عمران: 35 . والمعنى: نذرت لك ما أحمله في بطني عتيقًا عن الدنيا وأشغالها خالصًا لله تعالى وخادمًا لبيتك المقدس.

وكان المحرّر المنذور يجعل في المعبد يقوم عليه ويكنسه ويخدمه ولايبرح حتى يبلغ الحلم، فإذا بلغ خُيرّ بين أن يقيم وبين أن يذهب حيث شاء، وإن أراد أن يخرج بعد التخيير استأذن رفقاءه من السَّدَنة ليكون خروجه على علم منهم. ولم يكن محررًا منذورًا إلا الغلمان. فحرَّرت أم مريم مافي بطنها. فلما فعلت ذلك قال لها زوجها عمران: ويحكِ ماذا صنعت أرأيت إن كان مافي بطنك أنثى، والأنثى عورة لاتصلح لذلك، فوقعا جميعًا في همٍّ من ذلك، فمات عمران وحنة حامل بمريم ؛ فلما وضعتها، إذا هي جارية، فقالت حنة، وكانت ترجو أن يكون غلامًا، اعتذارًا إلى الله تعالى: ﴿ربِّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى﴾ آل عمران: 36 . أي في خدمة المعبد والعبادة فيه ؛ لعورتها وضعفها ومايعتريها من الحيض والنّفاس والأذى ﴿وإني سَمَّيتها مريم﴾ آل عمران: 36 . وهي بلغتهم العابدة والخادمة، وكانت مريم أجمل النساء وأمثلهن في وقتها.

فضائلها:

رُوي عن أنس، رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله ﷺ (حسبك من نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ) رواه الترمذي وابن حبان بإسناد صحيح. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: إن النبي ﷺ، قال: (مامن بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يُولد فيستهل صارخًا من مسّ الشيطان، غير مريم وابنها) رواه البخاري. وقال الله تعالى: ﴿ فتقبَّلها ربُّها بقبول حسن﴾ آل عمران: 37 . الهاء راجعة إلى النذيرة: أي فتقبل الله النذيرة: أي مريم بنت حنة ﴿وأنبتها نباتًا حسنًا﴾ آل عمران: 37. يعني سوَّى خلقها من غير زيادة ولانقصان، فكانت تنبت في المدة اليسيرة كما ينبت المولود في المدة الطويلة. وقال ابن جُرَيج: وأنبتها ربها في غذائها ورزقها نباتًا حسنًا حتى تمت امرأة بالغة.

كفالتها:

قالوا: لما ولدت مريم أخذتها أمها حنة، فلفتها في خِرْقة وحملتها إلى المحراب، ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم يومئذ يَلُون بيت المقدس ¸كما يلي الحَجَبَة أمر الكعبة·، فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافس فيها الأحبار لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فقال لهم زكريا: أنا أحق بها منكم، لأن عندي خالتها، فقالت له الأحبار: لاتفعل ذلك، فإنما لو تُرِكتْ لأحق الناس وأقربهم إليها، لتُركت لأمها التي ولدتها، ولكنا نقترع عليها، فتكون عند من خرج سهمه، فاتفقوا على ذلك، ثم انطلقوا وكانوا تسعة عشر رجلاً إلى نهر جارٍ، قيل: هو نهر الأردن، فألقوا أقلامهم: أي سهامهم، وقيل أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء، فارتفع قلم زكريا فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت في الماء، وكان رأس الأحبار ونبيهم، فذلك قوله تعالى: ﴿وكَفَّلها زكريَّا﴾ آل عمران: 37 . أي قام بأمرها. وكان إذا خرج أغلق عليها بابها، فإذا دخل غرفتها ﴿وجد عندها رزقًا﴾ آل عمران: 37 . فيقول لها: ﴿أنّى لك هذا﴾ آل عمران: 37 . فتقول: ﴿هو من عند الله﴾ آل عمران: 37 .

حَمْلها بعيسى وولادتها:

كان يوسف النجار ومريم يليان خدمة المعبد، وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذ كل واحد منهما قُلته، وانطلق إلى المغارة التي فيها الماء، فيستقيان منه، ثم يرجعان إلى المعبد. وفي يوم من الأيام انطلقت مريم للاستقاء وحدها حتى دخلت المغارة، فوجدت عندها جبريل، عليه السلام، قد مثله الله إليها بشرًا سَوِيًا، ﴿ فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرًا سويًا ¦ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا ¦ قال إنما أنا رسول ربّكِ لأهب لك غلامًا زكيًا ¦ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًا ¦ قال كذلكِ قال ربّك هو عليّ هيِّن ولنجعله آيةً للناس ورحمة منّا وكان أمرًا مقضيًا﴾ مريم: 17-21 . فلما قال لها ذلك استسلمت لقضاء الله، فنفخ في جيب درعها، فلما انصرف عنها لبست مريم درعها، وحملت بعيسى عليه السلام، ثم ملأت قُلَّتها وانصرفت إلى المعبد. ولما ازداد الحمل واتضح وعرفه ابن عمها يوسف، كتم ذلك في نفسه، وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه لما رأى من اصفرار لونها، وكَلَف وجهها وانتفاخ بطنها وضعف قوتها.

ولما أثقلت مريم ودنا نِفاسها خرج بها يوسف فاحتملها على حمار له حتى إذا كان قريبًا من أرض مصر في منقطع بلاد قومها، أدرك مريم النفاس، فألجأها إلى أصل نخلة يابسة، وذلك في زمن الشتاء.

ولما اشتد بها المخاض التجأت إلى النخلة، وكانت تلك النخلة في موضع يُقال له بيت لحم، فقالت حين اشتد الأمر ﴿ياليتني مِتُّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا ¦ فناداها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل ربك تحتك سريًا ¦ وهُزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رطبًا جنيًا﴾ مريم: 23-25 . وقالوا: لما ولدت عيسى أجرى الله لها نهرًا من ماء عذب بارد إذا شربت منه، وفاترٍ إذا استعملته، فذلك قوله تعالى ﴿قد جعل ربك تحتك سريًا﴾ مريم: 24 . وقيل لها ﴿هُزّي إليك بجذع النخلة﴾ مريم: 25 . أي حرّكيه ﴿تساقط عليك رطبًا جنيًا﴾ مريم: 25 . أي غضًا طريًا، قال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي خير من الرُّطَب، ولا للمريض خير من العسل.

عودتها إلى قومها:

لما هيأ الله، تعالى، لأَمَته مريم أمرها ويسَّر لها أسباب ولادتها، قال تعالى: ﴿فكلي واشربي وقَرِّي عينًا فإما تَرَيِنَّ من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا﴾ مريم: 26 . فأتت مريم بعيسى تحمله، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي قالوا ﴿يا مريم لقد جئت شيئًا فريًا¦ يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمّك بغيا﴾ مريم: 27، 28 . فمن أين لك هذا الولد فأشارت مريم إلى عيسى، أن كلِّموه، فغضبوا وقالوا ﴿كيف نكلِّم من كان في المهد صبيًا﴾ مريم: 29 . فقال عيسى عليه السلام وهو في المهد: ﴿إني عبد الله آتانِيَ الكتاب﴾ مريم:30 . فأقرّ على نفسه بالعبودية وكان أول كلامه تكذيبًا للنصارى وإقامة للحجة عليهم.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية