الخرطوم ( Khartoum )
منطقة السوق أمام أحد المساجد في أم درمان العاصمة الوطنية. |
ونظرًا لأن الخرطوم متاخمة للصحراء الكبرى في إفريقيا، فإنها تتميز بمناخ مداري حار وجاف، حيث تصل درجات الحرارة إلى أكثر من30°م في معظم أشهر السنة. وقد تصل أقصى درجات الحرارة في كل من شهري يونيو وديسمبر إلى 48°م و6°م على التوالي. ويمتد فصل الأمطار بين شهري يوليو وسبتمبر. ويبلغ المتوسط السنوي لهطول الأمطار 150ملم، يُفقد معظمها أثناء عمليات البخر ـ النتح ـ وذلك لشدة الحرارة. تتمتع العاصمة السودانية بطقس معتدل وجاف خلال فصل الشتاء، حيث يبلغ متوسط الحرارة اليومي في شهر يناير 24°م. ويتميز فصل الصيف بارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يساعد على هبوب الرياح المحملة بالأتربة. وبالرغم من شدة الحرارة أثناء ساعات النهار، فإن انخفاض درجة الحرارة ليلاً يلطف الجو كثيرًا، فالمدى الحراري اليومي في بعض أشهر السنة قد يزيد على 20°م.
الجامع الكبير ذو المئذنتين ترتفع مئذنتاه مطلتين على شارع نشيط الحركة في مدينة الخرطوم عاصمة السودان وثانية كبريات مدنه. |
السكان:
شهدت الخرطوم نمواً مطرداً منذ تأسيسها، فقد تضاعف عدد السكان 70 مرة في الفترة مابين عامي 1900م و1990م ؛ حيث أصبح عدد السكان 3,6 مليون نسمة بعد أن كان 50 ألف نسمة. وبالرغم من أن الزيادة الكبيرة في سكان العاصمة ناجمة عن الزيادة الطبيعية والهجرة ؛ إلا أن الهجرة أدت دورًا حاسمًا في الزيادة السكانية. وقد شهدت الخرطوم الكبرى أكبر تيارات للهجرة البشرية خلال تاريخها الحديث ؛ وبخاصة في العقد المنصرم (1983 - 1993م).من أهم الأسباب التي ساعدت على تدفق المهاجرين بهذه الأعداد الكبيرة القحط والمجاعة في غربي السودان والحرب الأهلية في جنوبي البلاد. هذا بالإضافة إلى عدم التوازن في التنمية الإقليمية الذي لازم البلاد منذ بداية القرن العشرين. والمهاجرون إلى الخرطوم الكبرى لايأتون فقط من داخل البلاد، ولكن وفدت أعداد كبيرة منهم عبر الحدود الدولية، حيث تعاني دول مجاورة مثل أوغندا وأثيوبيا وإرتريا وتشاد ظروف الجفاف والمجاعة وانتشار الحروب الأهلية. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن سكان الخرطوم قد تضاعف عددهم خلال الفترة مابين عامي 1983م و1990م من 1,3 مليون نسمة إلى 3,6 مليون نسمة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلات من اقتصادية واجتماعية وصحية. وقد تتضح أبعاد المشكلة إذا علمنا أن نصف هؤلاء السكان يعيشون فيما يعرف بالسكن العشوائي الذي ينتشر على هيئة طوق حول الحاضرة الأصلية، فبالإضافة إلى الآثار الديموجرافية للهجرة، فإن انتشار البطالة يشكل كارثة اقتصادية، كما أن تزاحم هذا العدد الكبير من السكان على الخدمات أدى إلى تدنّ كبير في كثير من الخدمات الضرورية ؛ مما حدا بالسلطات المحلية والقومية إلى اتخاذ بعض التدابير التي من شأنها تصحيح هذه الأوضاع حتى تستعيد العاصمة السودانية وجهها الحضاري اللائق بها.
ويمكن القول: إن السكان والعمران تأثرا بثلاث حقب زمنية، كان لكل منها بصماتها الخاصة على الأوضاع الديموجرافية في مدن العاصمة. ففي فترة المهدية (1885 - 1898م)، ظل الاهتمام بمدينة أم درمان كبيرًا لدرجة أنها نمت من قرية صغيرة لايتعدى عدد سكانها 200 نسمة إلى مدينة كبرى فاق عدد سكانها 150 ألف نسمة بحلول عام 1886م. وبدأت العاصمة المهدية تتحول من المعسكرات المؤقتة إلى المباني الثابتة، حيث شُقت الطرقات، وأُعدت الساحات، وبُني السور حول قلب المدينة المتمثل في بيت الخليفة وبعض المرافق المهمة.
وقد ظل موقع الخرطوم طوال هذه الفترة خاليًا من السكان والعمران، بينما كانت الخرطوم بحري ما تزال قرية صغيرة.
أما الفترة الثانية فتُعرف بفترة الحكم الثنائي (1898 - 1956م) وقد زاد الاهتمام في هذه الفترة بمدينة الخرطوم التي حظيت بالمباني الحكومية والسكنية الحديثة، كما لقيت مدينة الخرطوم بحري بعض الاهتمام، وبخاصة بعد وصول الخط الحديدي إليها، ثم بناء الميناء النهري وإنشاء بعض المصانع. أما مدينة أم درمان فقد أُهملت من قِبل الحكام الجدد. فبينما نمت مدينة الخرطوم، من أطلال غير مأهولة عام 1898م، إلى مدينة تنبض بالحركة والنشاط عام 1913م حيث وصل عدد سكانها إلى 25 ألف نسمة، ظل سكان مدينة أم درمان في تناقص بعد هزيمة الجيوش المهدية في موقعة كرري (1898م) وتقلص عدد سكان المدينة من 150 ألف نسمة عند بدء المعركة إلى مايقرب من 50 ألف نسمة خلال الأيام القليلة التالية.
وبعد أن استقرت الأوضاع للمستعمرين ؛ بدأت المدن الثلاث في النمو المطرد، بحيث وصل عدد سكان هذه المدن، مع الاستقلال وبدء التعداد الأول للسكان عام 1956م إلى مايقرب من 250 ألف نسمة. أما فترة الاستقلال التي بدأت عام 1956م فقد شهدت نموًا كبيرًا في سكان العاصمة السودانية، وكان معظم هذه الزيادة ناتجًا عن الهجرة التي تسببت فيها العوامل سالفة الذكر. بالإضافة إلى هذا، ظل اهتمام الحكومات الوطنية المتعاقبة بالعاصمة كبيرًا ؛ الأمر الذي زاد من الفجوة بينها وبين أقاليم البلاد المختلفة، ومن ثم زاد من تيارات الهجرة إليها. فقد وصل سكان الخرطوم الكبرى وفق التعداد الثاني للسكان عام 1973م إلى 800 ألف نسمة، وعندما تم التعداد الثالث عام 1983م كان عدد السكان 1,3 مليون نسمة، أما في التعداد الخاص بالعاصمة القومية عام 1990م، فقد بلغ عدد السكان 3,6 مليون نسمة.
يلاحظ أن الكثاقة السكانية داخل المدن الثلاث متباينة، ليس فقط بين مدينة وأخرى، ولكن أيضًا داخل المدينة الواحدة وتظل الفوارق في الكثافة السكانية كبيرة في مدينة الخرطوم مقارنة بمدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، وذلك لتعدد الطبقات الاقتصادية والاجتماعية فيها، لهذا تراوحت الكثافة في مدينة الخرطوم ما بين 500 نسمة/كم² في مناطق الإسكان الراقي، و27,000 نسمة/كم² في مناطق الإسكان الشعبي. وإذا أخذنا في الاعتبار أن معظم المباني في العاصمة من نوع الطابق الواحد، بالإضافة إلى المساحات المخصصة للساحات والملاعب والطرق والمرافق العامة، لأمكننا أن ندرك حالة الاكتظاظ السكاني الذي تعيشه العاصمة السودانية وبخاصة في مناطق الإسكان الشعبي والعشوائي، حيث تصل الكثافة في هذه المناطق إلى أكثر من 30,000 نسمة/كم².
وصلت عملية استـغلال الأرض في الخرطوم الكبرى إلى درجة عالية من التعقيد، وذلك لتعدد الوظائف التي تقوم بها المدن الثلاث. وقد زاد من حدة هذه المشكلات سرعة نمو المدن وتوسعها الأفقي في كل اتجاه. ويعتبر الاستـغلال السكني أهم أنواع الاستغلال حيث إنه يستحوذ على 80% من الأرض الحضرية. ومن الاستخدامات الرئيسية الاستخدام الإداري، ويتركز معظمه في مدينة الخرطوم، حيث توجد دواوين الحكومة والاستخدامات الصناعية، ويوجد معظمها في مدينة الخرطوم بحري، والاستخدامات التجارية، وهي موزعة بين المدن الثلاث.
أما الاستخدامات الخدمية والترويحية فتشغل مساحات أصغر نسبيًا. ومن الأسباب التي ساعدت على التوسع الأفقي للمدن كبر المساحة المخصصة للسكن الواحد، إذ إنها تتراوح مابين 300م² في حالة الإسكان الشعبي، وأكثر من 1,000م² في حالة الإسكان الراقي أو مساكن الدرجة الأولى. وقد قُسِّمت المناطق السكنية منذ فترة الاستعمار إلى ثلاث درجات بناء على المساحة المخصصة، ومواد البناء. فالمساكن في الدرجتين الأولى والثانية خُصِّصت لها المساحات الأكبر ومواد البناء الثابتة الحديثة، بينما مساكن الدرجة الثالثة خُصِّصت لها المساحات الأصغر وتبنى من الطوب والطين. وفي الوقت الحاضر، يمكن اعتبار السكن العشوائي سكنًا من الدرجة الرابعة، حيث تتدنى مساحة المسكن فلا تزيد على مساحة الغرفة الواحدة التي غالبًا ماتُبنى بمواد مؤقتة.
ومن اللافت للانتباه في العاصمة السودانية صغر المساحات المخصصة للساحات والمتنزهات والحدائق العامة مقارنة مع حجم السكان، ومما لاشك فيه أن الظـروف المناخية السائدة المتمثلة في المناخ المداري الجاف تستدعي تخصيص مساحات أكبر من الساحات الخضراء تكون متنفسًا لتلك الأعداد الكبيرة من السكان.
منظر لأحد الجسور المقامة على النيل في العاصمة الخرطوم، حيث يربط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان. |
الحياة الثقافية والمزارات السياحية:
تتركز في الخرطوم دواوين الحكومة الفيدرالية، إضافة إلى حكومة ولاية الخرطوم، والإدارات المحلية والشعبية. ويُعتبر مُجَمَّع الخرطوم الحضري مركزًا وطنيًا للتعليم العالي، حيث توجد به ثماني جامعات، إضافة إلى المعاهد الفنية والتجارية والدينية والهيئات العلمية والبحثية. ومن أهم المجالس العلمية: المجلس القومي للتعليم العالي والمجلس القومي للبحوث.وتصدر في العاصمة الصحف اليومية والمجلات العلمية والأدبية، وتوجد بها دور النشر، والمكتبات العامة، والخاصة، والأندية الثقافية والرياضية، وفرق الفنون الشعبية، والمسارح، ودور السينما.
أما أماكن الزيارة في مدينة الخرطوم فتشتمل على حديقة الحيوان ومتنزه المقرن للألعاب، والمتاحف الوطنية والطبيعية، والإثنية، والقصر الجمهوري، وقباب الأتراك. كما توجد في مدينة أم درمان قبة المهدي، وجامع الخليفة، ومتحـف المهدية (بيت الخليفة) وبوابة عبد القيوم، وسوق أم درمان المركزي ذو الطابع الشعبي ودار الإذاعة والتلفاز، والمسرح القومي. وفي مدينة الخرطوم بحري، يمكن زيارة الأحياء الشعبية مثل حلة حمد، وحلة خوجلي، والميناء النهري، والحدائق العامة والخاصة. كما يمكن الاستمتاع بالرحلات وزيارة جزيرة توتي الواقعة عند ملتقى النيلين.
الاقتصاد:
تعتبر الحكومة أكبر مستخدم للعمالة في العاصمة وبخاصة في القطاعات الإدارية والخدمية. كما أن للقطاع الخاص دورًا مهمًا في الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية، وتتركز الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بوجه عام في العاصمة السودانية بصورة لاتتواءم مع حجم السكان. فبينما تقل نسبة سكان العاصمة عن 10% من جملة سكان البلاد، نجد أن العاصمة تستحوذ على 75% من المؤسسات الصناعية في السودان و65% من الخدمات المصرفية والتجارية و57% من الأطباء و21% من أَسِرة المستشفيات ومايقرب من 90% من الجامعات.نبذة تاريخية:
تشير بعض الدراسات الأثرية إلى أن ملتقى النيلين الأبيض والأزرق ظل موطنًا للإنسان منذ عهود سحيقة. وقد بينت هذه الدراسات وجود مستوطنات بشرية على موقع الخرطوم الحالي، نحو عام 4000ق. م، كما عُثر في الموقع نفسه على بقايا مستوطنات يرجع تاريخها إلى عهد نبتة ومروي (750ق.م - 350م) وكذلك العهد النصراني (540م - 1504م)، مما يدل على أن ملتقى النيلين كان مأهولاً بالسكان عبر فترات متصلة منذ أزمنة سحيقة. كما عُثر على أدوات يرجع تاريخها إلى العصر الحجري في كل من خور أبي عنجة في مدينة أم درمان، وكذلك في قرية الشهيناب على بعد 50كم شمالي المدينة نفسها. كل هذا يشير إلى أن الإنسـان عرف منذ زمن بعيد الأهمية الإستراتيجية لهذا الموقع المتميـز عند ملتقى النيلين. ويمكنـنا القـول إن الخرطوم الكبرى التي نراها اليوم تقف على أرض تمتد جذور تاريخها الحضري إلى عصور قديمة تعود إلى فترة نشأة المدن الأولى في التاريخ.أما التاريخ الحديث للخرطوم ؛ فيبدأ بتأسيس أول نواة للاستيطان في جزيرة توتي في منتصف القرن الثاني الميلادي، ومنها انتشر العمران في مواقع الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان. وعندما حكم الأتراك السودان ؛ قاموا باختيار الخرطوم عاصمة لهم عام 1821م. أما أم درمان، فقد اختارها الإمام المهدي عاصمة له عام 1885م. ويبدأ التاريخ المعاصر للعاصمة السودانية بفترة الحكم الثنائي (1898 - 1956م) عندما بدأ لورد هربرت كتشنر بتنفيذ مخططه لبناء مدينة الخرطوم على طراز المدن الغربية.
★ تَصَفح أيضًا: السودان ؛غوردون، تشارلز جورج.