الرئيسيةبحث

ولاية بدية

بدية.. من هنا بدأ العمران ينتشر، وبدأت الحياة تزخر بمعطيات جديدة، أضاف إليها الإنسان جديداً إلى جانب ما قدمته الطبيعة من ثراء الأرض، واعتدال المناخ ووفرة المياه فأثمرت أجمل المدن، وأزهرت الحدائق والبساتين، إنها حسناء أخجلتها نظرات عذرية، تدثرت بوشاح يحاكي الشمس في أصيلها.. المدينة تعانقها الكثبان الرملية في اتحاد أبدي .. تعانق قلاعاً صاغتها أيادي أبناء المدينة الذين طوعوا رمال الصحاري فأحالوها جنانا تفوح من بين جنباتها روائح الزهر، وعبق الياسمين، إنها الأيادي العمانية خلدت بصماتها في تلك الصحاري، أحالت الصحراء إلى جنان سياحية ساحرة فاتنة تواكب سياحة عمانية متعددة الطبيعة.

موقعها يجاورها من الشمال ولاية القابل، ومن الجهة الشرقية تجاورها ولاية الكامل والوافي ووادي بني خالد. شعارها النخلة في السلطنة لها شأن كبير في نفوس العمانيين فحافظوا على هذه الشجرة المباركة أباً عن جد وذلك بما تجود على الإنسان من فضائل عديدة وتتعدد في الولايات العمانية مختلف أنواع وأصناف النخيل، وفي الحقول الخضراء تلوح نخلة المبسلي شعار ولاية بدية بشموخها وسعفها وبسرها الأصفر في فصل القيظ الذي يطبخ في أفران تقليدية بعد أن يكتمل اصفراره فتبدأ مواقد التبسيل في العمل. معالمها تعلو بين ربوع بدية مطاولة أشجارها الوارفة في محبة وتآلف العديد من القلاع والحصون ومن أبرز المعالم الأثرية (حصن المنترب) الذي تلوح أطلاله للزائر من بعيد ونظرا لأهمية هذا الحصن الشامخ بين ربوع بدية أعيد ترميمه في مطلع التسعينات ويقف اليوم وقفة الشوامخ المعمارية التي تفتخر بها الولاية، كما توجد في قرية الواصل قلعة تحفها أبراج منيعة وتعد من أبرز المعالم الأثرية فيها، وهناك حصون في الحوية والغبي والشارق ولكل حصن سيرته التاريخية تتناقلها الألسن، وتوثقها بعض مصادر التاريخ العماني حسب الحوادث التي دارت فيها، كما توجد العديد من المعالم الأخرى ومنها البيوت الأثرية والأبراج والمساجد القديمة. رياضة الهجن والخيول وللهجن والخيول العربية الأصيلة أكثر من قصة عاشها وعشقها الإنسان العماني منذ أمد بعيد فعلى ظهورها نشأ الفرسان، يسابقون الريح والأحلام والطموحات، من أجل ذلك تقام سباقات تظهر فروسية وشجاعة الشباب، وتحيي أمجاداً تليدة عاشها الإنسان مع الهجن والخيل ومثل هذه السباقات تقام في المناسبات والأعياد، يختلط فيهاء رغاء الإبل وصهيل الخيل، وبأغاني الفرح الشعبية . أعلام بدية بدية ذات الطبيعة الصحراوية برمالها التي تشد النفس إليها وبجمال قراها ويبرز من خلال مختلف أشجارها الباسقة وعيونها الدافئة وأفلاجها السلسبيل وقلاعها وحصونها الصامدة برز في هذه الدرة الساطعة في الشرقية الفتية العديد من الفقهاء والشعراء منهم: الشيخ محمد بن سالم بن سيف الحجري كان عالما زاهدا والشيخ سلطان بن عبيد الحجري الذي قام ببناء المسجد المعروف باسمه في بلدة المنترب والشيخ عامر بن حمد بن سالم الذي أوقف المال لشراء الكتب وتوزيعها على تلاميذه وطلبة العلم والشيخ الفقيه علي بن ناصر بن عامر بن علي الغسيني ولد في القرن الرابع عشر من الهجرة ودرس العلوم العربية والدينية والفقهية عند الشيخ القاضي سعود بن عامر المالكي ولازمه في أكثر أوقاته حتى صار مدرسا للنحو وغيره توفي عام 1393 هجرية والشيخ عامر بن علي الحجري كان أديباً وشاعراً كانت تربطه صداقة بالأديب والشاعر محمد بن شيخان السالمي والشيخ علي بن سالم بن ناصر الحجري اشتهر بكثرة الاطلاع قام بنسخ أكثر من مائة كتاب قامت وزارة التراث والثقافة بطبع أجزاء منها، وفي بدية الكثير من الأدباء والشعراء، وفي بدية معلم ثقافي وحضاري في حياة الناس إنها مكتبة السالمي، فهي مكتبة أسرة السالمي التي ينتمي إليها العالم الجليل عبدالله بن حميد السالمي الملقب بنور الدين، ومكتبة السالمي مفتوحة لكل الناس يفدون إليها، ويطالعونها ، ويستنيرون منها كمصدر إشعاع ثقافي وعلمي يفتخر الجميع بوجوده بينهم، على مدخل المكتبة زين صورها بأبيات من الشعر تقول: دار أشعة وجهها بهرت عيون المبصر قالت لمن آوى إليها أهلا بكم من معشر طبتم وطاب لقاؤكم وحللتمو بالأنسر السياحة بدية تتعدد بها المعالم السياحية ما بين رمال وجبال وأفلاج وعيون وأودية يعشق زائرها كل قرية من قراها. وفي ولاية بدية الكثير من الأفلاج التي تروي ضواحيها من بينها أفلاج المنترب والغبي والشارق وهاتوه ودبيك والقاع والراكة وشاحك والحوية والظاهر وفلج الحيلي كلها تحمل أسماء وعناوين مدنها، وهناك عيون تنضح بمياه عذبة وتنتشر في قرية الظاهر منها عين يايا، وعين حبسين وعين أبو سحيلة وأبو غافة وابو صريمة وعين التمر، وبقطرة الماء تكونت قرى خضراء تلوح للعين وكأنها لوحات تشكيلية لوحات رسمتها السواعد الفتية لأبناء بدية قبل عقود من السنين. والزائر إلى بدية من الوهلة الأولى يشعر بالأناقة في الشوارع والمنازل والحدائق، يخامرك الإحساس بأنك بدأت تعرف الفن وتتذوقه في بدية وتحس في بلدة الواصل تلك الصورة الجميلة وفي المنترب وفي الحوية والراكة هذه الواحة الصحراوية الجميلة التي تمتاز بطبيعة ساحرة وتشكل الراكة بوابة الرمال وملتقى القوافل قديما وحديثا وملتقى الرحلات السياحية المتجهة نحو رمال الشرقية وفي كل قرى ولاية بدية يبقى الإحساس ذاته يرافقك، وأنت ترى الشوارع حتى الترابية لها نظرة خاصة من سائح لأنها تجاور كثبانا رملية وتدهش الناظر إليها، والبيوت قد وضع فنان تشكيلي بصمته عليها من التصميم والألوان والتنظيم، إحساس بالأناقة في الشكل يرفعك إلى أناقة السلوك، تاريخ عريق يتحدث عن نفسه في كل ربوع وساقية وفلج ونخلة، شواهد عملاقة تحكي قصة ابن بدية وأمجاده التاريخية .. والرحلة في رمال بدية ذات نكهة خاصة حيث صنعت الطبيعة لنفسها عالما لم يعكره صخب المدينة ولا ضجيجها ولم يتلوث فابن بدية يشهد له أنه استطاع أن يحاور هذه الصحاري وأن يحترم لها خصوصيتها .. فكان حواراً جميلاً بين بدية المدينة والصحراء.. الليل في كثبان بدية لحظات للتأمل .. نسمات (الكوس) تضفي على المكان روحانية خاصة.. سكون الليل يهمس في آذان نجمات السماء المكان يغلفه هدوء سرمدي لا تقطعه إلا زقزقات العصافير التي تتنقل بين أشجار الغاف والسمر.. قد يصادفك الحظ وتشهد عناق المطر بكثبان رمال بدية .. منظر الأودية وهي تنساب فوق الرمال الذهبية، لوحة بدية تختلط فيها ألوان الطيف فتبدو للناظر لوحة بديعة صاغتها يد القدرة الإلهية، تتوزع قرى ولاية بدية كحبات لؤلؤ صاغتها يد فنان بارع، وضمتها إلى عقد ذهبي لتواكب سياحة جميلة برمال صفراء بديعة على روابي بدية. (منقول)