وادي قاديشا من أعمق وديان لبنان، وزيارته تعني التجوال في عالم فريد قائم بذاته. ففي أعماق هذا القفر الموحش المخضوضر، يسيل نهر قاديشا الذي ينبع من مغارة تقع عند أقدام «أرز الرب» التي تُشرف عليها «القرنة السوداء»، أعلى قمم جبال لبنان.
يبدأ الوادي عند بلدة بشرّي، ويصبّ فيه عدد من الوديان الرافدة التي تجتمع مياهها فيه لتسيل باتجاه البحر، بعد أن يكون النهر قد عبر طرابلس وتحوّل فيها اسمه من نهر قاديشا إلى نهر أبي علي الذي يأتيه من اسم فخر الملك أبي علي بن عمّار، آخر قضاة أسرة حكمت طرابلس في العصر الفاطميّ عشيّة بدء الحملات الفرنجيّة المعروفة بالصليبيّة.
أما كلمة «قاديشا» فمُشتقّة من جذر سامي يعني «القداسة»، بحيث بات «وادي قاديشا» يعني «الوادي المقدّس». وبعكس ما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان من خلال وجود الأديار والكنائس والصوامع فيه، من المحتمل أن يكون هذا الاسم قد أطلِق على الوادي قبل دخول المسيحيّة إلى المنطقة. وقد يكون في الأصل صفة أحد البعول التي كانت تُكَرّم في المنطقة، وهو «البعل القدّوس» الذي كان له معبد عظيم في طرابلس في العصر الروماني، حيث كان يُعرَف باسم «زوش هاجيوس» (Zeus Hagios) أي «زوش القدّوس».