نيكوس كازنتزاكيس (يونانية: Νίκος Καζαντζάκης)) يُعتبَر الكاتب اليوناني من أبرز الكتَّاب والشعراء والفلاسفة في القرن العشرين. فقد ألَّف العديد من الأعمال الهامة في مكتبة الأدب العالمي، تضمَّنت المقالات والروايات والأشعار وكتب الأسفار والتراجيديات، بالإضافة إلى بعض الترجمات. وقد تُرجِمَتْ كتبُه إلى أكثر من 40 لغة.
فهرس
|
ولد نيكوس كازنتزاكيس في 18 شباط من العام 1883 في جزيرة كريت ، وأمضى طفولته في هذه الجزيرة التي خاضت حرباً ضد الأتراك لنيل استقلالها ، وكان والده (الكابتن ميخائيل) ضمن الذين حاربوا الأتراك . على الرغم من أن والده لم يكن متعلم ، فقد أراد لابنه أن يكمل تعليمه لأنه كان يؤمن: "بإن النضال لا يقتصر على القتال ، بل يكون أيضاً بالعلم" لذا أرسل ابنه لدراسة الحقوق في مدرسة القانون في اثينا . حصل كازنتزاكيس على شهادة الدكتوراه في الحقوق عام 1906 ، ثم سافر لدراسة الفلسفة في باريس حتى عام 1909 . أمضى كازنتزاكيس معظم فترة شبابه في رحلات تأمليه ، حيث اعتكف في جبل آثوس ، وزار العديد من أديرة اليونان وكنائسها, كما زار القدس وسيناء مصر. كما سافر إلى العديد من دول العالم، الأوروبية منها والآسيوية، مثل إسبانيا، الصين، اليابان، روسيا، فرنسا، الهند، إيطاليا، وبريطانيا.
تزوج في عمر متأخر من صحفية وكاتبة يونانية تدعى إيليني. ولأنه كان يفضل العزلة، لم تكن زوجته تلتقي به إلا عشرة أيام فقط في السنة، وذلك في عقد عائلي سُمِّيَ عقد "الأيام العشرة".
إبان فترة دراسة كازنتزاكيس في باريس، تأثَّر بالفيلسوف والشاعر الألماني نيتشه، الذي غيَّر نظرته كما يقول إلى الدين والحياة والله، ودعاه إلى التمرد على أفكاره ومعتقداته القديمة كلِّها. حتى نظرته إلى الفنِّ تغيرت، وأدرك أن دور الفن يجب ألا يقتصر على إضفاء صورة جميلة وخيالية على الواقع والحياة، بل إن مهمته الأساسية هي كشف الحقيقة، حتى لو كانت قاسية ومدمِّرة. يقول كازنتزاكيس في نيتشه:
"ما الذي قام به هذا النبي؟ وما الذي طلب منَّا أن نفعله بالدرجة الأولى؟ طلب منَّا أن نرفض العزاءات كلَّها: الآلهة والأوطان والأخلاق والحقائق، وأن نظلَّ منعزلين دون أصحاب ورفاق، وأن لا نستعمل إلا قوتنا، وأن نبدأ في صياغة عالم لا يُخجِل قلوبنا."
رغم انتقاده الدائم للأديان إلا أنه لم يكن ينتقد رجال الدين كأفراد، وإنما ينتقد استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسؤولية والعمل الفعَّال.
بعد مغادرة كازنتزاكيس لباريس، سافر إلى فيينا. وهناك بدأ مرحلة جديدة من حياته من خلال التعرف إلى بوذا، حيث عكف على دراسة المناسك والتعاليم البوذية، وحسب وجهة نظره أن دين المسيح كان ينظر إلى الحياة نظرةً مبسَّطة ومتفائلة جدًّا، على عكس بوذا الذي ينظر إلى الكون بعين ثاقبة وعميقة. لقد أحب بوذا بوصفه معلمًا ومرشدًا روحيًّا ومخلِّصًا. يقول كازنتزاكيس في بوذا:
"من بين الناس الذين ولدتْهم الأرضُ جميعًا يقف بوذا متألقًا في الذروة، روحًا نقية خالصة، دون خوف أو ألم، مليئًا بالرحمة والحكمة. كان يمدُّ يده ويفتح الطريق إلى الخلاص وهو يبتسم بوقار، والكائنات كلُّها تتبعه دون تفكير، وتخضع بحرية."
لقد كان بوذا في نظر كازنتزاكيس المرشد الذي نظَّم فوضى أسئلته، وأعطاه السكينة والسلام الداخليين .
تطوع في العام 1912 في الجيش اليوناني في حرب البلقان، ثم عُيِّنَ في العام 1919 مديرًا عامًّا في وزارة الشؤون الاجتماعية في اليونان، وكان مسؤولاً عن تأمين الغذاء لحوالى 15 ألف يوناني وعن إعادتهم من القوقاز إلى اليونان. لكنه استقال بُعيد ذلك من منصبه. عمل في السياسة لفترة قصيرة، ثم عُيِّن وزيرًا في الحكومة اليونانية في العام 1945، ثم مديرًا في اليونسكو في العام 1946. وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالم لتعزيز جسور التواصل بين الحضارات، خاصة بين الشرق والغرب. استقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة.
كتب الأوديسة في ملحمة مؤلَّفة من 33.333 بيتًا. وقد بدأها من حيث انتهت أوديسة هوميروس. وقد اعتُبِرَ هذا العملُ ثورةً في مجال المفردات اللغوية والأسلوب، كما أظهر مدى عمق معرفة كازنتزاكيس بعلم الآثار والأنثروبولوجيا. كما كتب وترجم العديد من الأعمال الأدبية الهامة، نذكر منها:
تعرضتْ بعضُ أعمال كازنتزاكيس للرقابة، ومُنعَ نشرُها في بعض دول العالم. إلا أن كتاب الإغواء الأخير للمسيح الذي نُشِرَ في العام 1951 اعتُبِرَ الأكثر إثارة للجدل، إلى درجة أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منعت الكتاب؛كما عمد البابا آنذاك إلى إدراج كتابه ضمن لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان سنة 1954 والذي أثار الجدل ذاته بعد أن قام المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي بإخراج هذا العمل في ثمانينيات القرن الماضي
مُنِحَ كازنتزاكيس في 28 حزيران من العام 1957 جائزة لينين للسلام في مدينة فيينا. ترشح في العام 1956 لجائزة نوبل، لكنه خسرها بفارق صوت واحد في التصويت، وحصل عليها ألبير كامو.
كان في آخر أيامه يطلب من ربِّه أن يمدَّ في عمره عشر سنوات أُخَر ليكمل أعماله و"يفرغ نفسه"، كما كان يقول. وكان يتمنى لو كان في إمكانه أن يتسول من كلِّ عابر سبيل ربع ساعة بما يكفي لإنهاء عمله. توفي في 26 تشرين الأول سنة 1957 في ألمانيا عن عمر 74 عامًا، ونُقِلَ جثمانُه إلى أثينا. ولكن الكنيسة الأرثوذكسية منعت تشييعه هناك، فنُقِلَ إلى كريت، وكُتِبَتْ على شاهدة ضريحه، بناءً على طلبه، هذه العبارة من قصص التراث الهندي: "لا آمُل في شيء، لا أخشى شيئًا، أنا حر".
خُصِّصَ له متحفٌ صغير في جزيرته كريت فارفاري ميرتيا، واحتوى هذا المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة قيِّمة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى النسخ الأولية لكتبه، وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله. تمَّ إخراج أربعة أفلام أُخِذَتْ عن رواياته، وهي: الهوى اليوناني، وزوربا، والإغواء الأخير للمسيح، ومؤخرًا، فيلم مأخوذ عن كتاب الإسكندر الأكبر. تقول عنه زوجته إنه كان نقيًّا وبريئًا وعذبًا بلا حدود مع الآخرين؛ أما مع نفسه فقد كان شديد القسوة، ربما لإحساسه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه وحجم العمل المطلوب منه، ولأن ساعاته في الحياة محدودة.