الرئيسيةبحث

نورالدين عبدالله بن حميد السالمي

من أبرز علماء عمان المسلمين . العلامة عبد الله بن حميد السالمي الذي درس سلوك المسلمين وعقائدهم دراسة شاملة موضوعية قائمة على الأدلة الشرعية والأدلة العقلية، بحيث تمكن هذا العالم الجليل من كشف الازدواجية الخطيرة بين القول والعمل، السائدة في سلوك المسلمين فهذه الظاهرة تعد خروجا عن الإيمان الصحيح. وهكذا فإن الإيمان العملي الصالح هو الشرط الأول والضروري لبناء عقيدة المسلم وشخصيته، إن هذه القيمة الجوهرية التي عالجها الشيخ السالمي ودافع عنها بكل قوة ووضوح في كتبه وخطبه جعلتنا بالضرورة نحلل ونبين قيمته العلمية والأخلاقية والأدبية، فهذه الفكرة تعد مدخلا لدراسة وإلقاء بعض الضوء على عظمة هذا العلم الكبير الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي الحديث بدون جدال.


الإمام عبد الله بن حميد السالمي 1- الشيخ عبد الله بن حميد السالمي: نسبه: نسبه: وهو العلامة المحقق الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم بن عبيد بن خلفان بن خميس السالمي، أما والده فهو الشيخ حميد- رحمه الله- كان ذا فضل وعلم وتقوى، فقد ولد شيخنا عبد الله بن حميد ببلدة الحوقين من ولاية الرستاق العمانية عام 1286هـ في هذه البلدة الطيبة العمانية، تخلق بالأخلاق القرآنية وتعلم أصل اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم على والده الشيخ حميد رحمه الله.

2- كنيته : كني الإمام نور الدين السالمي بكنيتين : أولاهما : يكنى بأبي محمد وذلك نسبة إلى أكبر أبنائه محمد بن عبدالله السالمي . ثانيهما : يكنى بأبي شيبة نسبة إلى لقب ابنه الأكبر الذي كان يلقب بالشيبة وقد اشتهر بذلك حتى إن الإمام أبا مسلم البهلاني ناداه في إحدى مراثيه بقوله : يــــا أبا شيبة من أرجو لها ** حـــسبي الله إذن عـــز وجــــل يا أبا شيبة عـــزّ المــلتقـى ** وقــطين الــرمس مقطوع النقـــل يـــا أبا شيبة عــزّت حيلة ** دفــاع المــوت أو وصـل الأجــل

3- ومولده وتعلمه : بدأ الشيخ حياته في بلده الحوقين التابعة لأعمال الرستاق ، وفي هذه القرية بدأ الشيخ يتعلم على يد والده القرآن الكريم ومبادئ الدين الحنيف ، كما هي العادة ، ثم نشبت نار الخلاف بين قبيلته السوالم وقبيلة الخضور فهاجرت قبيلة الشيخ تاركة الحوقين إلى بلدة (الخبة) من بلدان الباطنة فلبث بها الشيخ إلى ما شاء الله من الزمان ، وما هي إلا أيام من الدهر حتى هاجر الشيخ منها إلى الرستاق حيث منبع العلم والعلماء حينئذ وهناك وجد الشيخ ضالته وبدأ ينتقل بين مشائخها الكبار كالشيخ راشد بن سيف اللمكي الذي كان يدرس في مسجد قصرى . لما كان الشيخ ابن اثنى عشر عاما فقد بصره ولكن الله عوضه ببصيرة تدرك الأشياء وحافظة جبارة تحفظ كل ما تسمع . وتمر الأيام على الشيخ وهو يدرس بالرستاق وبدأت تظهر علامات النبوغ لمشائخه ، فلاحظ الشيخ اللمكي في تلميذه سرعة الفهم وقوة الذكاء ، والحفظ الغريب ، فأعجب به الشيخ وبدأ يقدمه على زملائه ، ومن ذلك أنه رآه مرة يقرأ في كتاب لامية الأفعال فأخذ الإستغراب من الشيخ مأخذه وقال له كيف تقرأ ما لا تفهمه ؟ فقال : إنني أفهمه وأستطيع أن أشرح ما قرأت فلما شرح له استغرب أكثر من قبل وهكذا أخذ الإمام النور السالمي ينتقل بين جنبات الرستاق العامرة بالعلماء وأهل العلم حتى أصبح ممن يشار إليهم وهناك بدأ بالتأليف وهو ابن سبعة عشر عاما وكان ذاك عام 1305هـ ويقول في أحد تأليفاته : وإذا العناية لاحظتك عيونها ** نم فالمخاوف كلهن أمان رحلته إلى الشرقية : كان الإمام نور الدين السالمي وهو بالرستاق يسمع عن الشيخ المحتسب المجاهد صالح ابن علي الحارثي ( رحمه الله ) أحد أقطاب عمان في ذلك العصر الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فأعجب بسيرته فشد رحله إليه سنة 1308 هـ ، وكان أول ما وصل إلى الشرقية أقام عند الشيـخ سلطان بن محمد الحبسي في بلد المضيبي من شرقية عمان ، ومنها ذهب ليزور الإمام المحتسب صالح بن علي ، وفي أثناء الجلسات معه أعجب الإمام المحتسب بنور الدين السالمي وطلب منه أن ينتقل إليه ليسكن بجواره . فوجد الشيخ ضالته وهناك أقام متعلما ثم مدرّسا فألف وعلّم وخرج على يديه أفذاذ عمان الذين ذاع صيتهم وما زالت بركاتهم تنهمر على عماننا إلى يومنا هذا . وفي سنة 1314هـ توفي الشيخ المحتسب صالح بن علي الحارثي (رحمه الله) فكان لوفاته الأثر الكبير على النور السالمي ، فأصبح الحمل عليه أثقل من قبل والمعاناة في أمور المسلمين أكثر من ما مضى ، وتمر الأيام وتتعاقب الشهور والأعوام والنور السالمي قائم بدور رائد الإصلاح معلما ومنبها حتى عام 1323هـ ففكر في الذهاب إلى أداء فريضة الحج وهناك إلتقى بعلماء الإسلام من مختلف المذاهب وتناقش معهم فيما يخص المسلمين فاطلع على كثير مما يحيكه أعداء الإسلام ضد المسلمين وخاصة ضد رواد الإصلاح ، وفي رحلته هذه اطلع على كثير من علوم الحديث واقتنى كثيرا من كتبها ثم عاد أدراجه إلى عمان لمواصلة مشوار نشر العلم والقيام بالإصلاح السياسي فبدأ بالاتصال بالأعيان في مختلف الأماكن من عمان للقيام بأمر الإمامة حتى وفقه الله . فعقدت الإمامة لإمام العدل والإحسان سالم بن راشد الخروصي ( رحمه الله ) .

4- مــشايخـه : من كانت هذه صفاته فلا بد وأن يكون قد مر بمراحل متعددة وأخذ من مشائخ متعددين واستنار بنورهم وأخذ من علمهم وفكرهم وللإمام النور السالمي مشائخ كثيرون يصعب حصرهم ، وإنما نذكر أهمهم فإليكهم :- (1) الشيخ المحتسب الأمير صالح بن علي الحارثي 1250-1314هـ ولد بولاية القابل عام 1250هـ ، توفي عنه أبوه وهو صغير فزاده ذلك رغبة في طلب العلم فرحل إلى علامة عصره الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي فأخذ عنه إلى أن أصبح ممن يشار إليهم بالبنان فرجع إلى بلده ومسقط رأسه معلما ، وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر مصلحا لما اعوجّ من الأمور ، وكان ممن تتلمذ على يديه النور السالمي فقها وفكرا وسلوكا وهكذا مرت أيامه إلى أن توفاه الله سنة 1314هـ . (2) الشيخ راشد بن سيف بن سعيد اللمكي 1262-1333هـ ولد بمحلة قصرى من الرستاق وترعرع هناك إلى أن أصبح قاضيا ومعلما وممن تتلمذ على يديه النور السالمي وكان مناصرا للحق وناصحا للمسلمين إلى أن توفاه الله في الرستاق سنة 1333هـ . (3) الشيخ ماجد بن خميس العبري 1252-1346هـ ولد هذا الشيخ سنة 1252هـ بالحمراء فرحل إلى الرستاق لأخذ العلم عن علمائها حينئذ ، وبعد أن أخذ قسطا وفيرا من العلم استقر هنالك وبدأ يدرّس وكان ممن درس على يديه الإمام النور السالمي وخاصة في علوم اللغة والأدب إلى أن هاجر كل منهما فالنور هاجر إلى الشرقية والشيخ ماجد رجع إلى مسقط رأسه الحمراء مدرّسا ومعلّما إلى أن توفاه الله سنة 1346هـ .

5- تلاميذه : بعد أن وفق الله الإمام السالمي لنيل حظ وافر من العلم والمعرفة في اللغة والفقه وأصوله بفضل مشائخه الذين أخذ عنهم وجهوده المتواصلة في الحفظ والإطلاع على مختلف الكتب صغيرها وكبيرها أنشأ مدرسة لتخريج الأجيال فجاء إليها الطلبة من مختلف أنحاء عمان ضاربين أكباد الإبل في سبيل الوصول إليه والنهل من بحره المتلاطم وتخرج على يديه رجال عرفهم البعيد قبل القريب وسجل لهم التأريخ مآثر تعجز الأقلام عن وصفهم بما لهم من محامد وما أحسن ما قاله أحد العلماء المغاربة في مقدمة ترجمته للنور السالمي في كتاب جوهر النظام " تلاميذه كثير لا نبالغ إذا قلنا إن رجال العلم اليوم بعمان جلهم من تلاميذه وقد نبغ منهم كثير " . نعم لقد نبغ منهم كثير وتولوا أعمالا عظمى وقادوا هداية الأمة في ميادين شتى فمنهم من تولى الإمامة العظمى وضرب أروع الأمثلة في العدل والورع والزهد كالإمام سالم بن راشد الخروصي ( رحمه الله) والإمام محمد بن عبدالله الخليلي (رحمه الله) ومنهم من تولى ولاية بعض الأقاليم قضاء وتدريسا وبناء ، فضرب أعلى أمثلة للوالي المسلم وما ينبغي أن يكون عليه من زهد وورع وخدمة للناس ، ومن هؤلاء الصنف أبو زيد الريامي الذي تولى إدارة بهلاء . وبحق كان تلاميذ الإمام النور السالمي شعلة اتقدت في ذلك الزمان ولا تزال تنير في سماء عمان إلى يوم الناس هذه وإلى أن تقوم قيامة الناس إلى رب العباد ، وعلى كل فأنا لست بصدد حصر تلاميذ النور السالمي وإنما أذكر بعضا منهم :- (1) الإمام العادل سالم بن راشد الخروصي 1301هـ- 1338هـ لازم النور السالمي منذ بلغ الحلم إلى أن عقدت له الإمامة العظمى في الثاني عشر من جمادى الثانية سنة 1331هـ وكانت له منزلة خاصة عند النور السالمي حتى إنه زوّجه ابنته وبقي في إمامة المسلمين آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر منفذا لحدود الله حتى توفي شهيدا في سبيل الله فقتل ليلة الخامس من شهر ذي القعدة 1338هـ . (2) الشيخ أبو مالك عامر بن خميس المالكي 1280-1346هـ كان أبوه فقيرا وأراد أن يمنعه من الدراسة حتى يتفرغ لكسب المعيشة ولكنه لم يستسلم للواقع ، فلازم حلقات النور السالمي حتى أصبح ممن يشار إليهم بالبنان ، وتولى القضاء والتدريس والتـأليف ، ومن تآليفه (غاية المرام في الأديان والأحكام ) كتاب منظوم في الأحكام وغيره ، توفي إلى رحمة الله في الخامس من رمضان 1346هـ. (3) الشيخ العلامة عبدالله بن عامر العزري المتوفى سنة 1358هـ نشأ مكفوف البصر ولكن الله (سبحانه وتعالى) وهبه ذكاء وحفظا ، وأصبح من تلاميذ النور السالمي العباقرة وبعد حين سافر إلى زنجبار واستفاد منه الناس هنالك ثم رجع أدراجه إلى موطنه فتولى منصب القضاء في إبراء و نزوى إلى أن توفاه الله يوم الاثنين السادس عشر من شوال سنة 1358هـ فرحمة الله عليه . (4) الشيخ الوالي العامل أبو زيد عبدالله بن محمد الريامي 1301-1364هـ هاجر أبو زيد من بلده ازكي بداخلية عمان إلى النور السالمي بها للشرقية قصدا لتحصيل العلم والعمل حتى أصبح من أخص تلاميذ النور السالمي بل إنه اتخذه كاتبا خاصا له فأكثر مؤلفات النور السالمي مكتوبة بخطه وعينه الإمام سالم واليا له على بهلا وبعد وفاته مدد إليه الإمام محمد بن عبدالله الخليلي حتى وافته منيته والمسلمون عنه راضون ولسعيه شاكرون فتوفي في الثالث من رجب سنة 1364هـ . (5) الشيخ الأمير عيسى بن صالح بن علي الحارثي 1290-1365هـ.وهو ممن لازم الشيخ السالمي وخاصة بعد وفاة والده ، فأخذ عنه العلم وكان مضرب المثل في التقوى والعمل الصالح ، وكان رجلا شجاعا مقداما نصر الحق وأهله ، وله مؤلفات منها : رسالة في منع الإسقاط بالجوائح وغيرها . (6) الشيخ أبو الوليد سعود بن حميد بن خليفين المتوفى سنة 1373هـ لازم الشيخ السالمي منذ مراحله الاولى ، حتى إن الشيخ السالمي اختاره كاتبا وقارئا نظرا لحسن خطه وجودة صوته ، فأصبح بعد ذلك ممن يشار إليهم بالبنان حتى لقبه الإمام الخليلي" بشمس القراء وداهية العلماء" تولى مناصب القضاء للإمام سالم بن راشد الخروصي والامام محمد ابن عبدالله الخليلي أكثر من خمس وثلاثين سنة توفي (رحمه الله) لست بقين من أشهر الربيعين سنة 1373هـ . (7) الإمام العادل الولي محمد بن عبدالله بن سعيد بن خلفان الخليلي 1299-1373هـ كان من بيت شرف وعلم أخذ مبادئ العلم عن والده وعمه أحمد بن سعيد الخليلي ثم هاجر لطلب العلم ، فتتلمذ على يدي الشيخ السالمي وعنه أخذ الفقه وأصوله ، وبعد وفاة الإمام سالم بن راشد الخروصي بويع له بالإمامة في يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة 1338هـ فسار في المسلمين سيرة حسنة وعرف بالزهد والورع والعدل والعلم والشجاعة حتى توفاه الله يوم الاثنين ليومين بقين من شهر شعبان سنة 1373هـ فرحمة الله عليه .