مدارات الثقافة - Thursday, December 28, 2006
أخيراً، فجعت الساحة الفنية في هذه السنة برحيل الفنان ناصر اليوسف والفنان عباس المحروس. وكان الثاني قد لعب دوراً بارزاً في تطوير المناهج الفنية بوزارة التربية والتعليم وكان منحازاً لأهمية حضور الجوانب البصرية في تلك المناهج سواء عبر الرسم أو الخط العربي أو التصوير الفوتوغرافي. أما اليوسف فهو أحد الرواد الذين أسهموا في إحداث نقلات وتحولات في مسيرة التشكيل البحريني، خصوصاً في مجال الحفر الذي كان من أوائل من تعمق وتعملق فيه. وعرف اليوسف في مسيرته بالإخلاص للأسلوب التعبيري، ولم يمنعه فقدان البصر عن مواصلة الرحلة، فتسلح بالبصيرة وأخرج عدداً من روائعه ذات الموضوعات الاجتماعية.
«البحرين الثقافية» تحتفي برائد المدرسة التعبيرية
الوقت - حسين مرهون: لم يكن الفنان ناصر اليوسف، وحتى وفاته في العام الماضي، يملك الكثير من البصر، ولكن الثابت أنه كان يملك الكثير من البصيرة. وحديثاً، تذكرت إحدى الدوريات الثقافية المحلية هذه الحكمة، فحجزت له مساحة الملف الرئيس بين صفحاتها. (البحرين الثقافية) ويغطي الملف الذي جاء في 30 صفحة حياة اليوسف، من خلال 8 شهادات تناوب على كتابتها فنانون بحرينيون وعرب، وهو من إعداد الزميل عباس يوسف. وكتب أسعد عرابي، وهو لبناني مقيم في باريس وباحث في علم الجمال منتقداً موقف بعض الفنانين من أعمال اليوسف ‘’يقع سوء فهم أعماله خلف استضعاف إعاقته بطريقة عنصرية، أو إثارة الشفقة على مصابه’’، مضيفاً ‘’نادرون الذين استطاعوا أن يجردوا العمل الفني من مشكلة صاحبه، لذلك سبق التقدير الخارجي الاعتراف المحلي’’. وتابع موضحاً ‘’تكريمه في بينالي الشارقة العام 1996 سبق جائزة الدانة في المعرض السنوي العام’’ على حد تعبيره. وولد الفنان ناصر اليوسف في فريق ‘’الحياييج’’ في المحرق العام ،1940 وهو يعد واحداً من رواد ومؤسسي الاتجاه التعبيري الحديث في البحرين. أقام الكثير من المعارض الشخصية واشترك في الكثير من المعارض الجماعية في البحرين ودول عربية وأوربية كما حصل على الكثير من الجوائز، وذلك قبل أن توافيه المنية في يوليو/ تموز العام الماضي. وقال عرابي ‘’لم أخفِ حماستي لأعماله، مما سبب حساسية لدى عدد قليل من الزملاء المتعصبين للنموذج الغربي حيث درسوا’’، معتبراً أنه ‘’هنا نصطدم بالمشكلة المزمنة من سوء الفهم الذي يعانيه أمثال ناصر اليوسف مع موجة التثاقف التي تدعي المعاصرة والحدث’’. وخلص إلى القول ‘’يرجع تأخر الاعتراف به إلى إفلاته من حساسية من تملّكَهم سلطان التقنية، وسطوة العقل والسهولة التغريبية’’، مستدركاً ‘’في حين أن كشوفاته تعتمد على الحيرة الوجودية’’ حسب تعبيره. من جهته، رأى محمد العامري، وهو فنان وناقد تشكيلي من الأردن، أن لوحات اليوسف ‘’تسجل تاريخين، تاريخ العين المبصرة وتاريخ البصيرة في غياب البصر’’، موضحاً ‘’في مرحلة الإبصار كان الأكثر قصدية في أعماله كونه يعرف ما يذهب إليه في رسمه للأشكال الآدمية والعمائر التي بدت متلاحمة’’. وأضاف ‘’في مرحلة فقدان البصر وإشعاع البصيرة نرى أن أشكال الناس والبيوتات عنده صارت مفرغة إلا من الإيضاحات الخطوطية’’، عازياً ذلك إلى علاقته ‘’بالصورة المخزنة من أيام الإبصار، وبتثوير حاسة اللمس من باب التغلب على عدم الرؤية’’ حسب تعبيره. يشار هنا إلى أنه، ومنذ فقدانه إلى حاسة البصر، اعتمد الفنان في تنفيذ أعماله على الورق والحفر، حيث يقوم في بداية الأمر بقطع الشكل المطلوب من الورق بواسطة المقص ومن ثم يضع هذا الشكل على قطع خشبية ويبدأ حفرها للوصول للشكل المطلوب بواسطة اللمس وصولا إلى طباعة الشكل المحفور على الورق فتظهر في الأخير لوحة تشكيلية واضحة. وتابع العامري موضحاً ‘’أصبح يرى بخمس أعين بدلاً من العينين، أصبح كما لو أنه كائن تركز في منطقة النحت الملموس، فكان اللمس وسيلة التلذذ بما يفعل ليقدم قيماً أكثر فنية في التعبير وأكثر تأثيراً على المشاهد’’. وفي شهادة فاروق يوسف، وهو ناقد وشاعر عراقي مقيم في السويد، كتب يقول ‘’كان مصراً على فعل الرؤية. ولأن الرسم يتطلب النظر، فإن ناصر اليوسف كان يرى بطريقته. وهي طريقة قد تحتمل الخطأ مثلما يحدث لنا جميعاً’’. ورأى أن ‘’البحث عن أخطاء اليد في رسوم اليوسف إنما يعد فعلاً عبثياً’’، موضحاً ‘’فيده التي تفكر إنما تخترع فضاءً صورياً مختلفاً عما نراه ونتوقع رؤيته’’ على حد تعبيره. وأضاف ‘’اخترع ناصر اليوسف من خلال رسومه سبلاً جديدة للعيش (...)، لذته تكمن في أنه يخترع رؤى من شأنها أن تتحول إلى مرئيات تصبح جزءاً من حياة معاشة’’. وعرف اليوسف بتمرده على أشكال الفن الجاهزة، وشهدت تجربته في أعقاب زيارة له إلى المغرب برفقة الفنانين إبراهيم بوسعد وعبدالكريم العريض وعبدالكريم البوسطة مطلع الثمانينات، (شهدت) انتقالاً من التشكيل إلى فن الحفر والطباعة. وقبل ذلك في العام ،1970 أسهم مع علي عبدالله خليفة في تأسيس شكل جديد للكتاب الشعري، حين طلب منه الأخير معادلة الشعر باللوحة لديوان (عطش النخيل) الصادر العام ،1970 حيث كانت هذه التجربة من التجارب الأولى لشكل جديد لكتب الشعر. إلى ذلك، اشتمل ملف ‘’البحرين الثقافية’’ على شهادات أخرى لفنانين من البحرين عاصروا اليوسف، وهم عبدالله يوسف وعبدالجبار الغضبان وإبراهيم بوسعد وعباس يوسف، وتميزت جميعها بسرد محطات من السيرة الذاتية جمعت هؤلاء مع الفنا
في المحرق ولدت العام ،1940 وعندما أذكر المحرق تتداعى إلى ذاكرتي نبضات من الذكريات.. أتذكر بيت البقشى الذي ولدت فيه بحوشه الواسع ودهليزه الطويل والباب الكبير (أبوخوخه) وحجرة على اليسار من الداخل يوجد فيها صندوق كبير تبرق مساميره المذهبة وهو موضوع على أربع أسطوانات خشبية محزوزة في الوسط. وأتذكر أن تلك الأسطوانات كانت ملونة بخطوط عريضة، الأصفر والأخضر في الوسط ثم الأصفر والأحمر مرة أخرى.. وإلى جانب ذلك الصندوق سلة كبيرة من الخيزران المجدول يتكرر فيه الخوص الملون بالأحمر والأخضر.. هي ذكريات بعيدة.. كل ما بقي منها في ذاكرتي الألوان والزخارف.. وأتذكر عندما انتقلنا إلى المنامة.. كنت في الثامنة من عمري.. أتذكر البيت الذي سكناه في المنامة.. أتذكر منه الدهليز والجليب وحجرة السعف (حجرة كان يجمع فيها السعف لاستعماله لإيقاد النار للطبخ).. أتذكر الحمام.. ذلك الطائر الذي كنت ولا أزال أحبه.. كنت قد أهديت زوجا منه فتكاثر.. وأتذكر صغاره.. ولقد رسمت الحمام كثيرا.. كنت أرسمه في الكتب الدراسية وفي دفاتر الرسم وعلى سبورة الصف وعلى جدران بيوت الحي بالفحم.
تلك ذكريات أصبحت بعيدة الآن بعد أن توالت عليها السنون ولكن مازال بعضها يستعصي على النسيان.. منها ذكريات الانبهار تتصدر القاعة لوحة المسرح للأستاذ سلمان الصباغ ولوحة الموناليزا للأستاذ كريم العريض وغيرها من لوحات لا أتذكرها.. كنت أقف مبهوراً أمامها وأتمنى أن أرسم مثلها. وقد كان للأستاذ كريم العريض فضل لا يمكن أن أنساه فقد اختارني في جمعية الرسم بالمدرسة وكنت في الصف الرابع الابتدائي وكان يحثنا دائما على العمل والإنتاج، ويعلق ما ننتجه في الصف وقاعة المدرسة مما كان له أثر كبير في إذكاء رغبتنا وتنمية هوايتنا للرسم. وفي المدرسة الثانوية كان هناك أستاذ آخر كان له فضل كبير علينا هو الأستاذ أحمد السني الذي نحتفظ له بأجل التقدير لما قدمه لنا من مساعدات مكنتنا من تلمس طريقنا في الأداء الفني. ولقد كنت أشارك في جميع المعارض المدرسية في المدرسة الابتدائية والثانوية. ولكن أول معرض غير مدرسي شاركت فيه كان العام ،1957 في المعرض الزراعي الذي أقيم في حديقة الأندلس وكانت مشاركتي فيه بلوحة ”سهرة شتوية” تمثل عائلة حول المنقلة التي يتوهج فيها الجمر وحوله غوري الشاي ودلة القهوة.
وبعد أن تخرجت من قسم المعلمين عينت مدرساً في مدرسة السلمانية الابتدائية وكان يدرس فيها أيضا الفنان القدير عزيز زباري، وقد استفدت منه كثيراً، وهو بدوره لم يكن يبخل علي بأي معلومات فنية.. ثم انضممت إلى أسرة هواة الفن.. وبدأت المسيرة الحقيقية في حياتي الفنية.. كانت لقاءاتنا يومية تقريباً في الأسرة.. كريم العريض.. كريم البوسطه.. راشد سوار.. راشد الغريفي.. عزيز زباري تلك اللقاءات كان لها أثر كبير في تكويننا الفني.. من خلال النقاش الذي كان يدور بيننا.. وكانت تغذي ذلك النقاش المقالات الفنية التي كنا نقرأها في المجلات والصحف الصادرة في تلك الأيام مثل الفكر المعاصر والمجلة والفنون والمعرفة السورية وغيرها.. وإلى جانب تلك اللقاءات كنا نخرج إلى المدن والقرى في كثير من أيام الجمع والعطلات الرسمية لنرسم من الطبيعة، وقد رسمنا الكثير.. في المقاهي والحارات الشعبية والبساتين والبحرين والسفن.. وأقمنا معارض عدة في المعهد الثقافي البريطاني ونادي بابكو والنوادي الأهلية من تلك الرسومات والاسكتشات التي كنا نرسمها في تجوالنا.. وفي العام ،1967 أقامت شركة كريراس كرافن ”أ” مسابقة لاختيار أعمال من الدول العربية وكانت البحرين إحداها وكنت سعيدا أن تكون إحدى لوحاتي ضمن المجموعة التي اختيرت من البحرين وقد طاف المعرض في سبع دول عربية وثلاث دول أوروبية.
وأذكر أنه عند تجوالنا لفتت نظري الزخارف الجصية الشعبية في واجهات بيوت قرية الدراز وبعض بيوت المحرق والمنامة فكنت أسجل كل نوع من تلك الزخارف في كراستي.. وكنت مهتما بحكايات الغواصين فاختمرت لدي فكرة أن أرسم بعض تلك الحكايات وبدأت أعد الاستكشات والرسومات التخطيطية لها وأجمع القصص التي تحكي عن الغوص من كبار السن.. وصدر ديوان الشاعر الكويتي محمد الفايز ”النور من الداخل” وقرأته أحسست أنه يجسد ما كنت أبحث عنه من معان وبدأت أرسم لوحاتي السبع عن الغوص وكانت من الحجم الكبير ومرسومة بالزيت وعندما انتهيت عرضتها في معرض أسرة فناني البحرين في الكويت العام ،1969 وكانت فرحتي كبيرة وأنا أجد الصدى الطيب للوحاتي تلك ولقد اختارت مجلة العربي الكويتية إحدى لوحاتي وهي ”عرس الغواص” ونشرتها في غلافها الداخلي بالألوان في العدد 11 الصادر في ديسمبر ،1969 وبعد عودتي إلى البحرين بفترة طلب مني الصديق الشاعر علي عبد الله خليفة أن أرسم مواويله الشعبية التي كان يعدها لتصدر في ديوانه.. وفعلاً بدأت العمل فيها.. وطبع ديوان ”عطش النخيل” للشاعر علي عبد الله خليفة محتوياً على رسوماتي.. ولقد أفادتني تلك الرسومات وعملت منها لوحات زيتية عرضتها في معرض أسرة فناني البحرين في نادي النسور العام .1970 وعندما بدأت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إقامة المعرض التشكيل السنوي لفناني البحرين، وأكملت مسيرة ذلك المعرض وزارة الإعلام كانت حصيلتي منه ما ي لي: 1)ميدالية العشرة الأوائل في المعرض الأول 1972 2)شهادة تقديرية في المعرض السادس 1977 3)شهادة تقديرية في المعرض السابع 1978 4)جائزة دلمون الأولى في المعرض الثامن 1979 5)جائزة دلمون الأولى في المعرض التاسع 1980 6)ميدالية من المعرض العاشر 1981
وكنت عندما تخصصت أسرة فناني البحرين في المسرح الموسيقي قد انضممت إلى جمعية الفن المعاصر وبدأت أشترك في معارضها وساهمت في النشاطات والفعاليات الآتية:1-مثلت البحرين في اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب في الإسكندرية العام 1976 مع الفنانين اسحق خنجي وأحمد العريفي.2-شاركت في تجمع أصيلة الثقافي والفني الذي أقيم في مدينة أصيلة في المغرب العام ،1980 مع كريم العريض وإبراهيم بوسعد وكامل بركات واسحق خنجي.3-شاركت مع وفد البحرين في معرض الخليج للفنون التشكيلية الأول بدولة قطر العام .19804-قمت مع الإخوان كريم العريض وإبراهيم بوسعد وكامل بركات واسحق خنجي بزيارة إلى المتاحف المهمة في باريس ولندن وأمستردام.5-كنت من ضمن الوفد الذي اختارته وزارة الإعلام الذي أقام معرضا تشكيليا لأول مرة في سنغافورة العام 1981 وكان الوفد برئاسة الدكتور محمد الخزاعي مدير إدارة الثقافة والفنون في وزارة الإعلام وعضوية كل من كريم العريض ويوسف قاسم وراشد الخليفة وناصر اليوسف.6-كتبت عدداً من المقالات عن الفنون التشكيلية في الصحف والمجلات المحلية وشاركت في بعض الندوات الفني ة.
كتب الفنان ناصر اليوسف هذه الشهادة في منتصف الثمانينات في كتاب ”رواد الحركة التشكيلية في البحرين” من إعداد عبد الكريم العريض وأحمد نشابه. وقامت وزارة الإعلام بطبعاته من دون تحديد سنة الطبع