هو الحسين بن منصور، وكنيته أبو مغيث. وُلد عام 244هـ بقرية تابعة لبلدة البيضاء الفارسية ونشأ بواسط-العراق . درس علوم الدين، ثم سلك طريق الصوفية على يد الشيخ سَهْل بن عبد الله التسترى.وصحب الجنيد، وأبا الحسين النورى، وعمرا المكى، والفوطى، وغيرهم.والمشايخ في أمره مختلفون. رده أكثر المشايخ، ونفوه، وأبوا ان يكون له قدم في التصوف. وقبله بعضهم من جملتهم أبو العباس بن عطاء؛ وأبو عبد اللّه، محمد خفبف
فهرس
|
ذمه أكثر الصوفية ونفوا أن يكون منهم ، فممن ذمه الجنيد ، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته التي ذكر فيها كثيراً من مشايخ الصوفية .
عن الشيخ إبراهيم بن عمران النيلي أنه قال: سمعت الحلاج يقول: النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا ُقلت: ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه.
عن أبي إسحق إبراهيم بن عبد الكريم الحلواني قال: خدمت الحلاّج عشر سنين وكنت من أقرب الناس إليه. ومن كثرة ما سمعت الناس يقولون فيه ويقولون إنه زنديق توهمت في نفسي فأخبرته. فقلت له يوماً: يا شيخ أريد أن أعلم شيئاً من مذهب الباطن. فقال: باطن الباطل أو باطن الحق؟ فبقيت متفكراً فقال: أما باطن الحق فظاهره الشريعة، ومن يحقق في ظاهر الشريعة ينكشف له باطنها، وباطنها المعرفة بالله. وأما باطن الباطل فباطنه أقبح من ظاهره. وظاهره أشنع من باطنه، فلا تشتغل به. يا بني أذكر لك شيئاً من تحقيقي في ظاهر الشريعة. ما تمذهبت بمذهب أحد من الأيمة جملةً وإنما أخذت من كل مذهب أصعبه وأشده وأنا الآن على ذلك. وما صلّيت صلوة الفرض قطُّ إلا وقد تسلت أولاً ثم توضت لها. وها أنا ابن سبعين سنة وفي خمسين سنة صلّيت صلوة ألفي سنة، كل صلوة قضاء لما قبلها.
قال ابن باكويه : سمعتُ الحسين بن محمد المذارى يقول: سمعتُ أبا يعقوب النهرجورى يقول : دخل الحسين بن منصور الحلاَّج مكة، فجلس في صحن المسجد لايبرح من موضعه إلا للطهارة أو الطواف، لايبالى بالشمس ولا بالمطر، فكان يُحمل إليه كل عشية كوزٌ وقرص (ماء وخبز) فيعضُّ من جوانبه أربع عضات ويشرب
عن خوراوزاد بن فيروز البيضاوي وكان من أخص الجيران وأقرم إلى الحلاج أنه قال: كان الحلاج ينوي في أول رمضان ويفطر يوم العيد وكان يختم القرآن كل ليلة في ركعتين وكل يوم في مائتي ركعة. وكان يلبس السواد يوم العيد ويقول: هذا لباس من يرد عليه عمله
وقال أحمد بن يونس: كنا في ضيافة ببغداد فأطال الجنيد اللسان في الحلاج ونسبه إلى السحر والشعبذة والنيرنج وكان مجلساً خاصاً غاصاً بالمشايخ فلم يتكلم أحد احتراماً للجنيد. فقال ابن خفيف: يا شيخ تطول، ليس إجابة الدعاء والاخبار عن الأسرار من النيرنجات والشعبذة والسحر. فاتفق القوم على تصديق ابن خفيف. فلما خرجنا أخبرت الحلاج بذلك فضحك وقال: أما محمد بن خفيف فقد تعصب لله وسيؤجر على ذلك. وأما أبو القاسم الجنيد فقد قال: إنه كذب ولكن قل له: "سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"
عن جندب بن زادان الواسطي وكان من تلامذة الحلاّج، قال: كتب الحسين بن منصور كتاباً هذه نسخته:
"بسم الله الرحمن الرحيم المتجلي عن كل شيء لمن يشاء.
السلام عليك يا ولدي،
ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر. فإنّ ظاهر الشريعة كفر خفي، وحقيقة الكفر معرفة جلية.
أما بعد حمد لله الذي يتجلّى على رأس إبرة لمن يشاء، ويستتر في السموات والأرضين عمن يشاء، حتى يشهد هذا بأن لا هو، ويشهد ذلك بأن لا غيره. فلا الشاهد على نفيه مردود، ولا الشاهد بإثباته حمود.
والمقصود من هذا الكتاب أني أوصيك أن لا تغتر بالله ولا تيأس منه، ولا ترغب في محبنه ولا ترض أن تكون غير محب، ولا تقل بإثباته ولا تمِلْ إلى نفيه، وإياك والتوحيد.
والسلام"
أجمع علماء عصره على قتله بسبب ما نقل عنه من الكفر والزندقة .
وها هي بعض أقواله :
1- ادعى النبوة ، ثم تَرَقَّى به الحال أن ادعى أنه هو الله . فكان يقول : أنا الله . وأمر زوجة ابنه بالسجود له . فقالت : أو يسجد لغير الله ؟ فقال : إله في السماء وإله في الأرض .
2- كان يقول بالحلول والاتحاد . أي : أن الله تعالى قد حَلَّ فيه ، وصار هو والله شيئاً واحداً . تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وهذا هو الذي جعل له القبول عن المستشرقين النصارى لأنه وافقهم على الحلول ، إذ إنهم يعتقدون في عيسى عليه السلام أن الله تعالى قد حَلَّ فيه . ولهذا تكلم الحلاج باللاهوت والناسوت كما يفعل النصارى . فمن أشعاره :
سبحان مـن أظهر ناسوته سـر لاهوته الثاقـــب
ثم بدا في خلقـه ظــاهراً في صورة الآكل والشارب
ولما سمع ابن خفيف هذه الأبيات قال : على قائل هذا لعنة الله . فقيل له : هذا شعر الحلاج . فقال : إن كان هذا اعتقاده فهو كافر اهـ
3- سمع قارئاً يقرأ آية من القرآن ، فقال : أنا أقدر أن أؤلف مثل هذا .
4- من أشعاره :
عَقَدَ الخلائقُ في الإله عقائدا وأنا اعتقدتُ جميعَ ما اعتقدوه
وهذا الكلام مع تضمنه إقراره واعتقاده لجميع الكفر الذي اعتقدته الطوائف الضالة من البشر ، فإنه مع ذلك كلام متناقض لا يقبله عقل صريح ، إذ كيف يعتقد التوحيد والشرك في آنٍ واحد ؟!
5- له كلام يبطل به أركان الإسلام ، ومبانيه العظام ، وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج .
فقد نسب اليه قوله :"إن الإنسان إذا أراد الحج، أفرد في داره بيتاً، وطاف به أيام الموسم، ثم جمع ثلاثين يتيماً، وكساهم قميصاً قميصاً، وعمل لهم طعاماً طيباً، فأطعمهم وخدمهم وكساهم، وأعطى لكل واحدٍ سبعة دراهم أو ثلاثة، فإذا فعل ذلك ، قام له ذلك مقام الحج"
6- كان يقول : إن أرواح الأنبياء أعيدت إلى أجساد أصحابه وتلامذته ، فكان يقول لأحدهم : أنت نوح ، ولآخر : أنت موسى ، ولآخر : أنت محمد .
7- لما ذُهب به إلى القتل قال لأصحابه : لا يهولنكم هذا ، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً . فقتل ولم يَعُدْ .
فلهذه الأقوال وغيرها أجمع علماء عصره على كفره وزندقت
فأحل دمه القاضي أبو عمر محمد بن يوسف المالكي.و أُقيمت عليه البينة الشرعية ، وقتل مرتداً سنة (309هـ)
عن أبي بكر الشلي قال: قصد ت الحلاج وقد ُقطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع فقلت له: ما التصوف. فقال: أهون مرقاه منه ما ترى. فقلت له: ما أعلاه. فقال: ليس لك به سبيل، ولكن سترى غداً، فإنّ في الغيب ما شهدته وغاب عنك. فلما كان وقت العشاء جاء الإذن من الخليفة المقتدر أن تضرب رقبته. فقال الحرس: قد أمسينا: نؤخر إلى الغد. فلما كان من الغد ُأنزل من الجذع وُقدم تضرب عنقه فقال بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له. ثم قرأ "يستعجل الذين لا يؤمنون والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون الحق" الآية. وقيل هذا آخر شيء سمع منه. ثم ضربت عنقه ولف في بارية و صب عليه النفط وأُحرق وحمل رماده على رأس منارة لتنسفه الريح.
لما ذُهب به إلى القتل قال لأصحابه : لا يهولنكم هذا ، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً . فقتل ولم يَعُدْ
ويوم مقتله، وبينما كان الحلاَّجُ مشدوداً على الصليب الخشبى (الخشبة التى أفسدها) وقبيل حَزَّ رقبته؛ نظر إلى السماء مناجياً ربه :
نَحَنُ بشَوَاهِدِكَ نلُوذُ ،وبِسَنَا عِزَّتِكَ نَسْتَضِئ، لِتُبْدِى لَنا مَا شِئْتَ مِنْ شَأْنِكَ، وأنْتَ الذِى فِى السَّماءِ عَرْشُكَ، وأَنْتَ الذِى فىِ السَّمَاءِ إلَه، وفِى الأرضِ إِلَه.. تَجَلَّى كَمَا تَشَاء، مِثْلَ تَجَلِّيكَ فىِ مَشِيئتِكَ كأَحْسنِ صُورَةٍ، والصُّورَةُ...هِىَ الرُّوحُ النَّاطِقَةُ. الذِى أفْرَدْتَهُ بالعلمِ (والبيَانِ) والقُدرَةِ. وهَؤَلاءَ عِبَادُكَ.. قَدْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِى تَعَصُّباً لدِينكَ، وتَقَرُّباً إليْكَ، فاغْفرْ لَهُمْ ! فإنكَ لَوْ كَشَفْتَ لَهُمْ مَا كَشَفْتَ لِى..لما فَعَلُوا ما فَعلُوا..ولَوْ سَتَرْتَ عَنِّى مَا سَترْتَ عَنْهُمْ،،لما لَقِيتُ مَا لَقِيتُ.. فَلَكَ التَّقْديرُ فِيما تَفْعَلُ.. ولَكَ التَّقْدِيرُ فيِما تُرِيدُ..
وله ايضاً
وله ايضا