لا يمكن لأي أمة أن تتمكن من أداء رسالتها وتحافظ على وحدة كيانها واستقلالها إلا إذا كان أبناؤها مستعدين لتقديم أرواحهم و أموالهم في سبيل الدفاع عنها وحمايتها . غير أن المقاتلين تختلف دوافعهم وحوافزهم ، إذ قد يخرج بعضهم من أجل المغنم ، وبعضهم من أجل الشهرة ، والآخر من أجل الحمية لقومهم . لذا كان الرسول محمد شديد الحرص على تحريض المقاتلين على أن يكون دافعهم هو إرضاء الله . قال الرسول محمد في يوم بدر :"قوموا إلى جنة عرضها السماوات و الأرض" قال عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات و الأرض؟ قال "نعم" قال:بخٍ بخٍ . فقال رسول الله : "ما يحملك على قول بخٍ بخٍ" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها.قال:"فإنك من أهلها" قال : فأخرج تمرات من قرنه يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، قال : فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتل حتى أستشهد" (صحيح مسلم،كتاب الجهاد،باب ثبوت الجنة للشهيد.)
أوجب الله بفضله وكرمه لمن خرج مجاهداً في سبيله لإعلاء كلمته ، و إيماناً بدعوته ، وتصديقاً بما جاء به من الرسل عليهم السلام ، أن ينال خيراً بكل حال ، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة ، و إما أن يرجع بأجر و غنيمة .
يُقسم رسول الله محمد بالله الذي خلق الأنفس جميعياً وبنفسه الشريفة خاصة على أن يبعث الله يوم القيامة الشهيد وكل من جُرح في سبيل الله في صورة حية تجمع ما بين ذكريات الفداء و التضحية وبين التكريم و التزين ، فجرحه ينزف دماً أحمراً يزين جسده كاذي سال منه وقت جُرحه، ورائحة المسك العبقة تفوح منه . وفي مجيء الشهيد وكل من جُرح في سبيل الله يوم القيامة على الهيئة التي كان عليها في المعركة ، دليل حي على صدق نيته وبذله نفسه و إخلاصه في جهاده .
يُشيد رسول الله محمد بقدر الجهاد و أهميته عندما يُقسم بالله تعالى ، خالق الحياة عامة وحياة الرسول محمد خاصة ، على رغبته الأكيدة بعدم تخلفه وجلوسه في بيته عن الخروج مع أي سرية لإعلاء كلمة الله ، إلا أن الذي يمنعه من تحقيق رغبته هو خشية إلحاق المشقة المادية و المعنوية باصحابه ، وذلك لان الرسول محمد لا يمتلك مستلزمات الجهاد من معدات نقل و أسلحة للجميع ، ومنهم لا يملكونها أيضاً فيشق عليهم التخلف عنه .
ويؤكد الرسول محمد على علو منزلة الجهاد و الشهادة عندما يقسم بالله الذي بيده نفسه الشريفة حينما يتمنى تكرار الشهادة في سبيل الله ثلاث مرات فلا تكون شهادة واحدة ، بل شهادة بعد شهادة في معارك جهادية متكررة .
ويُعد الجهاد في سبيل الله في الإسلام تجارة رابحة لا خسارة فيها بين العبد وربه يقدم فيها العبد روحه لينال ثواباً عظيماً وغفراناً للذنب و الفوز بالجنة وما فيها من نعيم مقيم وحَوز النصر على الكفار و فتح قريب المنال.