مناظرة الإمام «ع» مع الطبيب الهندي (1)
عن محمد بن إبراهيم الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن عباد بن صهيب عن أبيه عن جده عن الربيع صاحب المنصور قال : حضر أبوعبد الله «ع» مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ عليه كتب الطب ، فجعل أبوعبد الله «ع» ينصت لقراءته ، فلما فرغ الهندي قال له : يا أبا عبدالله ، أتريد مما معي شيئاً ؟ قال : لا فان معي خير مما معك ، قال وما هو ؟ قال «ع» أدواي الحار بالبارد والبارد بالحار والرطب باليابس واليابس بالرطب وأرد الأمر كله إلى الله عز وجل وأستعمل ما قاله رسول الله (ص) : وأعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحمية رأس كل دواء واعط البدن ما اعتاده ، فقال الهندي : وهل الطب إلا هذا ؟ فقال الصادق «ع» أتراني من كتب الطب أخذت ؟ قال نعم ، قال «ع» : لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه فاخبرني : أنا أعلم بالطب أم أنت ؟ قال الهندي بل أنا ، قال الصادق «ع» فأسألك شيئاً ، قال سل ، قال الصادق أخبرني يا هندي : لم كان في الرأس شؤون ؟ قال لا أعلم . فلم جعل الشعر عليه من فوق ؟ قال لا أعلم . فلم خلت الجبهة من الشعر ؟ قال لا أعلم . قال : فلم كان لها تخطيط وأسارير ؟ قال لا أعلم . فلم كان الحاجبان فوق العينين ؟ قال لا أعلم . فلم جعلت العينان كاللوزتين ؟ قال لا أعلم . فلم جعل الأنف فيما بينهما ؟ قال لا أعلم . فلم ثقب الأنف من اسفله ؟ قال لا أعلم . فلم جعلت الشفة والشارب فوق الفم ؟ قال لا أعلم . فلم أحد السن وعرض الضرس وطال الناب ؟ قال لا أعلم . فلم جعلت اللحية للرجال ؟ قال لا أعلم . فلم خلت الكفان من الشعر ؟ قال لا أعلم . فلم خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال لا أعلم . فلم كان القلب كحب الصنوبر ؟ قال لا أعلم . فلم كانت الرئه قطعتان وجعلت حركتهما في موضعهما ؟ قال لا أعلم . فلم كانت الكبد حدباء ؟ قال لا أعلم . فلم كانت الكلية كحب اللوبياء ؟ قال لا أعلم . فلم جعل طي الركبة إلى الخلف ؟ قال لا أعلم . فلم تخصرت القدم ؟ قال لا أعلم . قال الصادق «ع» : لكني أعلم . قال الهندي : فأجب . قال الصادق «ع» : كان في الرأس شؤون لأن المجوف إذا كان بلا فصل اسرع إليه الصداع فاذا جعل ذا فصول [ شؤون ] كان الصداع منه أبعد . وجعل الشعر من فوقه ليوصل الأدهان إلى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه ، ويرد الحر والبرد عنه . وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلى العينين . وجعل فيهما التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس إلى العين قدر ما يحيطه الانسان عن نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه . وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية ، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر الكفاية منه . وجعل الأنف بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء . وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ، ولو كانت مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل ولا وصل اليها دواء ولا خرج منها داء . وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ وتصعد فيه الروائح إلى المشام ، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ولا وجد رائحة . وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لأن لا يتعفن على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه . وجعلت اللحية للرجال ليستغني بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الأنثى . وجعل السن حاداً لأن به يقع العض . وجعل السن عريضاً لأن به يقع الطحن والمضغ . وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء . وخلا الكفان من الشعر لان بهما يقع اللمس فلو كان فيهما شعر مادرى الانسان مايقابله ويلمسه . وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح وقصهما حسن فلو كان فيهما حياة لألم الانسان قصهما . وكان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروح عنه ببردها ولئلا يشيط الدماغ بحره . وجعلت الرئة قطعتين ليدخل القلب بين مضاغطها فيتروح بحركتها . وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة وتقع جميعها عليها فتعصرها ليخرج ما فيها من بخار . وجعلت الكلية كحب اللوبياء لأن عليها مصب المنى نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة أو مدورة لأحتسبت النقطة الأولى إلى الثانية فلا يلتذ بخروجها إذا المنى ينزل من فقار الظهر إلى الكلية وهي تنقبض وتنبسط وترميه أولاً فأولاً إلى المثانية كالبندقة من القوس . وجعل طي الركبة إلى خلف لأن الانسان يمشي إلى مابين يديه فتعتدل الحركات ولولا ذلك لسقط في المشي . وجعلت القدم متخصرة لأن المشي إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى . فقال الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ قال : أخذته عن آبائي عليهم السلام عن رسول الله عن جبرائيل «ع» عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الأجساد والأرواح . فقال الهندي : صدقت وأنا أشهد أن لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله وعبده وأنك اعلم اهل زمانك( إنتهى [1]