يمكنك اليوم باستخدام جهاز كومبيوتر ووصلتك مع إنترنت، والمعرفة بكيفية استخدام محركات البحث، العثور على معلومات وأفكار في جميع فروع المعرفة الإنسانية. إنترنت باختصار توفر المعرفة عن أي شيء وكل شيء. المصادر التي تقدم هذه المعلومات عبر إنترنت متنوعة سواء كانت المواقع الإخبارية، أو المواقع التجارية التي يسعد مدراء تسويقها بتوفير المعلومات الخاصة بمنتجاتهم، وحتى المعلومات المتعلقة بالمنتجات المنافسة لهم. المواقع الخاصة بشركات مثل مايكروسوفت، أو أي بي أم أو إنتل تعتبر بمثابة مراجع كاملة لكافة العاملين في مجال المعلوماتية، ويمكن للمرء أن يكتسب معرفة لا بأس بها في مجال المعالجات، وسوق المعالجات بعد قضاء أسبوع واحد في تصفح موقع إنتل مثلا، أو خبرة في البرمجيات المكتبية بعد قراءة الملفات والمعلومات التي توفرها مايكروسوفت ضمن موقعها الخاص ببرنامج أوفيس، وما إلى ذلك. ورغم هذه الغزارة المعلوماتية، والتي وصلت إلى حد الإغراق، فإن الإنترنت التي نعرفها اليوم لا زالت تفتقر إلى مصدر مهم للمعلومات، وهذا المصدر هو المعلومات المتوفرة ضمن بطون الكتب التي كُتبت قبل، وحتى أثناء العصر الرقمي. إنترنت تفتقر إلى المعرفة الإنسانية العميقة، والأفكار الأصيلة التي أنتجها البشر على مر العصور. وكل من أتم دراسته الجامعية، أو من يعمل في مجال الأبحاث المتخصصة، بل وحتى طلبة المدارس، الذين يقضون جل أوقاتهم في إعداد أوراق البحث والدراسات يُدركون أهمية المكتبات التقليدية في هذه العملية. وقد يعتمد هؤلاء على إنترنت كموجه ومشير إلى المراجع المطلوبة، ولكنهم في النهاية يضطرون للجوء إلى المكتبات التقليدية للحصول على غاياتهم، مما يعني ساعات طوال من القراءة والبحث للحصول على المعلومات المطلوبة ضمن المراجع-هذا إن وُجدت. ومع انتشار تقنيات الكتب الإلكترونية، واعتناق الكثير من الشركات الكبرى مثل أدوبي ومايكروسوفت لتقنيات رقمنة النصوص وتوزيعها، فإن فكرة المكتبات الرقمية بدأت تنتشر انتشارا سريعا في الغرب، يدعمها في ذلك التطور السريع في تقنيات حفظ المعلومات ورقمنتها واستعراضها والبحث فيها، إضافة إلى توفر إنترنت كبنية تحتية يمكن بواسطتها الربط بين المستخدم وبين المكتبات الرقمية المختلفة موفرة بذلك فضاءا معلوماتيا رحبا يعادل في أهميته فضاء الإنترنت العام السائد اليوم. كما أن عمل ذلك سيدعم ويقوي من دعائم صناعة النشر تجاريا كما سنرى من خلال استعراضنا في هذا المقال لبعض الشركات العالمية العاملة في مجال المكتبات الرقمية.
ما الذي يميز المواد أو الوسائط الرقمية عن غيرها، سواء كانت هذه المواد ملفات نصية، أو أفلام، أو موسيقى، وما إلى ذلك. الإجابة المختصرة هي أن هذه الوسائط أو المواد (في معظم الأحيان) سهلة الإنتاج والتوزيع إلى الملايين بتكلفة تصل إلى الصفر. فإنتاج كتاب ما مثلا يكلف الشركة الناشرة مبلغا معينا يتضمن شراء حقوق النشر والتوزيع من المؤلف، وأجور المؤلف. وفي العالم التقليدي تتضمن التكاليف أيضا تلك الخاصة بالطباعة والتوزيع والنقل والتخزين، وما إلى ذلك. أما في العالم الرقمي فيمكن توفير كميات كبيرة من هذه التكاليف بوضع ملف الكتاب (نسخة واحدة) على جهاز مزود مركزي وبيعها للمشترين الذين يتصلون بالمزود عبر إنترنت. وبالتالي فإن تكلفة بيع كتاب إضافي هي صفر بالنسبة للشركة الناشرة، وكل ما تجنيه من بيع النسخة الرقمية يعتبر ربحا صافيا. لكن هذه الأرباح التجارية لم تكن هي ما داعب أحلام الشاب مايكل هارت في عام 1971 عندما قام بإنشاء أول مكتبة رقمية في تاريخنا المعاصر، وأطلق عليها اسم مشروع غوتنبرغ مخلدا بذلك اسم الرجل الذي اخترع الطباعة في القرن الخامس عشر، منهيا بذلك سيطرة رجال الكهنوت المسيحي على إصدار ونشر الكتب، مؤذنا بذلك عصر التنوير في أوروبا وتمكين المواطن الأوروبي العادي من اقتناء وقراءة الكتب. مايكل هارت هو غوتنبرغ العصر الرقمي؛ الحلم الذي راوده في عام 1971، ولا زال يراوده حتى يومنا هذا هو تمكين كل من يملك وصلة إنترنت وجهاز كومبيوتر، من الحصول على وقراءة أمهات الكتب وأصول المعرفة الإنسانية. ويعتبر موقع مشروع غوتنبرغ اليوم نقطة مركزية لكل من يرغب بالحصول على نسخة رقمية من أعمال مشاهير الكتاب والمفكرين على مر العصور، طالما لم تكن هذه الأعمال مشمولة بقوانين حماية الملكية الفكرية. ويوجد ضمن الموقع اليوم أكثر من عشرة آلاف من هذه الكتب، والتي تتوفر كملفات نصية مضغوطة، أو كملفات نصية فقط. وقد كان هدف هارت منذ البداية هو أن يتمكن من تزويد مستخدمي إنترنت بأكثر من تريليون ملف نصي مع نهاية العام 2001. ورغم الكميات الهائلة من الملفات المتوفرة ضمن موقع مشروع غوتنبرغ، فإنه لم يحتو على كثير من الميزات التي يمكن أن تجعل منه مكتبة رقمية كاملة، مثل إمكانيات البحث في النص، أو تصنيف الكتب، وما إلى ذلك، ولا يحتوي الموقع حتى اليوم إلا على محرك بحث بسيط يبحث في الكتب حسب العناوين أو حسب اسم المؤلف. والسبب في ذلك هو أن هارت منذ البدء ليس بمهتم بالنواحي التقنية للموقع، وهدفه الوحيد، وحلم حياته، هو أن يضع أكبر كمية من الكتب الرقمية المجانية على الشبكة. ويحصل هارت على تمويله اليوم من الجامعة البندكتية في ولاية إلينوي، والتي عينته أيضا أستاذا في علوم النص الإلكتروني ووفرت له المعدات اللازمة لتشغيل الموقع، كما يعاون هارت في جهوده شبكة من المتطوعين يبلغ عددهم حوالي الألف. ==ولكن هارت لم يكن وحده في جهوده الرامية إلى إنشاء أضخم مكتبة إلكترونية للنصوص الرقمية، حيث ظهر في أوائل التسعينيات مشروع واير تاب وهو موقع يستخدم إلى اليوم تقنية غوفر لتداول الملفات عبر الشبكة، ويحتوي على مجموعة هائلة من النصوص الرقمية المتخصصة، كنصوص المعاهدات والقوانين الدولية، والوثائق التقنية والعسكرية وما إلى ذلك. وفي عام 1993 قام شاب اسمه جون مارك أوكربلوم، وكان طالبا في علوم الكومبيوتر ويعمل كمدير لموقع إنترنت الخاص بجامعة كارنيغي ميلون، ببدء العمل على فهرس يضم وصلات إلى جميع الكتب الإلكترونية الموجودة على الشبكة بما في ذلك مشروع غوتنبرغ. وأطلق أوكربلوم على فهرسه هذا اسم صفحة الكتب الإلكترونية The Online Books Page. وفي عام 1998 حصل أوكربلوم على درجة الدكتوراة في علوم الكومبيوتر وانتقل إلى جامعة بنسلفانيا حيث أخذ يعمل على الأبحاث المتعلقة بعلم المكتبات الرقمية في مكتبة الجامعة وقسم علوم الكومبيوتر، مرتكزا على فهرسه الأساسي الذي طوره في جامعة كارنيغي ميلون والذي أصبح الآن جزءا من مراجع المكتبات الرقمية لدى جامعة بنسلفانيا ويحتوي الموقع اليوم على وصلات لعشرات الألوف من الكتب الإلكترونية المجانية باللغة الإنجليزية أو غير المجانية ولكن التي سمح مؤلفوها بنشرها عبر إنترنت. كما يحتوي الموقع على وصلات إلى العديد من المواقع التي تقوم بنشر الكتب الإلكترونية مثل مشروع غوتنبرغ. ولا تقوم أية جهة رسمية بتمويل الموقع، ولا زال أوكربلوم يقوم إلى اليوم بالاعتناء بالموقع مجانا ودون أي مقابل.
وفي ذروة عصر الدوت كوم أدرك بعض رواد المكتبات الرقمية أنه رغم الانتشار السريع لإنترنت، وصيرورتها أحد أهم المصادر المعلوماتية، فإن الكثير من المعارف البشرية الهامة لا تزال محتجزة في بطون الكتب. ولكن هؤلاء لم يكونوا من الثوريين المتمردين أمثال هارت وأوكربلوم، ولكنهم كانوا رجال أعمال تقليديين أرادوا استغلال الفرص التجارية التي يمكن للمكتبات الرقمية أن توفرها لهم. ومن بين هؤلاء كان تروي وليامز المدير التنفيذي والمؤسس لموقع questia، والذي يعتبر اليوم أكبر مكتبة رقمية ذات طابع تجاري في العالم.
ففي بداية عام 1998، وربما أثناء وقوفه في طابور أجهزة تصوير الوثائق، أو طابور استعارة الكتب في إحدى الجامعات الأمريكية، أدرك وليامز عدة أمور هي:
1) ألن يكون هؤلاء الطلبة مستعدين لدفع مبلغ معين من المال مقابل تجنب صفوف الانتظار، وعملية البحث المضنية عن الكتب المناسبة لأبحاثهم؟
2) تصوير الطلاب لصفحات من الكتب أو لكتب بأكملها يمثل فرصة ضائعة للشركات الناشرة لهذه الكتب.
3) ألن توفر المكتبات العامة والجامعية الكثير من التكاليف الإدارية لو قامت بالاعتماد على الكتب الرقمية وأتاحتها كمرجع للطلاب؟
وانطلاقا من هذه التساؤلات، وبعد حوالي العامين ونصف العام من التخطيط والدراسة والإعداد أطلق وليامز موقع Questia إلى الفضاء الخائلي. واعتمادا على نتائج دراسة الجدوى فقد اختار وليامز أن تتخصص كويستيا في مجال الكتب الرقمية الخاصة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، ورغم أنه كان بإمكان الموقع أن يحتوي يوم افتتاحه على أكثر من مائة ألف كتاب، فإنه بدأ بخمسين ألف كتاب متخصصة في ذلك المجال فقط. وتتلخص فكرة الموقع في أن الطلاب الجامعيين والباحثين يطلبون عادة الكتب القديمة، وبالتحديد التي يزيد عمرها عن الخمسة سنوات. كما لاحظ وليامز أيضا أن شركات النشر تتوقف عن إعادة طباعة معظم الكتب بعد سبع سنوات من نشرها، ولكن هذه الكتب تحتفظ بقيمتها لمدة ثلاثين سنة أو أكثر. لذا قامت كويستيا بالتعاقد مع أكثر من 170 ناشرا (عددهم اليوم هو 235)، وحصلت منهم على حقوق رقمنة كتبهم التي تتميز بهذه الصفة، ومن ثم إتاحتها للجمهور من خلال الموقع (وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل). ولاختيار الكتب، قام وليامز بتوظيف عشرة مختصين في علم المكتبات، وبالذات من المتخصصين في علم انتقاء مجموعات الكتب. وقام هؤلاء باختيار خمسين ألف من أفضل الكتب المتوفرة لدى الشركات الناشرة، وهي الكتب التي شكلت نواة المشروع. ورغم أن هذه المكتبة صغيرة بالمقارنة مع المكتبات التقليدية فإنها تتميز بأن الكتب متوفرة دوما للمستخدمين، كما أنه يمكن لكل مستخدم الحصول على نسخته الخاصة من الكتب المتوفرة. وتقوم كويستيا بتوفير الخدمة للطلاب الجامعيين والباحثين في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث يقوم الطالب بالاشتراك في الموقع، ويتمكن مقابل اشتراكه من النفاذ إلى كامل محتوى الكتب الرقمية، والبحث في محتواها للعثور على المعلومات التي يريدها، باستخدام محرك بحث متقدم من أوراكل وهو برنامج ConText، إضافة إلى أن كويستيا تقوم بتعليم البيانات باستخدام لغة XML، مما يجعل عملية العثور على المعلومات أكثر سهولة. ويمكن للطلبة أن يقوموا بطباعة نتائج عمليات البحث التي يقومون بها. ولكن الموقع يوفر ما هو أكثر من المراجع، كأدوات لكتابة الملاحظات على الصفحات، وإنشاء الحواشي، وفهارس المراجع (وذلك لتشجيع الطلبة على ذكر المراجع التي حصلوا منها على معلوماتهم). كما يحتوي الموقع على العديد من القواميس والفهارس، إضافة إلى إمكانية وضع مجموعات معينة من الكتب ضمن رف رقمي شخصي. وماذا عن الشركات الناشرة للكتب؟ ما تقدمه خدمة كويستيا للشركات الناشرة يفوق مجرد شراء حقوق النشر، حيث تحصل هذه الشركات على نسبة معينة من إيرادات الاشتراكات ضمن الموقع، وهو مصدر دخل من كتب لا تدر في العادة عوائد على الشركات، كما أن المستفيدين منها عادة هم مراكز تصوير ونسخ الكتب التي يلجأ إليها الطلبة عادة. ولا يؤمن وليامز بجدوى سوق الكتب الرقمية خلال الأعوام الثلاث القادمة، حيث أن المنتجين لم يستقروا بعد على نسق قياسي يتم بموجبه إنتاج الكتب الرقمية، ولا زال السوق بحاجة إلى تحديد النسق الأفضل. كما أنه يعتقد أن الطلب غير موجود من قبل القراء (يجدر الإشارة إلى أن موقع أمازون يبيع الكتب الرقمية). ومن جهة أخرى يرى وليامز أن الطلب في الوقت الحالي يتمركز حول استخدام إنترنت لكتابة أوراق البحث. وما يقوم به هؤلاء الطلاب في الوقت الحالي هو اللجوء إلى مصادر غير محكمة أو موثقة على إنترنت. وما توفره كويستيا هو مراجع موثقة ومحكمة من الدرجة الأولى يمكن استخدامها لكتابة أبحاث أفضل.
ومن الشركات الأخرى العاملة في هذا المجال هي شركة نت لايبراري. وتتبع هذه الشركة نموذجا مختلفا عن نموذج كويستيا. فهي ليست خدمة اشتراك، بل تقوم بناء على طلب المكتبات الجامعية، والتي ترغب في إنشاء مكتبات رقمية، برقمنة مجموعات من الكتب في مواضيع مختلفة، وتقوم هذه المكتبات بشراء هذه الكتب من نت لا يبراري. وحسب نموذج عمل نت لايبراري فإن بإمكانها استضافة الكتب الرقمية على مزوداتها. حيث تقوم المكتبات بتحديد سياسات التحقق من الهوية. وكما هي الحال في المكتبات التقليدية فإنه متى ما تمت استعارة كتاب ما فإنه يصبح غير متاح إلا بعد إعادته. وتقوم شركة نت لايبراري بتحويل الكتب الرقمية أو المطبوعة إلى نسق إلكتروني خاص يمكن التعامل له ضمن النظام. ومن ناحية تتميز نت لايبراري بأنها لا تتخصص في مجال معين بل تقوم برقمنة الكتب المتخصصة في جميع المجالات بما في ذلك علوم الكومبيوتر والطب والمواضيع الأكاديمية الأخرى، ومع ذلك فإن مجموعتها من الكتب أصغر حجما من مجموعة كويستيا، حيث يبلغ عدد الكتب 40 ألف كتاب. ومن ناحية أخرى فإن الشركة تقوم بإتاحة كافة موادها للمستخدمين من دون رسوم اشتراك. ولكن متى ما أراد الباحث أن يقوم بطباعة أو قص ولصق المحتوى فإن عليه أن يدفع رسوما معينة مقابل ذلك. ومع أن هذا النظام يساعد الشركة والشركات الناشرة المتعاونة معها على استخلاص أكبر قدر ممكن من العوائد، فإننا نشك في أن الطلبة سيرغبون بالدفع مقابل كل نسخة من المعلومات يودون الحصول عليها. ولهذا فإن نموذج الاشتراك الشهري أو السنوي عملي أكثر بالنسبة للكثير من المستخدمين، والذين يرغبون في دفع سعر ثابت عادة مقابل النفاذ غير المحدود. كما أن نت لايبراري لا تقدم ضمن موقعها بيئة الدراسة المتكاملة التي تقوم كويستيا بتوفيرها للمستخدمين، مما يجعلها أكثر صعوبة عند التعامل معها. وإضافة إلى علاقاتها الواسعة مع شركات النشر العالمية، فإن عدد زبائن الشركة من المكتبات يبلغ، حسب قولها، أكثر من 5500 مكتبة عامة وجامعية في الولايات المتحدة.
تقوم هذه الشركة بتطوير البرمجيات والخدمات اللازمة لنشر الكتب الرقمية وتداولها بشكل آمن على إنترنت. وأهم منتجات الشركة هو برنامج ebrarian والموجه للناشرين ومزودي المحتوى الراغبين بإنشاء مكتبات رقمية تتكون من الكتب التي لا زالت خاضعة لقوانين حماية الملكية الفكرية، والمجلات العلمية المحكمة. ورغم أن النفاذ إلى هذه المطبوعات آمن ويخضع لقوانين التحقق من الهوية، حسب رغبة المكتبات التي تقوم باقتنائه، فإن البرنامج يسمح لمحركات البحث على إنترنت بفهرستها، وذلك للمساعدة في توجيه المستخدم الاعتيادي إليها، ولكن دون السماح له بالنفاذ إليها إلا حسب الشروط التي تضعها المكتبات. وبهذه الطريقة تزيد الشركة من نسبة النفاذ إلى المكتبة الرقمية، وأيضا الإيرادات الناجمة عن استخدام هذه الكتب الرقمية. وتقول الشركة بأنه من خلال رقمنة الكتب والمجلات الجامعية والسماح بفهرستها عبر إنترنت، فإنه بالإمكان إضافة 9.6 بليون صفحة إلى إنترنت، من المحتوى العلمي المرجعي، والذي تفتقر إنترنت إليه حاليا. كما تقوم الشركة حاليا بإعادة ببناء مكتبة رقمية، تقول بأنها ستقوم بتثوير عملية البحث على إنترنت وذلك من خلال الدمج ما بين أمن حقوق الملكية الفكرية ، والبحث الكامل في النص، وأدوات لبناء الفهارس في أوراق البحث (كالموجود ضمن موقع كويستيا). وتقول الشركة بأنها ستتبع نموذجا مماثلا لنموذج نت لايبراري، حيث أنها لن تقوم بفرض رسوم اشتراك، ولكنها ستقوم بجعل المستخدمين يدفعون مقابل طباعة أو نسخ ولصق المعلومات التي يريدون الحصول عليها. وتقوم الشركة بدورها بمشاركة هذه العوائد مع الشركات الناشرة. كما يمكن للمستخدمين شراء الكتب الرقمية بأكملها إذا رغبوا بذلك. وتقول الشركة أيضا بأن النظام الذي طورته يمكن الشركات الناشرة من بيع محتواها بالصفحة أو بالفقرة إذا رغبوا بذلك أيضا. وقد ابتدأت الشركة في عام 1999 على يد كريستوفر وارنوك وكيفن سايار، حيث طور وارنوك فكرة الموقع أثناء دراسته في جامعة يوتا، وبعد عمله لعدة سنوات في شركة أدوبي وصناعة النشر. وبعد أن قلم وارنوك بتطوير خطة العمل تقدم بها إلى جامعتي ستانفورد ويوتا. وكانت جامعة ستانفورد في ذلك الحين قد حصلت على منحة من مؤسسة ميلون لتمويل بحث يمكن أن يؤدي إلى تطوير طريقة يمكن بها للشركات الناشرة أن توزع أعمالها إلى أجهزة مزودة تقوم بدورها بتوزيع هذه الكتب إلى المكتبات الجامعية. أما اليوم فتشرف مجموعة من كبريات الشركات الناشرة على تمويل أعمال الشركة وهي راندوم هاوس من خلال ذراعها التمويلي، وشركة بيرسون، وشركة ماغروهيل.
وماذا عن المكتبات الرقمية في العالم العربي؟ لسوء الحظ، الصورة ليست مشرقة حاليا. فهنالك خمس مكتبات رقمية إحداها : هي الخاصة بمعهد الإمارات للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، والتي قامت قبل عامين برقمنة جميع نتاجها العلمي باستخدام نظام نوليدج بيس KnowledgeBase وهذه المكتبة متاحة فقط للعاملين ضمن المركز. ومن المحاولات الأخرى لإنشاء مكتبة رقمية هو الوراق (alwaraq.net)، والذي قامت شركة كوزموس للبرمجيات بإنشائه وتضمينه أمهات الكتب التراثية العربية، وميكانيكيات بحث ممتازة، ولكن هذا الموقع متخصص جدا في محتواه والذي يقتصر كما قلنا على الكتب التراثية العربية. أما المحاولة الثالثة التي نعرفها، وهي نواة ممتازة لمكتبة رقمية، فهو موقع مرايا الثقافي، والذي قام بإنشائه الباحث اللبناني عدنان الحسيني، والشاعر الإماراتي علي بن تميم. ويسعى الموقع لجمع النتاج الأدبي العربي المعاصر من شعر وقصة ومسرح ضمن موقع واحد. وتوجد على الموقع نخبة جيدة من المحتوى ولكنها ليست بالغزارة التي تؤهلها لتكون مكتبة رقمية. وليس للموقع حاليا أية أهداف تجارية، بل هو جهد محبة كما يقولون، وهو بذلك يذكرنا ببدايات مشروع غوتنبرغ، والذي بدأ بـ 12 كتابا، وتوسع اليوم ليشمل عشرات الألوف من الكتب. وهناك موقع الموسوعة الشعرية والذي قام بإنشائه المجمع الثقافي في أبو ظبي. وتعتبر الموسوعة الشعرية باكورة أعمال المجمع الثقافي في مجال النشر الإلكتروني، وهي تهدف إلى جمع كل ما قيل في الشعر العربي منذ الجاهلية وحتى عصرنا الحاضر، ومن المتوقع أن تضم أكثر من ثلاثة ملايين بيت، ويقصد بالشعر العربي؛ الشعر العمودي الموزون وباللغة العربية الفصحى. ويضم الإصدار الحالي من الموسوعة الشعرية حوالي المليون وثلاثمائة ألف بيت من الشعر موزعة على الدواوين الشعرية الكاملة لأكثر من ألف شاعر في حين يتم زيادة هذا الحجم بمعدل مائة ألف بيت شهرياً، يتم إدخالها وتدقيقها ومراجعتها للتأكد من خلوها من الأخطاء حرصاً على أهمية هذه المادة، ولتعرض بالشكل اللائق بالشعر الذي يعتبر ديوان العرب. وخامساً : مكتبة المسجد النبوي الشريف http://www.mktaba.org والتي تقوم بجمع كل الكتب الإسلامية في صيغة إليكترونية ووضعها في قواعد بيانات وإتاحة البحث فيها للباحثين والرواد في داخل المكتبة ولكنها غير متاحة على الإنترنت. وعدا عن هذه المحاولات لا توجد أية محاولات أخرى نعرفها لإنشاء مكتبات رقمية عربية، وهو أمر نأمل بأنه سيتغير وذلك بتظافر الجهود بين دور النشر العربية وشركات التقنية.
وجدير بالذكر أن لا ننسى المكتبة العربية التي تمثل أكبر تجمع للكتب العربية الإلكترونية على مستوى العالم . حيث نشأت المكتبة العربية لتوثيق صلة المستخدم العربي بشتى منابع العلوم والمعرفة وللحفاظ على الكتب العربية وتوفيرها لكل العرب في كل أنحاء العالم .
رغم التطورات الكبيرة في مجال تقنيات الكتب والمكتبات الرقمية فلا زال أمامها شوطا بعيدا كي تقطعه لتحقيق الانتشار الكامل، والمشكلة الأساسية هنا هي موضوع حقوق النشر والتأليف. فمن ناحية يجمع الكثيرون من أقطاب الصناعة على أن تقنيات حماية وإدارة حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالمحتوى الرقمي لم تحقق بعد مستوى الأمن المطلوب، حيث لا زال من السهل كسر التشفير الخاص بالكثير من هذه الأدوات، كما حصل في حالة شركة أدوبي مؤخرا حين تمكن أحد الهكرة الروس من كسر شيفرة كتبها الرقمية. وترى شركات النشر أنه ما لم يتم حل هذه المعضلة فإنهم يخشون أن تؤول الكتب الرقمية إلى مصير مشابه لما حصل في صناعة الموسيقى عند ظهور نابستر، ويقولون بأن مصير التقدم البشري مرهون بحل هذه المشكلة، فإذا ما تمت قرصنة الكتب على نطاق واسع فإن ذلك سيؤدي إلى امتناع المؤلفين عن الكتابة والنشر، مما سيؤدي إلى تضاؤل النتاج العلمي. ولكن شركات النشر، وتحت هذا الغطاء، والذي نفهمه ونقدره كوننا كتابا، تخوض حربا شرسة لتمديد الفترة التي يكون فيها كتاب ما خاضعا لحقوق الملكية الفكرية. وقد نجحت الشركات الأمريكية في عام 2000 إلى مد الفترة التي يكون فيها كتاب ما خاضع لحقوق الملكية الفكرية إلى 75 عاما بعد موت المؤلف، وهو تمديد يهدد المكتبات الرقمية المجانية من أمثال مشروع غوتنبرغ، والذي يتخصص في رقمنة الكتب التي لم تعد خاضعة لقوانين حماية المؤلف، والتي كانت في الماضي تسقط عن الكتب بعد 25 عاما من موت المؤلف. ويقول مايكل هارت وأوكربلوم بأن هذه القوانين تحمي الشركات الناشرة وأرباحها فقط. ويقول أوكربلوم مازحا بأنه طبقا لهذا القانون فإن المخططات الهندسية لأول طائرة، والتي ابتكرها الأخوان رايت، لا تزال محمية بقوانين حماية المؤلف الجديدة. وأخيرا هنالك موضوع البنية التحتية الخاصة بإنترنت التي نعهدها اليوم، وخصوصا المواضيع المتعلقة بالبروتوكولات المستخدمة لنقل البيانات حاليا (وعلى رأسها TCP/IP)، والتي لا تسمح بتقديم خدمات متقدمة وآمنة لرواد المكتبات الرقمية. وهذا أمر بأمل القائمون على مشروع إنترنت 2 Internet 2 بأنه سيتغير، حيث أن هذا المشروع لن يوفر سعة الموجة اللازمة لتداول المحتوى الرقمي وحسب، بل سيقوم أيضا بتطوير بروتوكولات تناقل البيانات لتدعم نوعية خدمة أفضل Quality of Service. ومن الجدير بالذكر هو أن مشروع إنترنت 2 قام بمبادرة من مجموعة كبيرة من المعاهد الدراسية والجامعات الأمريكية ومراكز البحث العلمي، التي تنظر إلى المكتبات الرقمية كأحد المبررات الأساسية للمشروع.
يوجد فرق شاسع بين أتمتة المكتبات ورقمنتها. ففي حين تعنى الأتمتة بحوسبة العمليات المكتبية مثل استعارة الكتب وفهرستها وتنظيم العمليات الداخلية للمكتبات، فإن رقمنة المكتبات تعني تحويل مجموعات من الكتب ضمن المكتبات التقليدية إلى صورة رقمية سواء بمسحها ضوئيا، أو إدخالها كنص إلكتروني. وتوصي شركة صن مايكروسيستمز، وهي من الشركات الرائدة في إنشاء المكتبات الرقمية في الولايات المتحدة، بأخذ النقاط التالية بعين الاعتبار عند إنشاء المكتبات الرقمية.