الرئيسيةبحث

مقاومة الحياينة



من مقاومات قبائل الحياينة للمستعمرين قبل الحماية وبعدها

لم تكن قبائل الحياينة بمعزل عن باقي القبائل والمناطق المقاومة للاستعمار ، لن أبالغ أبدا إذا قلت أن قبائل الحياينة تحملت كثيرا من العبء في سبيل الدفاع عن فاس عاصمة الدولة المغربية آنذاك ، من الأكيد أن التموقع الاستراتيجي لقبائل الحياينة شمال شرق فاس كان له وقع واضح في تحملها لمسؤوليات جسام ، كانت قبائل الحياينة تصد الهجمات وتقف حاجزا في وجه الأطماع الخارجية القادمة من الجهة الشرقية نحو الداخل ، وتازة تتآزر مع قبائل مجاورة لإخراج ومحاربة المستعمر الماسك بزمام الحكم في فاس ، وإلى جانب ذلك كانت تشارك في صنع سياسة فاس كما يشير إلى ذلك الدكتور مزين : (( ... ومثال ذلك قبائل الحياينة بفروعها الثلاث : أولاد عمران وعليان وأولاد رياب وما كان لهم من دور كبير في سياسة فاس أواخر العهد السعدي ...)). وقد جاء ذكرهم عند صاحب الأقنوم والستان الظريف ، وهذا معناه أن قبائل الحياينة بحسب المصادر التاريخية لم تكن لتنخرط في المقاومة ضد الفرنسيين عهد الحماية والاستعمار فحسب ، بل كان لها دور كبير في صد هجومات العدو قبل دخول المعمر الفرنسي وقبل الحماية . ولعل من البطولات الكبرى التي يسجل الانتصار فيها لقبائل الحياينة معركة وادي اللبن ضد الجيش التركي ، الذي حاول الدخول إلى المغرب عن طريق الجزائر بعد أن استولوا على شمال إفريقيا بكاملها ، غير أنه لم يستطع مع ذلك التوغل إلى عاصمة المغرب الأقصى ، إذ وجد أمامه جيشا قويا منظما من قبائل الحياينة ، وبعد هذه المحاولة التي سبقت عهد الاستعمار الفرنسي ، جاءت محاولة الهبري الجزائري الذي التمس من فرنسا وهي آنذاك تستعمر الجزائر ، إذ كان هذا الأخير طلب من أحد الجنرالات الفرنسيين تزويده بالعتاد والرجال واعدا إياهم بضمان النصر والدخول إلى فاس ، في عهد السلطان الحسن الأول كما تشير إلى ذلك الوثائق التاريخية دائما ، دفعت فرنسا بهذا الرجل ( الهبري) بعدما كان أبدى استعداده ورغبته في الزحف على فاس من المغرب الشرقي عبر ممر تازة ، إذ عمدت فرنسا لتجهيزه بجيش من الجزائر لاحتلال المغرب وتسليمه لفرنسا ، آنذاك وصل الخبر إلى السلطان الحسن الأول وهو بين تازة وفاس ، مما كان دفع بالسلطان للاستنجاد بقبائل الحياينة وقائدها محمد لحمر الذي كان برأس الواد ، وقيادة هذا الأخير تكبد جيش الهبري الجزائري المدعوم بالجند والعتاد خسائر كبيرة وجرى خلال المواجهة بين جيشه وقبائل الحياينة إلقاء القبض على الهبري وتم اقتياده مكبلا إى فاس وسلمه القائد لحمر هدية للسلطان الحسن الأول والقصة بتفاصيلها مبسوطة في كتاب الحلل البهية في تاريخ الدولة العلوية للمشرقي. كانت هذه إحدى المحطات البارزة في المقاومة المحودة التي سجلها التاريخ لقبائل الحياينة قبل الابتلاء بالاستعمار الفرنسي ، وتمر الأعوام فيقع المغرب تحت قبضة الاستعمار بعد التوقيع على الحماية في 1912م ، وبحكم تواجد منطقة الحياينة بالقرب من مدينة فاس ، وهي آنذاك تحت الحكم الفرنسي ، وفي المحور الرابط بين فاس ووجدة جعلت فرنسا الجنرال ليوطي يخطط لتأمين الطريق الذي يوصل فاس بالجزائر مستعمرتها الأولى بشمال إفريقيا ، بضبط تحركات القبائل المجاورة لفاس من مغبة تهديدها لسلامة محورها الاستراتيجي ، هذه الدواعي وغيرها جعلت ليوطي منذ دخوله لمدينة فاس يوجه اهتمامه صوب القبائل المحاذية لإخضاعها ، واستغلال خيراتها الوافرة التي كانت فتحت شهية المعمر للاستحواذ على ضيعات ضفاف أودية سبو وإيناون ، مما دفع بليوطي المقيم العام الفرنسي لبسط السيطرة على هذه المناطق وإخضاعها للحكم العسكري بسبب شدة مقاومة رجالاتها وصلابتهم وهذا مما لم تقبله قبائل الحياينة حيث دفعها ذلك للالتفاف حول القيادات القبلية المحلية الداعية للجهاد ضد الكفار – المستعمر الفرنسي- إذ استطاعت أن تفشل التحركات الاستعمارية التي وجهها الجنرال ليوطي لإخضاع المنطقة لأهميتها الاستراتيجية في المعادلة السياسية لإدارة الحماية ، مما دفع بسلطات الحماية للقيام بمحاولات لاستمالة بعض القبائل المجاورة للحياينة قصد التحالف معها وإخضاع قبائل الحياينة وقبائل أخرى لسيطرتها ، غير أن الأحداث التاريخية أكدت فيما بعد أن هذه القبائل وقفت بالمرصاد في وحد الاستعمار الفرنسي ، إذ اشتبك الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال كوروفي 22 يونيو 1913 مع قبائل الحياينة شمال غرب واد إيناون وصولا إلى تيسة ، وفي جبل أمركو بمولاي بوشتى وقف الجنرال مواتيي الذي كان على رأس قيادة الجيش الفرنسي بمنطقة فاس في مواجهة مع القائد الفشتالي السملالي ، وسقط في هذه المواجهة ثلاثة ضباط فرنسيين وجرح 18 آخرين ، هذه الهزيمة النكراء دفعت ليوطي لعزل مواتيي وتعويضه بالجنرال ديسبري الذي واصل الحرب ضد قبائل الحياينة ومركزها تيسة إلى حدود شهر أكتوبر 1913م ، وفي تلك المواجهات كانت الجيوش الفرنسية مجهزة بأحدث الأسلحة المتطورة ، ولم تكن بالمقابل لقبائل الحياينة وغيرها ممن جاورها سوى الفرسان والأسلحة البسيطة وما تغنمه من العدو على قلته ، إذ استطاعت رغم تباين ميزان القوى من إيقاف زحف الجيش الفرنسي لوقت طويل ، مضحية في ذلك بشهداء كثر وبدواوير ومحاصيل ومغروسات دمرت عن آخرها ، لما كانت أبدته قبائل الحياينة من بطولات ضد الجنود الفرنسيين ، في هذا يقول مصطفى العلوي في مؤلف " المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية " : ( لقد بدأت متاعب ليوطي عندما أعلن أن فاس هدأت وخرج الجنرال كورو في جولة بضواحي فاس يوم 14يونيو من عام 1912م وفقد 12 من ضباطه وجنوده وعلى رأس القتلى الليوتنان هولتز... ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل... ...في شهر مارس من عام 1913م منعت قبائل الحياينة دخول الجيش الفرنسي إلى مركز تيسة – عاصمة الحياينة – بفعل ذلك اضطر الجنرال كورو إيقاف كل تحركات العسكر الفرنسي نحو المنطقة بسبب المقاومة العنيفة للقائد الحجامي الذي كان يجابه القوات الفرنسية بتنسيق مع قبائل الحياينة والقائد الفشتالي ، وقد شكل هؤلاء معا درعا قويا في وجه الاستعمار الفرنسي المتمركز بمدينة فاس على مشارف قبائل الحياينة . وحاول الجنرال كورو فك هذا الحصار في هجمة قادها بنفسه في 24 يناير 1914م ، ويؤكد مصطفى العلوي أن الجنرال كورو إنما كان يقوم باستعراض قوة جيشه لإرهاب قبيلة الحياينة ، حيث أنشأ لهذا الغرض مركزا للمراقبة والتتبع على بعد 10 كيلومترات من تيسة في موقع الزرارفة . مقابل الوضع الحرج الذي وضعت فيه القوات الفرنسية في مواجهتها لقبائل المنطقة اضطر الجنرال ليوطي المقيم العام الفرنسي إلى تنظيم حملة عسكرية جديدة قادها بنفسه وفق خطة – ليوطية – رسمها بنفسه ، إذ أصدر هذا الأخير أوامره للجنرال بومكارطن للحضور على رأس قواته ، وبالفعل وصل في 15 ماي 1914م ، وهنا كتن القرار الذي لم يسبقه مثيل ، حيث اجتمعت كل القوات الفرنسية ، وقرر المقيم العام بنفسه خوض المعركة بتقسيمه للجيش إلى مجموعات ثلاث : فيلق ترأسه شخصيا وفيلق ثان يقيادة الجنرال كورو ، وفيلق ثالث بقيادة الجنرال بومكارطن ، هذه المجموعات الثلاث عززت بالعتاد المتطور والمدفعية وسلاح الجو ، ملحقة بالقبائل الثائرة خسائر جسيمة بعدما لقيت مقاومة عنيفة من قبيلة الحياينة بالخصوص ، فقد تعرضت الفيالق الثلاثة في واد إيناون ، الذي يخترق قبيلة أولاد رياب في الوسط ، يومي 16 و 17 شتنبر 1914 م لهجوم قوي من قبل ساكنة هذه القبيلة ، ويذكر مصطفى العلوي في المناورات نقلا عن وثائق بالأرشيف الفرنسي قول محررها : ( لقد كنا نضرب مهاجمينا بالمدافع ... وتنتهي هذه المعركة بوضع القبيلة تحت الحكم العسكري طيلة الفترة الاستعمارية بقيادة هنرس ).

بقلم الدكتور حميد لحمرأستاذ التعليم العالي كلية الآداب فاس - سايس