الرئيسيةبحث

معصومة محمد كاظم


الاستاذة الدكتورة / معصومة كاظم (1927 - 2005) هي استاذة تعليم الرياضيات ورائدة تعليم الرياضيات في مصر.

ميلادها ووفاتها: ولدت في 14 يناير ،1927 ورحلت عن دنيانا الجمعة 3 يونيو ،2005

هي: الرائدة في علم الرياضيات، او كما ذكر تقرير ترشيحها لجائزة جامعة عين شمس التقديرية لعام 2003/2004: ».. قامت سيادتها وتقوم بأبحاث وانتاج علمي يتسم بالتنوع والاصالة والعمق، كما تبنت تحديث مناهج الرياضيات بموضوعات جديدة مثل الرسومات التخطيطية والهندسات اللا اقليدية والنمذجة وغيرها، لكل هذه الريادة للمرأة العربية وكل هذا السبق العلمي الذي حققته بوجودها العلمي المتميز والمنير والثقافي المشرف في كثير من المؤتمرات والمحافل العلمية، يمكننا ان نري بجلاء مردود هذا السبق والريادة بكل الابعاد المثمرة علي الساحات الثقافية والفكرية والقومية..«

تقول عنها اختها الصغرى الاعلامية "صافي ناز كاظم" : اكتب عن الاستاذة الدكتورة معصومة محمد كاظم في يوم المرأة المصرية بصفتي واحدة من المراجع التي بإمكانها حكاية مسيرتها، وسيرتها، لا اتحرج لانها شقيقتي الكبري، فانا اتزين بهذه الحقيقة.

لسبب لم افهمه ابداً رفضت »اختي« مبدأ الاضاءة الاعلامية للتعريف بقدرها وقيمتها العلمية الرائدة، علي طول مشوارها الاكاديمي الذي طرقت فيه ابوابا لم يسبقها اليها احد، بين الرجال والنساء، وفي مصر والعالم العربي، عندما دبرت لها مصيدة كلام سجلته لها يوم الجمعة 19/7/2002 تحت غطاء دعوة للغداء في فندق السلام بالقرب من بيتها بمصر الجديدة، كانت تقاطعني بعد كل استرسال: »اوعي الكلام ده تكتبيه!« هل كان هذا زهدا منها ام وجهة نظر وراءها من يهتم وماذا يهم؟ وحين كنت اتحفز بقول مثل: انت »خبيئة« غالية من كنوز »مصر« العلمية، ومن حقنا ان يعلم شعبنا مدي ثراء ارصدته واتساع دائرة ما يمتلكه من علماء وادباء ومفكرين وموهوبين، علي مدي الاجيال، تكذيبا لحلقات الندب والعويل بكاء علي فقرنا الحضاري وتخلفنا العلمي، تكتمني دعابتها الجادة التي لاتكف عن ترديدها: »متي صلح الزمان؟« او »متي كرم وطني محبيه«؟ تقولها وهي تهون علي نفسها وعلي من حولها سلبيات حاضرنا..


وتستمر صافي ناز في قولها :

تكبرني بعشر سنوات وسبعة اشهر، هي كبري الصبيان والبنات في اسرتنا وانا الصغري، طفولتي في الاربعينيات من القرن الماضي ـ الشهير بالقرن العشرين ـ هو وقت مراهقتها ومطلع شبابها، بينما كانت الفتيات في عمرها يتطلعن الي صور فاتنات السينما ويحاكين ازياءهن، كانت هي تعلق صورة مكبرة للعالم والفيلسوف الانجليزي اسحق نيوتن »1642 ـ 1727« الذي اكتشف قانون الجاذبية ـ وتصمم ملابسها »فيونكة« عند الرقبة تشبه ماكان يلبسه »نيوتن«! نالت منا لقب »التلميذة الخالدة«، الذي عرفت به »مدام كوري« ذلك لانها لم توفر اي فرصة متاحة للقراءة والدراسة من دون اخذها ولو في محل »بروفيلي« الذي اشتهر بتعليم الحياكة في الاربعينيات وان لم تنشغل ابداً بهذه الخبرة!

كان استغراقها في حل »مسائل الحساب« وسيلة لهوها في طفولتها، واصبحت مواد الحساب والهندسة والجبر ولغريتماته مرادفها عندي: »اختي معصومة«! القدوة في عائلتنا التي حددت مبكراً وبلا جدال مساواة البنت والولد في مواصلة التعليم الي الشهادات العليا بحد أدني »ماجستير«، ومن دون حد اقصى، فالدكتوراه وراءها الابحاث والابحاث والابحاث.. الخ، شغفا بالعلم والمعرفة لاطمعا في منصب او مباهاة.


تأهيلها العلمي : يقول ملفها العلمي الكثير والكثير، الذي لايجوز لي ان »ألخم« نفسي او القارئ بذكر تفاصيله، وان احببت ان اقتبس منه هذه العينات: من مؤسسي كلية البنات جامعة عين شمس، اذ انها أول معيدة من خريجات الكلية يتم تعيينها بها وكان ذلك عام ،1951 بعد تخرجها عام 1949 في قسم الرياضيات والتربية من معهد التربية العالي للمعلمات وكانت الاولي علي دفعتها. وبعد نيلها دبلوم معهد الدراسات العليا في الرياضيات سنة ،1952 حصلت علي ماجستير التربية في طرق تدريس الرياضيات من جامعة أيوا بالولايات المتحدة الامريكية سنة ،1955 ثم ماجستير آخر في الرياضيات البحتة من جامعة كانساس بأمريكا سنة ،1961 ودكتوراه الفلسفة في مناهج وطرق تدريس الرياضيات من جامعة كنساس نفسها عام ،1964 اختيرت لتكون عضوة في حلقة اليونسكو لتطوير مناهج الرياضيات بالبلدان العربية من 1966 ـ ،1972 وشاركت في.. وفي.. وفي.. وسافرت الي.. والي... والي، وحضرت المؤتمرات الدولية لتدريس الرياضيات في بلدان الشرق والغرب والشمال والجنوب في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حتي عوقها المرض عن السفر، وان لم يعقها عن النشاط الذهني المشارك في كل مؤتمرات وندوات ولجان الرياضيات بمصر، ومواصلة الاشراف علي الرسائل العلمية وابحاث طلابها.


اول سيدة تتخصص في طرق تدريس الرياضيات، واول سيدة تحصل علي ماجستير في الرياضيات البحتة، واول سيدة تحصل علي دكتوراه الفلسفة في المناهج وطرق تدريس الرياضيات، واول سيدة تشترك في تطوير وتحديث مناهج الرياضيات، واول سيدة تشارك ـ بالجهد الاكبر ـ في تأليف أول كتاب عن الرياضيات الحديثة باللغة العربية، وهو كتاب »اساسيات تدريس الرياضيات الحديثة« مع الاستاذ الدكتور وليم عبيد، والاستاذ الدكتور محمود شوق، الذي صدر عام 1969 عن دار المعارف، وتطرقت الي موضوعات ومجالات رياضية جديدة لم يسبقها اليها احد، بين الرجال والنساء في مصر والبلاد العربية، مثل بحثها »دور النماذج الرياضية في تطوير مفهوم الرياضيات التطبيقية في التعليم العام«، الذي صدر عن مكتبة الانجلو المصرية ،1978 وبحثها »المجموعة، الزمرة، مفهومها، نظرياتها ونشأتها وتطورها وتطبيقاتها واثر ذلك علي منهج التعليم العام«، عن دار المعارف ،1979 و»الهندسة اللا اقليدية او قصة تحرير الفكر الرياضي وانطلاقه«، بالاشتراك مع أ. د. وليم عبيد، عن دار النهضة العربية 1993.

تقول أ. د. معصومة كاظم في مقالها الشيق عن »رواد ورائدات الرياضيات«: ».. هذه الورقة عن رواد الرياضيات في مجالين مختلفين بينهما علاقة وثيقة، المجال الاول هو مجال التخصص في الرياضيات، والثاني هو مجالس تدريسها، فالرياضيات لايمكن ان تستغني عن طرق تدريسها، اذ تحتاج الي العناية بهذه الطرق حتي يتحقق الهدف منها، وحتي لاتتهم بأنها علم جاف يصعب فهمه مما يؤدي الي تجنبه والاقبال علي الدراسات الادبية، مع اننا نعيش عصر الكمبيوتر والتكنولوجيا، ولا يمكن مسايرة عصرنا الا بالرياضيات..«

ولقد اخترت ان ابدأ بتقديم الرائدات في علم الرياضيات، حيث ان الكثيرين يعتقدون ان المرأة اقل من الرجل في فهم وفي حل المشكلات الرياضية، مع انهن من المؤكد، حتي عند ابسط النساء، يقمن ببعض الاعمال التي تحتاج الي رياضيات فهن يستخدمنها في بيوتهن اوتعاملاتهن التجارية وغيرها، اما دراسة الرياضيات كعلم قائم بذاته، فقد كان العالم الرياضي فيثاغورس أول من شجع النساء علي تعلم الرياضيات ودراستها، وانشأ سنة 539 ق. م اكاديميته لتدريس العلوم والرياضيات والتحق بها مايقرب من 28 امرأة، بعضهن دراسات والبعض الآخر مدرسات، وقامت زوجته ثيانو بكتابة بعض الكتب في الرياضيات والفيزياء والطب وسيكولوجية الطفل، وبعض وفاة فيثاغورس قامت زوجته هذه واثنتان من بناته بمواصلة إدارة اكاديميته العلمية. وفي سنة 387 ق. م. واصل افلاطون تشجيع النساء علي التعلم واكد هذا فيما كتبه في جمهوريته قائلا: علي النساء اتباع كل ما علي الرجال. وبناء علي ذلك انضم الي اكاديميته عدد كبير من النساء متحديات القانون الذي كان يحرم علي النساء الذهاب الي الاجتماعات العامة، في ذلك الوقت. واول من عرف من رائدات علم الرياضيات كانت هيبتشيا »سنة 375 ـ 415م« ابنة عالم الرياضيات ثيون.. كانت هيبتشيا استاذة للرياضيات بجامعة الاسكندرية 375 ـ 415ميلادية ـ ومن اعمالها الرياضية مرجع في القطاعات المخروطة الخاصة بأبولونيوس، ويذكر انها كتبت تعليقا علي بعض اعمال ديوفانتس، ومع ان ما عرف عن اعمالها الرياضية ليس بالكثير، الا ان معاصريها كانوا يقدرونها علميا فقد نالت علما راقيا، وكان والدها العالم ثيون يعمل في متحف الاسكندرية، مركز الاشعاع العلمي بالمدينة، وقد شغلت منصب رئىسة فلاسفة مدرسة افلاطون الجديدة، وقتلها المتدينون المسيحيون بسبب معتقداتها الوثنية وفلسفتها..«

كانت تطلبني هاتفيا كلما خطر علي بالها بيت من الشعر، تراجع معي به قوة ذاكرتها في ايام مرضها الاخير طلبت مني اكمال ابيات للمتنبي جعلتني افتح ديوانه وأقرأ لها: »وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور الا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي« قاطعتني قائلة: »ياه.. كأنه يصف آلامي.. علي فكرة ياصافي المتنبي ده شاعر كويس!« ضحكت أنا فضحكت هي.. ومع السلامة يامعصومة.. مع السلامة يا »اختي«!

هذه خلاصة مقال الاستاذة صافي ناز عن الدكتورة معصومة فهل هناك من لديه عن استاذتنا العظيمة