مسجد المؤيد شيخ يعتبر أحد مساجد عصر المماليك الجراكسة. يقع هذا الجامع بشارع المعز لدين الله ملاصقا لباب زويلة. أنشأه المؤيد أبو النصر شيخ بن عبد الله المحمودي الجركسي الأصل أحد مماليك الأمير برقوق، وكان ذلك ابتداء من عام 818 هـ/1415 م وانتهى في عام 824 هـ/1421 م. حتى تاريخ انتهائه، كانت أجزاء من ملحقات الجامع لم يشرع في بنائها بعد، مثل القبة القبلية وبيوت الصوفية بالخانقاه. يقول فيه المقريزي: «فهو الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه، وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان..».
خلف باب زويلة بالقاهرة القديمة وعلى بعد خطوات قليلة يقع مسجد ضخم بمئذنتين تقعان أعلى أبراج الباب.. هو مسجد "المؤيد شيخ" الذي يعد من أجمل وأضخم المساجد الجامعة بالقاهرة. . وفي جولة داخل المسجد تقترب من أجمل ما خلفه العصر المملوكي من تحف معمارية .
بنى المسجد السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري الذي كان من مماليك السلطان الظاهر برقوق، قبل أن يتحقق له ملك مصر.
وترجع قصة بناء المسجد إلي أن "المؤيد" قد حُبس في خزانة شمال مصر التي كان يسجن فيها المجرمين، وذلك أيام تغلب الأمير منطاش وقبضه على المماليك الظاهرية، وحدث أن قاسى "المؤيد" في ليلة من البق والبراغيث، فنذر لله تعالى إن تيسر له ملك مصر أن يجعل هذه البقعة مسجدا لله عز وجل، ومدرسة لأهل العلم، وقد أوفى بنذره.
وفي رواية أخرى ان سبب سجن المؤيد هو وصول وشاية للسلطان برقوق بأن المؤيد يريد أن يقوم بانقلاب علي الحكم فأمر بسجنه في هذا المكان.
أول ما تشاهده حينما تقترب من المسجد هو باب المسجد الذي يُعد من التحف الفنية وهو في الأساس باب مدرسة السلطان حسن ولكن "المؤيد" قد اشتراه مع تنور نحاس مكفت ليضمه للمسجد.
ويعتبر المسجد تحفة معمارية تدل على عظمة عمليات التشييد في العصر المملوكي . وبعد الولوج من بوابة المسجد الضخمة ترى ضريح "المؤيد"، والى جواره ضريح ابنه إبراهيم الذي مات صبيا.
وعند الدخول من باب المسجد الرئيسي نجد على اليسار سبيل للمياه كان يستخدم قديما في إرواء ظمأ رواد المسجد وعابري السبيل.
المنبر
ويتمتع المسجد بصحن داخلي ضخم نصفه مسقوف وهو بجوار المحراب والمنبر ويقع أمام المنبر جزء منه مرتفع عن الأرض كان يقف عليه "المبلغ" وذلك للترديد وراء الإمام في الصلوات لكي يسمعه الناس على امتداد المسجد.
ويتميز المسجد بقبة داخلية ضخمة يبلغ إرتفاعها تقريبا أربعون مترا، ويتوسط صحن المسجد ميضأة دائرية كان المصلون ولا زالوا يستخدمونها في اغراض الوضوء .
رواق القبلة مغطى بسقف خشبي تعلوه زخارف نباتية ليس لها بداية أو نهاية، وأسفل الزخارف شريط كتابي عليه آيات قرآنية بالخط الثلثي المملوكي مطلية بماء الذهب وجميعها تحث علي إقامة الصلاة.
تعلو الشبابيك الرئيسية شبابيك عليا مصنوعة من الجبس الأبيض وبها زجاج معشق بالألوان.
وكان لمجموعة "المؤيد شيخ" ثلاثة مآذن، اثنان فوق باب زويلة واللتان تشكلان الآن أبرز معالم البوابة، ومئذنة ثالثة مختلفة الشكل قرب المدخل الغربي ولكنها اختفت في القرن التاسع عشر.
وكان المهندس الذي أسس المسجد ويقال أن اسمه محمد القزاز، قد انتهز فرصة وجود برجى باب زويلة فهدم أعلاهما وأقام مئذنتى المسجد عليهما .
مأذنتا المسجد
وقد زوَّد السلطان المؤيد المسجد بخزانة كتب عظيمة تحوي كتبًا في مختلف العلوم والفنون، وهو ما أورده المؤرخ المقريزي، فيُذكر أن السلطان المؤيد شيخ نزل إلى المسجد ودخل خزانة الكتب التي عُملت هناك وقد حمل إليها كتبًا كثيرةً في أنواع العلوم كانت بقلعة الجبل وقدَّم له القاضي ناصر الدين البارزي خمسمائة مجلد، قيمتها ألف دينار فأقر السلطان المؤيد شيخ ذلك بخزانة الكتب بمسجده.
عن المسجد يقول المقريزي: "هذا الجامع بجوار باب زويلة من داخله. كان موضعه خزانة شمائل حيث يُسجن أرباب الجرائم، وقيسارية سنقر الأشقر، ودرب الصغيرة، وقيسارية بهاء الدين أرسلان".
ويوضح المقريزي: "وأول ما ابتدئ في أمر هذا الجامع: أن رُسم، في رابع شهر ربيع الأول سنة ثمان عشر وثمانمائة، بانتقال سكان قيسارية سنقر الأشقر التي كانت تجاه قيسارية الفضائل. ثم نزل جماعة من أرباب الدولة في خامسه من قلعة الجبل، وابتدئ في الهدم في القيسارية المذكورة وما يجاورها، فهُدمت الدور التي كانت هناك في درب الصغيرة، وهُدمت خزانة شمائل. فوُجد بها من رمم القتلى ورؤوسهم شيء كثير..."
بينما يصف المؤرخ بدر الدين العيني، ألقاب السلطان المؤيد فيقول: "ولم يذكر لقب من ألقاب السلاطين مثل ما ذكر هذا اللقب، ففيه إشارة عظيمة لمولانا السلطان المؤيد – خلد الله ملكه – حيث خصه الله بهذا اللقب الشريف، وقد ذكرنا أن وضع الألقاب إلهام من الله تعالى، كما قيل الألقاب تنزل من السماء، وفيه دلالة على (أنه) مقوى على أعدائه، فإذا كان هو مؤيدا – بفتح الياء – ، فكذا هو مؤيد – بكسر الياء – يعني يؤيد شرائع النبي صلى الله عليه وسلم ويقوي أحكام الدين. وقد اجتمعت فيه هذه المحاسن، وهي: اسمه الشريف شيخ الذي يدل على ما ذكرنا (من) أنه شيخ الملوك والسلاطين، وكنيته الشريفة أبو النصر التي تدل على ما ذكرنا (من) أن النصر صار جزءا منه وأنه لا يفارقه، ولقبه الشريف المؤيد الذي يدل على أنه مؤيد من عند الله، ومؤيد لدينه وشرائعه."
أحد الأروقة الذي اعيد بناءها
وقد ظل المسجد قائما حتي قيام الدولة العثمانية، واثناء ولاية أحمد باشا كان هناك مجموعة من الخارجة عن الحكم احتمت بالمسجد، فأمر الوالي بضربهم بالمدفعية ونتج عن ذلك أن تهدم ثلاثة أروقة من المسجد.
وقامت هيئة الأوقاف بزراعة المكان بعدد من اشجار الزينة والفاكهة لحين دخول المسجد مرحلة الترميم.
ومؤخرا قامت وزارة الثقافة بترميم المسجد وإعداده للزيارة السياحية بتكلفة 12 مليون جنيه في إطار المشروع القومي لإنقاذ آثار القاهرة التاريخية. وقد استغرق ترميم المسجد 6 سنوات وتضمن ترميم الأجزاء الأصلية خاصة إيوان القبلة والمداخل والقباب والمدرسة بالاضافة الي احياء العناصر المندثرة من المسجد وفي مقدمتها بناء الايوانات الثلاثة المكملة للجامع. وتم افتتاحه بعد تجديده في يوليو 2007 .
و"المؤيد شيخ" يعتبر من المساجد المعلقة وكان يستغل اسفل المسجد كحواصل ينفق ريعها علي المسجد بالكامل.
السلطان المؤيد شيخ
جلب "المؤيد شيخ المحمودي" إلى مصر عبدا؛ بواسطة التاجر محمود اليزدي، واشتراه السلطان برقوق قبل أن يرتقي العرش ، وعندما أصبح برقوق سلطانا، أعتق المؤيد شيخ وجعله خاصكيا ثم ساقيا ثم حاملا للكأس.
ورقاه السلطان ناصر فرج فيما بعد لمنصب نائب الوصي على العرش لطرابلس (الشام)، وقد أسـره وسجنه تيمور لنك ولكنه تمكن من الهرب والعودة إلى مصر.
ثم عين نائب الوصي على العرش لدمشق، وتطلع إلى إسقاط السلطان الناصر فرج؛ وتمكن من قتله. وأعاد "المؤيد شيخ" الخليفة العباسي إلى السلطة، وشاركه السلطة لشهرين ثم أسقطه في عام 815هـ / 1412م؛ وأعلن نفسه سلطانا.
وكان "المؤيد شيخ" مشهورا في شبابه بالفروسية ولعب البولو والمبارزة. ولكن ختم حياته مقعدا بسبب مرض المفاصل