الرئيسيةبحث

مدرسة الحكمة المتعالية


فهرس

مدرسة الحكمة المتعالية

وهي المدرسة الاسلامية الفلسفية والحكمية التي شيد بنيانها صدر الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى القِوامي الشيرازي (979- 1050 هـ) (1571- 1640م)، الملقب بال "الملاّ صدرا" وعلى لسان تلامذته بـ "صدر المتألهين" أو "صدر المحقِِّقين".

مميزاتها =

من أهم مميزات هذه المدرسة أنها استطاعت التوفيق بين القرآن والعرفان والبرهان، لا أنها قامت بالتلفيق بين الأصول الفلسفية المشائية، والقواعد التي ذكرها العرفاء في العرفان النظري، والمباني التي أسسها المتكلِّمون في أبحاثهم الكلامية، بحيث تنتهي الحصيلة إلى أن تكون الحكمة المتعالية مدرسة مُلفّقة من جميع هذه المدارس. فعلى مستوى العقل والقلب تعتبر هذه المدرسة أنه لا غنى للإنسان الطالب للحقيقة بأحد الطريقين عن الطريق الآخر، إلا أن الدائرة التي يقول فيها العقل والاستدلال العقي كلمته تختلف عن تلك التي يقول فيها العرفان والمكاشفة كلمتهما، فليس أحدهما في عرض الآخر حتى يقع التنافي والتضاد بينهما، وإنما يأتي دور المكاشفة حين ينتهي دور العقل.

منهجيتها

ان منهجيّة مدرسة "الحكمة الإلهية المتعالية" تبتني على توافقيّة بين مصادر المعرفة الثلاثة: العقل، الكشف والوحي -->

العقل

إنّ العقل وموطنه النفس الانسانيّة العاقلة- يمتهن لغة المجرّدات الباقيات الثابتات الحقيقيات اللاتي لا يتبدّلن ولا يتغيّرن مهما تبدّل الليل والنهار. ويقابل العقل الحسّ والخيال اللذان ينتميان إلى دائرة علمية لا تتعامل الا بلغة الزمانيات الممهورة بالزوال والتصرّم، لغة المتكوّنات المحكومة لنظام أو لِسُنّة الكون والفساد، لغة المتقلّبات والمتبدّلات والمتحوّلات. إنّ العقل بإزاء الحسّ والخيال هو المصدر اليقينيّ الموثوق للمعرفة، متّخذاً شكل المفاهيم الكليّة الجامعة، ومتسلّحاً بقلم البرهان يكتب به عناوين الحقائق على صفحات كتاب المعرفة الإنسانية. وهذا لا يعني وجود عداءٍ وخصامٍ بين العقل من جهة والحسّ والخيال من جهة أخرى. فالعقل دوماً كان مستوعباً لهما ومستفيداً منهما ومتمّماً لدورهما وإنجازاتهما على صعيد المعرفة والتواصل مع الواقع الحسي والكون المادي.

الكشف

وموطنه القلب أي الشخصية الإنسانية في حدّ ذاتها، وهي وجود علمي مجرّد أي وجود إحاطي حضوري، يملك المقدرة على استطلاع الحقائق وكشفها من خلال حقيقة القلب وذاته بعيداً عن تكلّف ارتداء الأفكار واكتساء المفاهيم. فيختزل القلب ههنا العملية العلمية بذاته وراء نشاطاته الحسية والعقلية، فلا يقول للمفهوم من خلال الفكر" كن فيكون"، بل يقول ذلك للحقيقة من خلال ذاته وحقيقته، لتصير له معلومة بشكل مباشر، والقلم الذي يستعمله في ذلك هو قلم المكاشفة لا المفاهمة، والمعاينة لا المفاكرة. إنّ الفرق بين المفهوم والحقيقة كالفرق بين من يسمع عن العسل ويُحصّل مفهومه ويعقل ماهيته وبين من يصل إلى واقعه ويدرك حقيقته ويتذوّق العسل ذاته، أو كالفرق بين من يقرأ عن قلعة بعلبك في كتب التاريخ أو المنشورات السياحية، وبين من يقف أمام أعمدتها ليقرأ التاريخ عندها ويفهم واقع الأمم وعلاقاتها مع بعضها، أو كالفرق بين من يدرس عن الخليّة الحيّة ويقرأ عنها في الكتب العلميّة المختصّة، وبين من يُعاينها تحت المجهر ويراقب حركتها وانقساماتها، ويتدخل في عملية نموّها أو تلقيحها .

الوحي

إنّ الوحي يقع مقابل العقل والكشف، حيث يتمثّل الواقع بأكبر وأعلى مراتبه وهو الواقع الإلهي، وبأبهى صفاته وأسمائه وهو الوجود الحيّ القيّوم، السميع البصير، العليم، القدير، المُريد المتكلّم. فإذا كان كلامنا عن العقل والقلب كلاماً عن" طالب الواقع" ومن يريد أن يتعرف عليه فإنّ كلامنا عن الوحي كلام عن "الواقع" المطلوب نفسه الذي يريد أن يُعرّفنا على نفسه بنفسه. إنّ القلب والعقل وجهان علميّان للشخصية الانسانيّة، باحثان عن الحقيقة، بينما الوحي هو الواقع والحقيقة العينية التي تُري نفسها للباحث عنها، فتتصل به قبل اتصاله بها. وهذا ما يعبر عنه باللغة الدينيّة بالوحي الإلهيّ أو كلام الله معنا مقابل كلامنا معه، سواء جاء كلامنا معه بلباس الأفكار(العقل) أو المكاشفات (القلب)، فبالوحي يتكلم الله تبارك وتعالى معنا كما تكلّم مع الأنبياء.وإنّ الوحي أعمّ من التشريعيّ وغير التشريعيّ، وقد يُفرَّق بينهما باستخدام مصطلح الإلهام لغير التشريعيّ، وتخصيص الوحي بالتشريعيّ فقط ، أو بأن يكون الإلهام أوسع دائرة من الوحي بحيث يشمل الالهام التشريعي فيُسمّى بالوحي، وغير التشريعي فيبقى على إصطلاحه السابق أي الإلهام.

وبتعبير آخر إنّ منهجية مدرسة "الحكمة الإلهية المتعالية" تعتمد على المصادر الثلاثة: وحي الأنبياء والمُرسلين، ومكاشفات العرفاء والمتألّهين، وأفكار الفلاسفة والمفكرين . وهذه ثلاث طرائق معرفية لا نستطيع أن نستغني عن واحدة منها والاكتفاء بالأخرى.

يقول صدر المتألهين--> «لا يجوز في طور الولاية ما يقضي العقل باستحالته، نعم يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يقصر العقل عنه، بمعنى أنه لا يدرك بمجرد العقل، ومن لم يفرِّق بين ما يحيله العقل وبين ما لا يناله، فهو أخسّ من أن يخاطب...» (الرسائل، ص 283).

موقعية القرآن والتراث الروائي

وأما على مستوى موقع القرآن والتراث الروائي فهي تعتبر بمثابة أصول عقلية برهانية في هذه المدرسة، بسبب أن هذه المعطيات صادرة عن مبدأ العقل والوجود والحجج المعصومين عن الخطأ والزلل. فهي قضايا يقينية وضرورية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.

إذاً، النقطة الأساسية المحورية هي تَطابُق الشرع والعقل والكشف في جميع المسائل الحكمية.

الخطوط العريضة للحكمة المتعالية

لقد أوجدت فلسفة صدر المتألهين تحولاً جذرياً في عالم الفلسفة الإسلامية، تمخضت عنها نتائج باهرة في حقل العقائد. أما الأصول التي صاغ عليها صدر المتألهين فلسفته فهي-->

أ – ما يتعلّق بالأمور العامة من الوجود

1 – أصالة الوجود واعتبارية الماهية-->

تُعتبر هذه المسألة والمسألة اللاحقة لها الركنَيْن الأساسيين اللذين انطلق منهما صدر المتألهين لبناء منظومته الفلسفية.

والمقصود من أصالة الوجود واعتبارية الماهية--> هو أن ما ندركه في الخارج هو شيء واحد، ولكن العقل يحلّله إلى حيثية مختصة وحيثية مشتركة فينتزع مفهومَيْن اثنين، كل منهما غير الآخر مفهوماً وإن اتحدا مصداقاً،

وهما الوجود والماهية. فالوجود هو الأصيل والماهية هي الاعتبارية.

2 – إن الوجود حقيقة واحدة مشككة-->

وقع الكلام بين الفلاسفة والعرفاء أن حقيقة الوجود هل هي واحدة أو كثيرة؟ بناءً على أصالة الوجود، نجد عدة أقوال-->

1ً – إن حقيقة الوجود واحدة ولا توجد فيها أي كثرة. وهذا هو القول بـ «وحدة الوجود الشخصية» المنسوب إلى العرفاء.

2ً – إن الوجود والموجود كثير حقيقة، وإن هذه الوجودات حقائق متباينة. وهذا هو المنسوب إلى المدرسة المشائية.

3ً – إن الوجود واحد والموجود كثير، وهو المنسوب إلى المدرسة الإشراقية.

4ً – إن الوجود في عين وحدته كثير، وفي عين كثرته واحد.

بعبارة أخرى--> إن الوجود حقيقة واحدة لها مراتب مشككة

وهذه هي النظرية التي اختارها صدر المتألهين.

3 – إثبات الإمكان الفقري في قبال الإمكان الماهوي.

4 – بيان مناط احتياج المعلول إلى العلّة، وأنّه كامن في وجوده.

5 – بيان كيفية ارتباط المعلول بالعلّة، وأنه بنحو الوجود الرابط القائم في غيره، لا بنحو الوجود القائم في نفسه كما تقوله المدرسة المشائية.

6 – إثبات الحركة الجوهرية في العالم المادي، وأن الحركة لا تختص بالمقولات العرضية كما هو المشهور بين الفلاسفة قبل الشيرازي.

7 – بيان كيفية ارتباط الثابت بالمتغيِّر، هذه المسألة التي كانت تُعدّ من المسائل المعقّدة في التفكير الفلسفي.

8 – إثبات الحدوث الزماني للعالم المادي، وهي من المسائل الأساسية التي وقع فيها النزاع بين الفلاسفة والمتكلمين.

ب- ما يتعلق بالمبدأ 1 – إثبات وجوده تعالى عن طريق برهان «الصديقين»، وله تقريب خاص لهذا البرهان.

2- إثبات أنّه تعالى بسيط الحقيقة كلّ الأشياء و يقول صدر المتألهين-->

إن الواجب تعالى هو المبدأ الفيّاض لجميع الحقائق والماهيات، فيجب أن تكون ذاته تعالى مع بساطته وآحديته كلّ الأشياء بنحوٍ أعلى وأشرف،

فالبسيط الحقيقي من الوجود يجب أن يكون كلّ الأشياء وليس بشيءٍ منها.

3 – تحقيق عميق يتعلّق بعلم الحق تعالى التفصيلي بالأشياء قبل إيجادها،

من خلال القاعدة الفلسفية السابقة--> «بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها».

ج- ما يتعلق بعلم النفس الفلسفي – الإنساني

1 – إثبات اتحاد العقل والعاقل والمعقول.

2 – إثبات أن النفس جسمانية الحدوث وروحانية البقاء.

3- إثبات أن القوة الخيالية مجردة عن المادة.

4 – إثبات أن النفس في عين وحدتها هي كل القوى.

5 – نظريته في كيفية وجود المفاهيم الكلية.

د- ما يتعلق بالمعاد

1 – بطلان التناسخ الملكي.

2- إثبات المعاد الجسماني.

3 – إثبات أن الإنسان ليس نوعاً أخيراً، بل هو مختلف الحقيقة في الباطن،

وهي نظرية تجسم الأعمال.

4 – إثبات خلود الكفار في العذاب والآلام.


أثبتت نظرية صدر المتألهين لأول مرة في تاريخ الفلسفة--> التكامل بين الروح والجسد في الحركة الجوهرية. وقد جمع صدر المتألّهين بين ما عليه الإشراقيون من أنّه لا يصل الإنسان إلى الحقائق إلا عن طريق الرياضة والتصفية والشهود، وما عليه المشاؤون من أنّ اقتناص الحقائق رهن الدراسة والتحقيق، فصار يجمع بين الأسلوبين، مع إصراره على أنّ الأقيسة والمقدمات المنطقية توصل الإنسان إلى ما يوصله تجريد النفس عن شهواتها ولذاتها وتخلّصها من أدران الدنيا وأوساخها، فالسبيلان ينتهيان إلى هدفٍ واحد، والفرق بينهما كالفرق بين من يسمع وصف الحلاوة وبين من يذوقها، وتنديده بمن يُكرّس اهتمامه على أحد دون الآخر. ويقول في هذا الصدد في مقدمته على الأسفار (ج 1)-->

ولا تشتغل بترهات عوام الصوفية من الجهلة، ولا تركن إلى أقاويل المتفلسفة فإنّها فتنة مضلّة، وللأقدام عن جادة الصواب مزلة وهم الذين إذا جاءتهم

رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون،

وقانا الله وإياك شرّ هاتين الطائفتين ولا جمع الله بيننا وبينهم طرفة عين أبداً". لقد اعتمد صدر المتألهين على أدوات المعرفة التي وفّرها الله تعالى للإنسان، ولم يقتصر على أداة دون أخرى فقد اعتمد على كلّ من-->العقل،القلب والوحي. فقد كان يؤمن أنّ المدرسة الإسلامية الشيعية أمّنت الاتّفاق والاتّساق بين الإلهام والوحي الإلهي من جهة والفكر الفلسفي من جهةٍ أخرى.

وفاته

بالرغم من الإنجازات الكبيرة التي قام بها، استطاع صدر المتألّهين من الحجّ إلى بيت الله سبع المرّات. وفي طريق عودته من آخرها توفي في مدينة البصرة ودُفن هناك، وذلك سنة 1050 هـ/1640 م.

وصلات خارحية

وهناك عدة مواقع الكترونية وعالمية تتكلم عن الحكمة المتعالية نذكر منها

موقع معهد الحكمة المتعالية --> www.mutaaliah.com.

موقع جامعة الامام الصادق "ع"--> :www.isu.ac.ir/Arabic.

موقع الكوثر:-->/www.al-kawthar.com.