الرئيسيةبحث

محافظون جدد

المحافظون الجدد مجموعة سياسية أمريكية، تميل إلى اليمين المسيحي المتطرف، آمنت بقوة أمريكا وهيمنتها على العالم. وهم ليسوا ساسة فقط بل كتاباً نافذين، ومفكرين استراتيجيين، ومحاربين قدامى، وجمهرة من المثقفين أكثر تطرفاً من كل ألوان الطيف الفكري والثقافي الأمريكي الحالي.

وهم أيضاً جماعة ذات ميول صهيونية مغلفة بعداء شديد للعرب والمسلمين، حددت مسار السياسة الخارجية الأمريكية في عهد جورج دبليو بوش، وعملوا على بلورة سياسة تجيز استعمال قوة أمريكا العسكرية للوصول إلى أهدافها، من دون النظر إلى أية اعتراضات.. إذ يعتقد المحافظون الجدد أنهم يملكون الحقيقة وحدهم، وأن قوة الأسلحة التي يملكون تفرض نفوذها على الجميع.

ويصنف تيار المحافظين الجدد بأنه لصيق الصلة بإسرائيل، وحليف متعصب لها، إذ أن أكثر قادة ومنظري (الجدد) من المثقفين اليهود. ويعرف بعض المتخصصين هذا التيار بأنه نتيجة صراع نشب بين اليهود الليبراليين واليهود المحافظين حول السيطرة على وجهة يهود أمريكا الأيديولوجية.

والمحافظون الجدد ليسوا جدداً إلاّ في إعادة ممارسة دورهم وتوجهاتهم، لأن الفكر المحافظ هو لب القيم الأمريكية منذ تأسست الولايات المتحدة، وقد عادت هذه الخلايا النائمة إلى الظهور المتطرف من جديد بفضل النهج السياسي الذي اعتمده جورج بوش الابن.

وكان منشأ هذه الحركة مع خروج مجموعة كبيرة من المفكرين اليهود واليمينيين من الحزب "الديمقراطي" إبان ولاية جيمي كارتر، الذي تبنى أجندة اليسار الجديد، وعارض التصعيد ضد السوفيت، ورفض مطالب المحافظين بتوظيف بعضهم في إدارته. ومن ثم تحولوا ــ متبنين سياسة متشددة تدعو إلى تعزيز القوة العسكرية ومواجهة السوفيت ــ إلى الحزب "الجمهوري" وزادت هيمنتهم علي السياسة الخارجية الأمريكية في عهد رونالد ريجان، الذي آمن بفكرة التصعيد، ورفض نقد اليسار اللاذع للثقافة الأمريكية.

وقد عُرف المحافظون مع ريجان ــ كمجموعة منشقة عن الحزب الديمقراطي ــ باسم "ديمقراطيو ريجان" Reagan's Democrats ، حيث تفرقوا في المراكز الأكاديمية والبحثية والإعلامية من دون أن ينتظموا في حزب أو يشكلوا جسماً سياسياً يمكن أن يشار إلى أدبه السياسي المكتوب أو إلى عقيدته الفكرية. وكانت هذه هي المرحلة التي تبلور خلالها تيار "المحافظين الجدد"، إذ ساعدت الحركات ــ أو بمعنى أدق ــ التقلبات الفكرية والسياسية التي مر بها المجتمع الأمريكي، على تشكيل بيئة خصبة لنمو أفكارهم وتبلور تيارهم الفكري والسياسي.

منطلقاتهم الفكرية..

يؤمن المحافظون الجدد بدور "القوة العسكرية" كأداة أساسية لمواجهة التحديات والنزاع في العالم. والعلاقات الدولية بالنسبة لهم تقوم على القوة، كما أن السلام الحقيقي إنما يأتي فقط نتيجة للانتصار في الحرب، وليس بالدبلوماسية أو العدالة.

وخلال السنوات الأخيرة ساند المحافظون الجدد عدداً من الأفكار التي اكتسبت رواجاً واسعاً في واشنطن، وعلى رأس هذه الأفكار "الإيمان بأن أمام أمريكا فرصة غير مسبوقة لإعادة صياغة النظام العالمي" نابعة من حالة الفراغ التي يعشها العالم بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، وهو فراغ يجب أن تملأه أمريكا من خلال الدور "الرسولي" الحتمي الذي يجب أن تضطلع به.

إذ يرى هؤلاء أن العالم يبحث عن قائد، وأن أمريكا هي حتماً هذا القائد، فسيطرة أمريكا وسيادتها المطلقة على العالم هي مصدر الاستقرار. لذا فهم يرون أن من الطبيعي أن يتوحد الغرب وغيره من دول العالم تحت القيادة الأمريكية لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.

ويكن المحافظون الجدد قدراً كبيراً من الرفض لدور المنظمات الدولية، والقانون، وجهود الحد من التسلح، وبشكل خاص يناصبون "الأمم المتحدة" العداء، حيث يرون أن القوة العسكرية يجب أن تبقى أساساً رئيسا للسياسية الخارجية.

وقد آمن الجدد بأنهم قادرون على التدخل العسكري لإعادة تشكيل الدول كالعراق وأفغانستان ولبنان وإيران، وجعلها نموذجاً لقدرة أمريكا على التدخل ومساعدة الأصدقاء والتغيير، ولهذا جرى الترويج لمبدأ السيادة الوطنية المحدودة، أو حتى إلغاؤها عندما تتعارض مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية. وفتح الأمريكيون الباب لحملات عسكرية تأديبية على دول مستقلة وأعضاء في الأمم المتحدة، كما وصل بهم الحال إلى تهميش دول كبرى ذات دور أساسي وفاعل في العالم كالصين، وروسيا.

ومن بين ما يؤمن به المحافظون الجدد أن من واجبهم التعجيل بعودة "المسيح" إلى الأرض، لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس "بشن الحرب على المسلمين والاستيلاء على كل الأراضي المقدسة". وهم ينظرون بعين التطرف إلي الآخر ويرونه ــ أياً كان ــ عدواً يجب استئصاله.

وحول المكونات الأساسية لفكرهم، يقول (ستيفن هلبر) و(جوناثان كلارك) ــ مؤلفا كتاب "المحافظون الجدد والنظام العالمي" ــ إنها تشمل الإيمان العقدي والصراع بين "الخير" و"الشر". إذ دعا مفكرهم ليو شتراوس ــ الذي هاجر من ألمانيا هرباً من النازية واستقر في أمريكا ــ إلى بناء أمريكا كقوة كبرى تحارب الشر في العالم.

وفي مجال الاقتصاد، تبنى المحافظون الجدد "الليبرالية الجديدة" التي تستند إلى فرض (الأمركة) على نظام العولمة، وما تتضمنه من تدويل واسع على صعيد الإنتاج والتبادل، وتداول الخدمات والمال والاتصالات والمعرفة ومنظومة القيم والأفكار. كما تبنوا سياسة اجتماعية منحازة لصالح الأثرياء والشركات الرأسمالية الكبرى، على حساب مصالح الفقراء وشرائح واسعة من المجتمع.. وكانوا قد رفضوا الثورة الثقافية التي اجتاحت أمريكا في الستينات، والتي نادت بالتعددية الثقافية وحقوق الأقليات والنساء، إذ رأى الجدد أن ذلك من شأنه أن يضعف أمريكا.

وكان الرئيس الأمريكي، جمي كارتر، قد نبه في كتابه: "القيم الأمريكية المعرضة للخطر" إلى أن المحافظين الجدد ــ الذين روجوا لفكرة أنه إما أن تكون معنا أو أن تصبح ضدنا ــ أصبحوا بفلسفتهم الإمبريالية يشكلون أكبر خطر على سمعة الولايات المتحدة في العالم.


وصلة تتعلق بهذا الموضوع المحافظون الجدد