الرئيسيةبحث

ما بعد التفاعلية

ما بعد التفاعلية Post Interactivity مفهوم اصطلاحي يصف مرحلة جديدة ولجت إليها شبكة الإنترنت منذ عام 2006، وإن كانت إرهاصاتها قد بدأت تتبلور مع بداية الألفية الثالثة. وهي من خلال الدلالة المباشرة لهذا المصطلح تعني تجاوز المرحلة التفاعلية من مراحل الإنترنت، والتي ذكرت - كمصطلح - للمرة الأولى في عام 1954، في كتاب ولبر شرام: عملية الاتصال الجماهيري وتأثيراتها، ثم في دراسة ماكميلان وداونز McMillan & Downes في 1999، والتي انتهت إلى أن الهدف من الاتصال هو التبادل والإعلام.. إلخ.

ومصطلح "ما بعد التفاعلية" صكه الباحث في مجال سوسيولوجيا الإنترنت وسام فؤاد؛ معبرا به عن اتجاه الإنترنت لمرحلة جديدة في مجال علاقة مرتاديها وزوارها بمحتواها والمنشور على صفحاتها.

فحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان مرتادو الإنترنت ينقسمون حديا ما بين منتج لمحتوى الإنترنت وبين مستهلك لهذا المحتوى. وكانت العلاقة ما بين منتج المادة ومتصفحها أو مستهلكها تقوم على تواصل من خلال مجموعة من الأدوات الاتصالية البدائية كبريد عموم المواقع أو ما يسمى: الويب ماستر، أو من خلال البريد الإليكتروني لصفحات الموقع إن وجد أو من خلال البريدالإليكتروني لمنتج المادة إن أتيح، وكانت بعض المواقع تستبدل هذا كله من خلال توفير قاعدة بيانات لتجميع التغذية المعادة حول منتجاتها المبثوثة على الإنترنت. وهذه الأدوات لم تلبث أن فقدت فعاليتها بسبب سوء استخدامها. وبمعنى آخر؛ كان تدفق الإعلام عبر الإنترنت يقوم على فلسفة التدفق في اتجاه أحادي One to Many: من المنتج إلى المتصفح في شكل اتصال إعلامي وتعليق محض، قد يتطور في بعض الأحيان لحوار عبر منتدى إليكتروني مدار يتحكم به مالكه. وكانت قلة نادرة من المواقع تمثل استثناء من هذه القاعدة.

وبدءا من أواخر عام 2005، دخلت الإنترنت مرحلة جديدة أمكن فيها لكل متصفحي الإنترنت أن يكونوا بمثابة مرسلي المادة الإعلامية ومستقبليها في آن، أي أن الإنترنت كوسيلة إعلامية صارت تعبير عن تدفق المحتوى الإعلامي في اتجاهين أو أنه أصبح تدفق متعدد الاتجاهات Many to Many. فبفضل التطور التقني، وترجمته في وسائل مثل السيرفرات الضخمة، وقواعد البيانات المتطورة، وتقدم تطبيقات الويب، بفضل هذا كله أصبحنا نجد مواقع تتيح لزوار الإنترنت ومتصفحيها تكوين حسابات يمكنهم من خلالها تحميل ملفات الفيديو والصوت والصورة والنصوص على مواقع محدودة تخصهم، وأن يتحكموا فيمن بإمكانه مشاهدة هذا المحتوى بدءا من التعامل والتداول الخاص وحتى التداول العام المفتوح للجميع.

واللافت في هذا الصدد أن هذه الخدمات تقدم مجانيا. كما أنها أصبحت خلو من الرقابة إلى حد بعيد. وبدلا من المنتديات الإليكترونية المدارة، والمجموعات البريدية محدودة الفاعلية، والمواقع المجانية المتخمة بالإعلانات التي تفرضها المواقع الموفرة للخدمة، بدلا من هذا كله وجدنا المدونات ومواقع الفيديو ومواقع ألبومات الصور ومجموعات التواصل الآني تغزو الإنترنت.

وبرغم انخفاض تكلفة إنشاء المواقع، ونظرا لبعض القيود التي ترد على عملية إنشاء المواقع، وجدنا متصفحي الإنترنت يؤثرون اللجوء لهذه الخدمات المجانية لتوفير الوعي بما يهتمون به من قضايا عبر ما يقدمونه من منتجات مالتيميديا تدعم قضاياهم التي تتراوح ما بين الجدية الفائقة وحتى المشاركة بغرض الترفيه. واللافت أن متصفحي الإنترنت العرب بخاصة لجأوا إلى هذه الخدمات لتوفير درجة من الوعي بقضاياهم السياسية التي تلقى من وسائل الإعلام بما فيها مواقع الإنترنت درجات متفاوتة من التعتيم.

تلك الحالة التي تجاوزت التفاعلية لصالح المشاركة المباشرة من متصفحي الإنترنت في إنتاج وتقديم محتوى هذه الشبكة العنكبوتية هي ما سنعرفه اليوم وتاريخيا باسم "الإنترنت ما بعد التفاعلية".