الكتابة هي الطريقة التي يمكن بها توثيق النطق ونقل الافكار والأحداث إلى رموز يمكن قراءتها حسب نموذج مخصص لكل لغة. بدأ الإنسان الكتابة عن طريق الرسم ثم تطورت هذه الرموز إلى أحرف لكي تختصر وقت الكتابة.
لقد بدأ الانسان الكتابة مستخدما الوسائل المتاحة لديه حيث بدأ باستخدام النقش على الحجر لتدوين ما يريده ثم انتقل إلى الكتابة على أوعية أخرى كالرق والبردي والورق الذي اخترع في بداية القرن الثاني م. ثم ما لبث الانسان الأكثر تقدما أن اخترع الآلات التي تساعده على الكتابة مثل الآلات الكاتبة والمطابع وأخيرا أصبح الانسان يسخدم الكتابة من خلال أجهزة متقدمة جدا مثل الحواسيب وأصبح يتعامل اليوم بما يسمى الكتب الالكترونية.
شعر الإنسان منذ القديم بالحاجة إلى تسجيل ما لديه من معلومات على وسيط خارجي قابل للتداول بين الناس، فكان ظهور الكتابة أو الرموز. وبفضل الكتابة وقع تحديد حقوق الأفراد والمجموعات كما ثبتت الشرائع والديانات.
لقد مرت الكتابة بمراحل رئيسية، ليست متعاقبة بالضرورة وإنما هي متداخلة في الزمان والمكان، وقد سميت الكتابات الأولى بالتصويرية (Pictographique) ومن بينها الكتابة المسمارية التي كان يستعملها البابليون والآشوريون، والهيروغليفية كالمصرية والصينية.
لكن وقع التفريق فيما بعد بين الكتابة التصويرية بمعناها الضيق (بيكتوغرافيا) وهي الأقدم عهدا وكتابة الأفكار (إيديوغرافيا) كمرحلة أعلى من مراحل الكتابة التصويرية، فإذا رسمت دائرة تنبثق منها أشعة فإن الصورة في هذه الحالة تعني "شمس" وتؤخذ على أنها رمز صورة (pictogramme)، أما إذا كان ذلك الرمز الصورة يعني فكرة منبثقة منه مثل القيظ أو حار أو ساخن أو دافئ فإنها تؤخذ على أنها (idéogramme)، أي صور لكلمات، حيث أن الواحد من تلك الرموز هو في الغالب عبارة عن كلمة كاملة أو فكرة بأسرها.
ثم استحالت تلك الرموز من التعبير عن أفكار إلى مقاطع (syllabes) أي مجموعة من الرموز يدل كل منها على مقطع؛
ثم استخدمت العلامات آخر الأمر لا لتدل على المقطع كله بل على أول ما فيه من أصوات وبهذا أصبحت حروفا.
ومن أهم المناطق التي تطورت فيها الكتابة بلاد الرافدين (العراق الحالي) ومصر بالإضافة إلى سوريا وإيران:
1- في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين دجلة والفرات، بدأت الكتابة مع السومريين الذين قدموا إلى هناك ربما قادمين من الهضبة الإيرانية. وقد استمر وجود السومريين وبالتالي حضارتهم عدة قرون بدءا من الألف الرابع ق م حتى اختفوا من التاريخ في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد وقد احتلت مكانهم ببلاد الرافدين شعوب أخرى (الأكاديون، البابليون، الآشوريون). وقد ورثت هذه الشعوب وطورت ما توصل إليه السومريون من تنظيمات سياسية وإدارية وقوانين وخاصة منها الكتابة المسمارية نسبة إلى المسامير التي كانت تكتب بها على الطين والتي كانت تتخذ من خشب صلب أو عظام أو معدن. وهذه الكتابة تظهر في شكل خطوط شبيهة بالمسامير. وقد بدأت في الألف 4 ق م أي حوالي سنة 3600 ق م، وكان اختراعها في البداية لدوافع عملية (التجارة والإدارة وشؤون الدولة) وبقيت كذلك لعدة عهود قبل أن يقع استعمالها في الفنون والأدب والعلوم والميثولوجيا وغيرها. وتطورت من كتابة تصويرية إلى نظام كتابي تطغى عليه السمات الصوتية. وكانت هذه الكتابة تكتب من اليمين إلى اليسار.
2- مصر : كانت الهيروغليفية كتابة تصويرية تستخدم فيها صور البشر والطيور والثدييات والنباتات والأدوات المختلفة بالإضافة إلى وجود علامات. وكان عدد الرموز الهيروغليفية حوالي 700 وكانت لها وظيفتان تصويرية وصوتية معا. وقد حظيت الكتابة في مصر القديمة بموقع متميز إذ كانت وسيلة للرقي الإجتماعي حيث كانت تفتح أمام صاحبها باب التوظيف في الدولة.
3- الساحل الفينيقي : عرف الفينيقيون بكونهم أبدعوا منذ نهاية الألفية الثانية ق م الأبجدية التي تتركب من 22 حرفا صوتيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الحروف ظهرت غير بعيد عنهم في أوغاريت (رأس شمرا)وسيناء، غير أن الفينيقيين هم الذين اشتهروا بها إذ قاموا بنشرها على السواحل المتوسطية بدءا من اليونان في القرن 10 ق م.
يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت (ق 5 ق م)، V، 58 "الفينيقيون هم الذين أطلعوا الإغريق على الكثير من العلوم ومن بينها علم الحروف. ويبدو أن الشعوب الإغريقية كانت قبل ذلك تجهل تماما استعمال الحروف ... فقد أخذتها عن الفينيقيين واستعملتها بشيء من التحريف وأطلقت عليها اسم "الفينيقية" (أي الأحرف الفينيقية).
لقد أخذ اليونانيون من الفينيقيين ليس فقط حروف الأبجدية، وإنما أيضا ترتيبها ونطقها مع بعض التحوير حيث أضافوا إليها الصوائت (voyelles) واختلفوا في اتجاه كتابتها فكتبوها من اليسار إلى اليمين. وانتشرت الأبجدية من اليونانيين إلى لغات أخرى كالروسية والقبطية والإتروسكية واللاتينية.