الشيخ الثائر كايد مفلح العبيدات، أول شهيد أردني يروي بدمه ثرى فلسطين عام 1920، التي قضى فيها المئات من أفراد الجيش العربي الأردني خلال سني المواجهة.
يذكر المؤرخ والباحث الأردني سليمان الموسى في كتابه "أن الشيخ كايد كان شخصية مهيبة نافذة وزعيما مرموقا في ناحية لواء بني كنانة وعلى اتصال وثيق برجال الحركة الوطنية".
بعد الانقلاب التركي على السلطان عبد الحميد الثاني في العام 1908، وإعلان حزب الاتحاد والترقي سياسة تتريك الأمصار العثمانية، تفجرت الروح القومية الوطنية في بلدان العرب، وأنشئت جمعيات وحركات قومية سرية في أغلبها، نادت بإحياء العربية في نفوس شعوبها.
بدءا من العام 1910، وثق الشيخ كايد العبيدات علاقاته بزعماء الحركة الوطنية العربية وحزب اللامركزية الادارية العثماني والجمعية القحطانية، وأصبح أولئك الزعماء ينظرون إلى الشيخ كايد كوطني قومي غيور على شرف الأمة وانتمائه إليها.
تحرك الشعور القومي لدى الأردنيين عندما تنصل الحلفاء من وعودهم للشريف حسين بن علي، مفجر الثورة العربية الكبرى، بتوقيعهم اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد الشام والعراق في العام 1916، تبعها وعد وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917.
أعلنت الجماهير رفضها لذلك الوعد، وتداعت زعامات الأردن للوقوف في وجه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، لعقد اجتماع تاريخي في عجلون بحضور مئات من الشخصيات الوطنية في مقدمتها الشيخ كايد مفلح العبيدات، الذي اختير لمراسلة شيوخ وزعماء العشائر الأردنية في بقية أنحاء الأردن، لحثهم على توحيد كلمتهم أمام المد الصهيوني.
في أول هجمة أردنية ضد قوات الاحتلال البريطاني في منطقة تلال الثعالب في فلسطين، ارتفع الشيخ كايد شهيدا أردنيا أول على ثرى فلسطين. نقل النعش على أكتاف مناضلين من درعا في ظلام الليل إلى منطقة المخيبة ثم الحمة ومن ثم كفر سوم، حيث ووري الجثمان هناك.
لم يكن خبر استشهاد شيخ منطقة الكفارات سهلا، فقد كان نزوله على أبناء تلك المنطقة شبيها بنزول الصاعقة. لم يصدق بعضهم الخبر حتى أكده رفيق الشهيد في النضال الشيخ عزام الجبر عندما خاطب المجاهدين "لقد خسرتم الذي قادكم في معركة واحدة، لكننا خسرنا القائد والزعيم والشيخ والابن الذي تعودنا ان نراه كل يوم. لقد فقدت اعز ما كنت افتخر به في هذه الدنيا، لكن العزاء بموت شيخنا الذي اختار الموت على أرض فلسطين". واقتبس الجبر من الشيخ كايد ما كان يردده "عندما يكون الموت حق فاشرف انواع الموت ان يكون على تراب فلسطين شعارنا إلى الابد وسنعلمة للجيل الذي سياتي بعدنا".
وعبر كل واحد عن حزنه بطريقته الخاصة. فهذا الشاعر الشعبي الدقرواني يقول في هجاء الشهيد كايد:
يوم جاني علم أبو تركي صحيح كاني مصروع صايبني جنون
سال الدمع فوق وجناتي طفيح وسقاني البين كاسات الغبون
اما في الجولان، وفي جباتا الخشب بالتحديد، فقد عم الحزن أهاليها ورفعت الرايات السوداء.