الرئيسيةبحث

قرض 1864

قرض سنة 1864 بقيمة 5,704,200 جنيه انجليزي.

كان على البلاد من الدين العام عند وفاة سعيد باشا نحو أحد عشر مليون جنيه، وهو في الواقع مبلغ جسيم إذا قورن بميزانية مصر في ذلك العصر. وقد ندد إسماعيل حينما تبوأ عرش مصر بإسراف سلفه سعيد ، واعتزم أن يسير طبقاً لقواعد الاقتصاد والتدبير، ونوه بذلك في خطبة ألقاها بحضور وكلاء الدول ، وأوضح فيها برنامجه الذي اعتزم اتباعه في الحكم، فهي بمثابة (خطبة العرش ) تفيض بالآمال الكبار والأماني الحسان. قال فيها : " أن أساس الإدارة هو النظام والاقتصاد في المالية ، وسأبذل كل جهدي في اتباع قواعد النظام والاقتصاد ، وقد عزمت أن أرتب لنفسي مخصصات محدودة ، لا أتجاوزها أبداً ، وسأعمل على إبطال السخرة التي اعتمدت عليها الحكومة في أعمالها ، وآمل أن تؤدى حرية التجارة إلي نشر الرفاهية والرخاء بين جميع طبقات الشعب ، وسأعنى كل العناية بتوطيد دعائم العدالة ". تلك عهود الخديوي في خطبة العرش وأولها اتباع النظام والاقتصاد.

ولكن لم تكد تمضى عدة أشهر على هذه الدعوة حتى أخذ ينقضها ، ففتح باب القروض متلاحقة بعضها إثر بعض ، وأتخذها عادة تكاد تكون سنوية.

ولم تكن حالة البلاد المالية مما يستدعى الاقتراض ، لأن مصر تعد من أغنى بلاد العالم ، وتستطيع إذا هي وجدت إدارة حكيمة أن تسلك سبيل التقدم والعمران دون أن تحتاج إلي القروض ، وعلاوة على ذلك فأن ما نشئ عن الحرب الأمريكية الأهلية من ارتفاع أسعار القطن في أوائل حكم إسماعيل ، قد جعل البلاد في حالة يسر ورخاء.

واشتملت ميزانية سنة 1864 على زيادة في الدخل على الخرج ، فلم يكن ثمة حاجة إلي قرض جديد كما يقول مؤلف (تاريخ مصر المالي) الذي عاش في ذلك العصر وألف فيه كتابه القيم. ولكن إسماعيل أقترض أول قروضه سنة 1864 ، وتذرع لتسويغه بحاجة الحكومة إلي المال لمقاومة الطاعون البقرى الذي انتاب البلاد في ذلك العهد ، ولسداد أقساط ديون سعيد باشا ويقول مؤلف ( تاريخ مصر المالي ) "ص18" إن مقاومة الطاعون البقري كانت حجة واهية ، لأن الفلاحين والملاك هم الذين احتملوا وحدهم الخسائر الناشئة عن هذا الطاعون ، ولم يرد بميزانية سنة 1864 مما أنفقته الحكومة في هذا الصدد سوى 125,000 جنيه ، ولذلك أبدى دهشته من أن الحكومة تلجأ إلي الاقتراض على ما في ميزانية سنة 1864 من زيادة الدخل على الخرج. وقال أن السبب الحقيقي لقرض سنة 1864 أن إسماعيل لم يحقق وعود الاقتصاد التي قطعها على نفسه ، بل سار سيرة بذخ وهوى وإسراف ، واستكثر من شراء الأطيان والأملاك لنفسه والإنفاق عليها ن فهذه الأسباب هي التي جعلته يعقد القرض الأول ، وما كان سداد ديون سعيد ولا الإنفاق على مقاومة الطاعون البقرى ، إلا ذريعة شكلية لذر الرماد في العيون. هذا ما يقولة مؤلف تاريخ مصر المالي ، وهو كاتب مشهود له بتحري الحقائق والاعتدال في الرأي ، وليس في كلامه مبالغة ، لأن المعروف عن إسماعيل باشا أنه كان بطبعه ميالاً إلي الاستكثار من المال والعقار ، وظهرت علية هذه الميول منذ ولايته الحكم ، فقد كان نظار أملاكه ومفتشوها يفتنون في حمل الفلاحين على بيع أطيانهم أو التنازل عنها للخديوي ، حتى صار مالكاً لخمس القطر المصري.

كتبت مدام (اولمب إدواز) في كتابها عن مصر تقول عن الخديوي إسماعيل : إنه لم يكن يهتم إلا بجمع الملايين ، وكان يقتنى الأطيان في كل ناحية قدر ما يستطاع ن ويلجا إلي السخرة لزرعها واستصلاحها ، ويعقد القرض تلو القرض لآجال طويلة ، تاركاً لمن يخلفه في الحكم أن يسدد ديونه ، حتى كأنه يقصد أن يعقد مهمة الحكم لمن يأتى من بعده. كتب هذا الكلام في ديسمبر سنة 1864 ، ولم يكن مضى عامان على اعتلاء إسماعيل العرش ، فهذا الوصف يعطيك صورة عن ميوله الأولى ، فهو قد بدأ يستدين في الوقت الذي لم تكن البلاد في حاجة ما إلي الاستدانة ، واستدان ليقتنى الأطيان والعقار.

استدان القرض الأول في 24 سبتمبر سنة 1864 من بيت فرولينج وجوشن Fruhling and Goschen الإنجليزي ، وقيمته 5.704.200 جنيه إنجليزي بفائدة 7% لمدة 15 سنة وبلغت الفائدة الحقيقية مع الاستهلاك 12% ، وهى كما ترى فائدة فاحشة ، ولذلك لقي القرض إقبالاً عظيماً من المكتتبين في سنداته ، وقد رهنت ضرائب الأطيان بمديريات الدقهلية والشرقية والبحيرة لسداد أقساطه.


مراجع