قتل الرحمة والسلوك الطبي من منظور الشريعة والقانون. هو عنوان كتاب لمؤلفه الأستاذ الدكتور أمل العلمي. صدر ضمن "سلسلة أبحاث بين الطب والإسلام" للمؤلف. الطبعة الأولى ماي 1999م (مطبعة آنفو برينت فاس). وقدمه الأستاذ الدكتور علي لغزيوي عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وأستاذ الأدب العربي بالجامعات المغربية، والمحافظ سابقا على خزانة القرويين العريقة بفاس.
إنها لمبادرة طيبة هذه التي أقدم عليها الدكتور أمل العلمي، وهو يقتحم مجموعة من التحديات، ويلتزم بإخراج سلسلة علمية متميزة تحاول أن تعرض أمور الطب وقضاياه وإشكالاته على ضوء القانون والشرع، هدفه من ذلك إعادة الاعتبارات الخلقية والإنسانية لهذه المهنة الشريفة التي تتوخى حفظ الأبدان ليقوم الناس بوظائفهم في الحياة على خير وجه، ودحض ما قد يداخل الممارسات الطبية في الحياة اليومية من شبهات وميول تمليها الأهواء أكثر مما تنضبط بالقانون والشريعة. وكان اختياره الأول موفقا حين استهل هذه السلسلة بموضوع لا يخلو من طرافة ومفارقة في الوقت ذاته ولاسيما وقد غدا شاغلا للمهتمين في الآونة الأخيرة، وهو : موضوع (قتل الرحمة والسلوك الطبي من منظور الشريعة والقانون) ليكون فاتحة هذه الإصدارات التي لا شك ستلقى القبول لدى الأطباء أولا، ثم لدى رجال القانون وفقهاء الشريعة، وكذلك لدى الباحثين عموما، من أساتذة وطلبة، كما سيجد فيها القارئ العادي متعة وطرافة، لأنها بقدر ما تثير لديه مجموعة من التساؤلات، تسعى في الوقت ذاته إلى الإجابة عن تساؤلات أخرى مرتبطة بهذا الموضوع ارتباطا جدليا، ليس لأنه موضوع الساعة فقط، وإن كان قد عُرف قديما أيضا، ولكن لأنه يضع الممارسة الطبية في ما يسمى بالحالات الحرجة والاستثنائية من حياة المريض على محك الضمير الخلقي ويعرضها على المواد القانونية، والتشريعات السماوية، والسؤال المحير هو : هل يحق للطبيب، أو لغيره ممن له علاقة بالمريض أن يحكم وينفذ حكمه بوضع حد لحياته بادعاء الرحمة والشفقة ؟ مهما كانت الأحوال ؟ وأين مسلماتنا الدينية من قبيل : الأعمار بيد الله، وما إلى ذلك مما يدخل في الغيبيات ؟. إن الكتاب بهذه الخصوصية، يسد ثغرة في المكتبة العربية الحديثة. بما يتناوله من قضايا وإشكالات وحالات ومواقف ترتبط أساساً بالممارسة الطبية. وكذلك بما يعرضه من جوانب فقهية وقانونية واجتماعية وتاريخية وفلسفية... ويؤكد، من خلال اللغة التي كتب بها، إمكان استيعاب لغتنا العربية للثقافة العلمية بعد أن كان ذلك حكرا على لغات أخرى في الغالب، ويبرهن، من خلال منهجه الذي يجمع بين الرؤية الأكاديمية والخبرة المهنية لصاحبه الذي يعمل طبيبا جراحا في تخصص حساس جداً من جسم الإنسان هو الرأس والأعصاب، بل هو قبل ذلك وبعده أستاذ ممارس ومتمرس بكلية الطب بالدار البيضاء سابقا، ملم بتراث الأدبيات الطبية لدى الأمة الإسلامية ولدى غيرها من الأمم القديمة، مواكب لمستجدات تخصصه، مشارك فيما يعقد من ندوات ومؤتمرات طبية داخل الوطن وخارجه، كاتب باحث مخترع في مجال تخصصه، مشارك في العمل الجمعوي والثقافي ذي النزعة الإنسانية والقيم الفكرية النبيلة. إن منهج الكتاب وأسلوب عرض مضمونه، وما يتميزان به من تبسيط غير مخل، وإيجاز بعيد عن الإطناب والحشو، لمن شأنه أن يجعل هذا السفر الصغير في حجمه، الكبير في مضمونه، النبيل في أهدافه، جديراً بالاقتناء من أجل قراءته دون عناء، وجعل المكتبات الخاصة تزدان بهذه السلسلة بما لها من أهمية في المساهمة في تبسيط الثقافة الطبية وتقريبها من الإنسان العادي، دون أن تفقد قيمتها لدى المختصين والمهتمين، ولاسيما وهي قائمة على التوثيق، معززة بالفهارس المساعدة على الوصول إلى الهدف بأيسر جهد، وضمنها فهرس معجم الألفاظ أو المصطلحات الطبية الواردة في النص، مؤثرة لاستعمال اللغة العربية أداة للتواصل، جامعة بين التعريف بالمشكل واقتراح حلوله على ضوء القانون والشرع، بغية ترشيد المهنة، مهنة الطب، موفَّقة في معالجة المواقف وعرضها في إطارها الإنساني الواقعي وما يصطبغ به من صراع بين الأهواء والنزعات الذاتية من جهة، وبين الضمير المهني والخلقي من جهة أخرى، ثم بين الوضع الاجتماعي للمريض وأسرته، وبين هذه الجوانب جميعها وما يتميز به القانون من صرامة أو ما يعانيه من ثغرات، وما يتصف به الفقه الشرعي من شمول في سن الضوابط، وما يقوم عليه من تكريم للإنسانية والحفاظ على روح الإنسان التي ترتبط بالملإ العلوي. إنني لا أملك شخصيا إلا أن أهنئ الصديق العزيز الدكتور أمل العلمي على مبادرته الطيبة هاته، مقدراً غيرته على العربية، وإصراره على إخراج سلسلته المفيدة بلغة القرآن، بما يتطلبه ذلك من اجتهاد يعرفه الممارسون للمهنة في بيئة لا تستعمل في هذا المجال إلا اللغة الأجنبية، منوهاً بما توخاه من غايات نبيلة تعكس كريم محتده وأصالة تكوينه وحميد خلقه، شاكراً له هذه المتعة التي أتاحها لي وهو يضع بين يدي هذا السفر الثمين لأقرأه وأقدم له. معتزاً بثقته في شخصي المتواضع. وأنا على يقين من أن كل من قرأ صفحات هذا السفر اللطيف سيجد من المتعة أضعاف ما وجدته في فقراته وفصوله. أسأل الله أن ينفع به، ويثيب صاحبه ويتقبله منه ويزيده توفيقا. وهو من وراء القصد. د. علي لغزيوي