الرئيسيةبحث

فيميون

فيميون رجلا من بقايا أهل دين عيسى بن مريم في نجران ، كان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا ، مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بين القرى ، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها ، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه ، وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد ، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا ، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي ‏‏‏.‏‏‏

قال ‏‏‏:‏‏‏ وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا ، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح ، فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله ، فكان يتبعه حيث ذهب ، ولا يفطن له فيميون ‏‏‏:‏‏‏ حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض ، كما كان يصنع ، وقد اتبعه صالح ، وفيميون لا يدري ، فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه ، لا يحب أن يعلم بمكانه ، وقام فيميون يصلى ، فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها ، فخافها عليه ، فَعِيلَ عَوْلُهُ ، فصرخ يا فيميون ، التنين قد أقبل نحوك ؛ فلم يلتفت إليه ، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها ، وأمسى فانصرف ‏‏‏.‏‏‏ وعَرف أنه قد عُرف ، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه ؛ فقال له ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ‏‏‏:‏‏‏ تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك ، وقد أردت صحبتك ، والكينونة معك حيث كنت ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ ما شئت ، أمرى كما ترى ، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح ‏‏‏.‏‏‏ وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه ، وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي ، وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته ؛ وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير ، فسأل عن شأن فيميون فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ إنه لا يأتي أحدا دعاه ، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر ‏‏‏.‏‏‏

فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا ، ثم جاءه فقال له ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا ، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه ، فأشارطك عليه ‏‏‏.‏‏‏ فانطلق معه ، حتى دخل حجرته ، ثم قال له ‏‏‏:‏‏‏ ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ كذا وكذا ؛ ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ، ثم قال له ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ، عبد من عباد الله أصابه ما ترى ، فادع الله له ‏‏‏.‏‏‏ فدعا له فيميون ، فقام الصبي ليس به بأس ‏‏‏.‏‏‏

وعرف فيميون أنه قد عرف ، فخرج من القرية واتبعه صالح ، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة ، فناداه منها رجل ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ نعم ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ ما زلت أنظرك وأقول متى هو جاء ، حتى سمعت صوتك ، فعرفت أنك هو ، لا تبرح حتى تقوم علي ، فإني ميت الآن ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ فمات وقام عليه حتى واراه ، ثم انصرف ، وتبعه صالح ، حتى وطئا بعض أرض العرب ، فعدوا عليهما ‏‏‏.‏‏‏

فاختطفتهما سيارة من بعض العرب ، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب ، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ، لها عيد في كل سنة ، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه ، وحليّ النساء ، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما ‏‏‏.‏‏‏

فابتاع فيميون رجل من أشرافهم ، وابتاع صالحا آخر ‏‏‏.‏‏‏

فكان فيميون إذا قام من الليل يتهجد في بيت له - أسكنه إياه سيده - يصلي ، استسرج له البيتُ نورا حتى يصبح من غير مصباح ؛ فرأى ذلك سيده ، فأعجبه ما يرى منه ، فسأله عن دينه ، فأخبره به ، وقال له فيميون ‏‏‏:‏‏‏ إنما أنتم في باطل ، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ، ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها ، وهو الله وحده لا شريك له ‏‏‏.‏‏‏

قال ‏‏‏:‏‏‏ فقال له سيده ‏‏‏:‏‏‏ فافعل ، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك ، وتركنا ما نحن عليه ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ فقام فيميون ، فتطهر وصلى ركعتين ، ثم دعا الله عليها، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها ، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه ، فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم ، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض ، فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب ‏‏‏.‏‏‏

مصدر