بين الفوناتك والفونولوجيا كانت البداية عندما فكر الخليل في جمع اللغة عن طريق الحصر والاستيعاب لا عن طريق الجمع أو التصنيف، فاتجه نحو الترتيب الألفبائي، وساعده على ذلك وعيه بالأسس الصرفية وخصائص ائتلاف وجمع الأصوات جنبا إلى جنب في اللغة العربية، وساعده على ذلك عقليته الرياضية، فقدم معجمه عن طريق الصور المختلفة لتقاليب الأصوات، أو نظرية التوافيق والتباديل -إن صح التعبير- فجاء معجمه غاية في الإتقان وقمة في الإحكام. والأسس الصوتية التي يحفل بها كتاب العين على وجه العموم ومقدمته على وجه الخصوص يمكن أن ندرجها تحت فرعين أساسيين من فروع علم الأصوات الحديث، الفرع الأول هو ما أطلق عليه علم الأصوات النطقي (Phonetics) والفرع الآخر هو علم التشكيل الصوتي (Phonology)، وكلا العلمين يبحثان في الصوت اللغوي، أو بعبارة أخرى يبحث كل منهما في جانب من جوانب هذا الصوت اللغوي، ويعتمد كل منهما على أسس وأساليب خاصة للبحث. وشاع المصطلح الأول حتى أصبح علما على الدراسات الصوتية عامة، وكان هذا الإطلاق هو الأشهر حتى أواخر القرن التاسع عشر، حيث بدأ التطور البحثي يلقي بظلاله على علوم اللغة، واتضح للباحثين أن هناك جوانب للصوت اللغوي. "والفوناتيك عند مقابلته بالفونولوجيا يصبح ذا مدلول ضيق نسبيا: إذ هو يطلق حينئذ ويراد به دراسة الأصوات من حيث كونها أحداثا منطوقة بالفعل(actual speech events)لها تأثير سمعي معين(auditory effect) دون النظر في قيم هذه الأصوات أو معانيها في اللغة المعينة، إنه يعنى بالمادة الصوتية لا بالقوانين الصوتية، وبخواص هذه المادة أو الأصوات بوصفها ضوضاء(noise) لا بوظائفها في التركيب الصوتي للغة من اللغات"( ). فالفوناتيك يوجه اهتمامه نحو القضايا الصوتية بوجه عام، أو ربما دلالته إلى نحو أبعد حيث يقصد به: "التنبيه على عدم قصر بحوث هذا الفرع ومناقشاته على أصوات لغة بعينها، وفي بيان أنه معني بالصوت اللغوي في عمومه والنظر في مشكلات هذا الصوت بوصفه خاصة مشتركة بين اللغات جميعا"( ). أما الفونولوجيا فهي "علم أصوات الكلام والأنماط الصوتية"( ) أو هي "علم وظائف الأصوات"( ) أو هي "علم التشكيل الصوتي"( ). فهذا العلم هو المعني بالبحث في وظيفة الصوت اللغوي كما يعنى بوضع الأسس العامة التي تحكم هذه الأصوات في لغة من اللغات، فالفونولوجيا العربية لها أسسها العامة التي تميزها عن الفونولوجيا الإنجليزية أو الفرنسية أو غير ذلك، فلكل لغة نمط صوتي خاص يتمثل في: • مجموعة الأصوات التي تكون هذه اللغة • التراكيب المسموح بها لهذه الأصوات في الكلمات • عمليات حذف وإضافة وتغيير الأصوات"( ). فالفونولوجيا –كما أسلفنا- علم يختص بدراسة النظم والأنماط الصوتية التي تميز كل لغة عن غيرها "والنظام الصوتي هو جميع الأصوات اللغوية المتمايزة عن بعضها البعض في لغة ما"( ). "ولكل لغة أنماطها الصوتية الخاصة بها إضافة لاشتراكها مع لغات أخرى في أنماط موحدة. فالكلمات في اللغة العربية، على سبيل المثال لا تبدأ بصامتين. بينما نجد في اللغة الإنجليزية كلمات تبدأ بصامتين بل وثلاثة صوامت مثل: "يطير" "”fly” و"شارع" “street” فالمقطع في اللغة العربية لابد أن يبدأ دائمًا بصامت واحد يليه صائت، والكلمة تبدأ بمقطع. أما في الإنجليزية فإن المقطع يمكن أن يبدأ بثلاثة صوامت، أو صامتين، أو صامت واحد، أو بلا صامت"( ).
ملحوظ: هذا النص مأخوذ من كتاب فونولوجيا القرآن للباحث/ أحمد راغب أحمد
--196.218.202.74 14:05، 22 نوفمبر 2007 (UTC)أحمد راغب